alexametrics
الأولى

لماذا 17 ديسمبر وليس 14 جانفي؟ جولة داخل ذهن قيس سعيد

مدّة القراءة : 3 دقيقة
لماذا 17 ديسمبر وليس 14 جانفي؟ جولة داخل ذهن قيس سعيد

كيف يسترجعُ الرئيس الأشهر المفصليّة في سنتي 2010- 2011؟ كانت سنة جامعيّة عرجاء لقيس سعيد، أستاذ القانون الدستوريّ، لم تكتمل، ولم ينه برنامجهُ، غاب عن فصل الأستاذ أغلبُ الطلبة للالتحاق بالمُظاهرات، ثم أُلغيت الامتحانات، ثمّ عُرف -صدفة- مُحللا ومختصّا في القانون، وتمّت الاستعانة به -صدفة- للاسهام في وضع مشروع الأمر المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط الدستورية العمومية.

 

لم يكن سعيّد مُعارضا، نقابيّا، ناشطا سياسيا، أو ناشطا حقوقيّا. لم يشارك في حراك 17 ديسمبر بسيدي بوزيد، ولم يكن له أثر يوم 14 جانفي. الأغلب أنه كان يستمتعُ بالعطلة المفاجئة، يشاهد تطورات الأوضاع من غرفة جلوسه هانئا و"منسيّا في خياله، لا أحد يهينُ مزاجه الصافي أو يفكر في اغتياله". فلم استبدل الرئيس التونسي 14 جانفي بـ 17 ديسمبر، تاريخا للاحتفال بذكرى الثورة 2011؟

 


لأنّ ذلك ما يفعلهُ الأكاديميون! التنظير. الوقوف خارج مسار التاريخ للتعليق والتصويب دون أيّ ارتباط بما يحدث.
لأنّ ذلك ما يفعلهُ الشعبويون! رمي الاتهامات والديماغوجيا التي تقوم على دغدغة العواطف وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة.
لأنه ان لم يفعل ذلك... لن يكون، قيس سعيد.

وسعيد، مازال، ذات الأستاذ الذي جلس طيلة أمسيات ديسمبر وجانفي على أريكته- يرى الثورة المُتلفزة ويحللّ في سرّه ما لا يجرؤُ على قوله علنا. اليوم، يجلس سعيّد على كرسيّ الرئاسة -صُدفة-، يمارس هوايته المفضلة، الأكاديميا المشوهة، التحليلُ المفرغ من السياقات، التنظير المتعالي، وتعويضا لنُقصان في نفسه، كونه لم يكن حاضرا بين النقابيين والحقوقيين والمحامين الذين احتووا الغضب الشعبي وأطرّوه وحولوه الى فعل احتجاج سياسيّ مطلبيّ.

سعيد لا يريدُ تزوير التاريخ، أو تزييفه، بل اعطاء نُسخة موازية يكون حاضرا فيها بأيّ طريقة حتى يكون لهُ أثر. وهذه اضاءات، عن أطروحة الرئيس- الأستاذ، للتاريخ البديل.

يحاججُ سعيّد بقوله إن "الانفجار الثوري انطلق من سيدي بوزيد، ولكن للأسف تم احتواء الثورة حتى يتم اقصاء الشعب عن التعبير عن ارادته وعن الشعارات التي رفعها". اذن، دورُ هذا الأكاديميّ الذي كان قبل الثورة مستقيلا من الشأن السياسي، هو تأصيل الثورة زمانا ومكانا. وكونهُ لا يملك أثرا تاريخيا قرر أن يصوغ أثرا، كجزء من مشروعه الشخصي. ولأننا لا نعلمُ الفكر السياسي للرئيس الضبابيّ المعادي للاعلام، فلا يمكننا أن ندعيّ أن هذه فكرته، لقد سطا قيس سعيد على أطروحة لا يملكها (كأغلب أكادميي هذا البلد)، وانطلق يدافعُ عنها. أيّ الية أسرعُ للشعبويين من كسب التعاطف سوى التوجه للهامش بدل المركز؟ بدأ الأمر يوم 22 سبتمبر 2021، بدأت موجة المساندة الشعبية لقرارات 25 جويلية بالانحسار، فتوجّه الرئيس لسيدي بوزيد يعيد شحن رصيد التعاطف بعد أن كاد يُفلس.


قراءة سريعة لخطاب 22 سبتمبر المتقطّع رديء الجودة، تؤكد أنّ الرجل يتئكُ على تراكمات عقود من التوزيع الجهوي غير العادل وما عانته المناطق الداخلية من جفاء وعدم اعتراف بالجميل. قرار مدروس، بتحويل غضب أبناء هذه الولاية الى خزّان مساندة، مساندة مقابل الانصاف. لعشر سنوات كانت سيدي بوزيد "تحتفلُ" وحدها بثورتها بينما تحتفل بقية الولايات بثورة أخرى، في تاريخ اخر. وبما أنّ الرئيس يعادي الطبقة السياسية المحسوبة على 14 جانفي، لم يكن لهُ من حلّ سوى نسبُ نفسه للمعسكر الاخر زورا. فكرة 17 ديسمبر تعادي النخب التي ينتمي لها تقنيا قيس سعيد، المتعالين الذين لا يقبلون أنّ الهامش يمكنهُ التغلب على المركز، وأنّ بامكان فتى من سيدي بوزيد أن يغيّر وجه العالم، وأنّ المواطن البسيط يمكنه ممارسة الفعل السياسي والنجاح فيه أفضل من المُنّظر. الأطروحة هي الاعتراف بزمان الثورة ومكانها الحقيقي ضد السطو على نضالات سيدي بوزيد ونسبها للمركز، والنخب التي التحقت بالثورة بعد وضوح الأمور . يتبنى سعيد صراع الهامش الذي ثار لوحده وفتح الطريق للاحتجاج ضدّه ثمّ تم اغتيال ذاكرته.

يرى الرئيس، في أطروحته المستعارة، أنّ الثورات تستمدّ تاريخها من يوم انطلاقتها وليس بتاريخ سقوط الأنظمة، وأن تونس هي الوحيدة من بين دول "الربيع العربي" التي تنكرت لتاريخ انطلاق الاحتجاجات واعتمدت تاريخا مزيّفا ليوم خروج "السياسيين" للصورة بعد أن ترددوا في مساندة حراك ديسمبر 2010 دون الاعتراف بفضل هذا التاريخ وهذه الجهة وحق الشهداء الذين ارتقوا في الولايات الداخلية برصاص بوليس بن علي. هذا ليس موقف قيس سعيد، ومن المشين أن يدعيّ ذلك ويمارس عنفا مزدوجا على الجهات التي حرمت من حقها المعنوي في نسب تاريخ الثورة لها: انه يواصل ممارسة دور "المنقذ الأبوي" المهووس باللغة والرمزيات والنقاط والفواصل والاقتباسات الغريبة. انّه يعيد انتاج نفس الأزمة، يظن أنّه يناصر فئة بينما الواقع أنّه يستغلّها للاحتماء بها من فشله في الخروج من المأزق الاقتصادي والاجتماعي ويتخذّها قاطرة للمرور لمشروع ذاتّي لن يغير حياتهم اليوميّة.

انّه يستغلّهم، دون حياء، دروعا لمعركة سياسيّة بين طواحين الهواء. يقوم بالخدعة الأقدم في الكتاب، استغلال الانقسام بين "النحن" والـ"هُمْ"، للاستحواذ على الجمهور وتوجيهه بخطاب مؤثر لكسب التعاطف. انّ سعيد عبر اعتقاده أنّه بامكانه قيادة هذا الشعب بالتحريض والشحن الجهويّ واستثمار الصراعات، لا يثبت سوى استبطانه لاحتقار لشعبه.

 

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter