alexametrics
فيروس كورونا

صباح الخير يا نهاية العالم، كيف حالك اليوم؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة
صباح الخير يا نهاية العالم، كيف حالك اليوم؟
 
 
أريد أن أشكر اللّه على الألارجيكا (دواء الحساسية) الذي يؤخر الجنون يوما آخر حتّى لا تسكن عشائر النّملِ حلقي وجيوبي الأنفية.
 
لا أريد أن أسعل بحدّة بسبب حساسية الرّبيع. السعال في مكان عام هذه الأيام كقولِ "قنبلة" على متن طائرة، أو كالهُتافِ الله أكبر في ساحة بلد "حُرّ". هاه، انظروا، موبوءة! سيقولون. موبوءة، يالها من لفظة! بعد سنوات ستكون شتيمة جديدة على الألسنة التونسية. أيّها الموبوء! يا ابن الموبوءة! 
 
 أترين، السعال الجاف من عوارض فيروس الكورونا. أظنكما تعرفان بعضكما ولا داعي للبروتوكولات، وأنا أريد فقط أن أبتاع القهوة وأعود للحجر الصحي- أقصد للمنزل، حيث رائحة الجفال- أقصد الدفء العائلي. 
 
الساعة 9.
 أحاول أن لا أشتم السيّد الموبوء الذي يلكزُ كتفي بحثا عن المقرونة التّي تطلبها زوجته، فكرت في طريقة لأخبره بلطف أن يترك مسافة الأمان. عسانَا حتى وإن انتهت هذه الجائحة نواصل ترك مسافات الأمان، بين المارة والسيارات، وفي الصفوف، وبين القُلوب. 
أحتاجُ القهوة، لكنها نفذت. لا قهوة في مطبخ أمّي. مطبخُ أمي؟ هي تعابيرُ ذكورية بَنت أعشاشها- كالنمل في حلوقنا حتّى نبصقها إلى الجُمل بلاوعي. النّمل سيأكلُ حتّى لُغتنا ليُهين النساء ولا يوجد دواء لذلك. لا قهوة في المطبخ، وأنا أحتاجُ القهوة لأقرأ. أول أيام الحجر الصحي كشفت سلوكا جديدا لدى بعض المخلوقات الغريبة. يُصرّون على أن "يتعاطفوا" مع النساء من أجل الساعات الطويلة التي يُقضينها في المنزل. 
 
"كان نزيد نهار آخر في الدار تجيني العادة الشهرية." دوّن وهو يحك خصيتيه. 
 
 "هاها.." نتقبل هذا المزاح الغبي على مضض. "هاها". عسى أن يُحسوا بحقيقة الأفضلية التي يمنحها لك إمتلاك قضيب، وأنها ليست وهما اخترعتهُ النسويات الشريرات. "هاها"  عسى أن يخرجوا من هذه الأزمة وقد تعلموا كيف لا يقتاتُون من إمتيازات تصنيف جندري  واهٍ. "هاها" عساهم يدركون أن الطبخ والتنظيف مهارات حياتية يجب على أي إنسان مُحترم إجادتها وليست أدوارا تُمنح وفق الجهاز التناسلي.
 
 
الساعة 11، أنزعُ وجهي وأعلقه على حبل الغسيل. لا يمكن أن تظهر تعابير خوف عليهِ وتراها أمّي. تأتي نصاف بن عليا وتتلُو عدد المصابين الجدد وعدد الوفايات، يتوقف العالم ونصاف تقرأ علينا ما أُوتيت من وحي، نخشع لصوت العِلم الذي يعلو في ساعة واحدة من النهار على صوت "جامع بلال" الذي يبث القرآن دون انقطاع بخشخشة مكبّرات الصوت الرخيصة التي صُنعت في الصين. أكتبُ الأرقام وأنا أدّعي أنها قليلة حتّى لا تغضب أمي وتقوم بغسلنا بالجافال والخلّ الأبيض! أمي تغضب حين تسمع خبرا سيئا وحين تغضب تقوم فورا بتعقيم المنزل الذي سبق وعقمته منذ نصف ساعة، وتطردنا خارجا "للشّمس". نحن بمأمن دوما تحت الشّمس..
 
الساعة 15.
الكتاب الذي لا يزيد من تواضعك لا يستحق القراءة. الكتاب الجيد هُـو الذي لا تحتاج للقهوة لتقرأه لأنه  يحاصرك في زاوية رأسًـا مع كاتِبه بحيث لا تعدو بقية مكونّـات المشهد  كونها إكسسوارات هامشيّــة.  هذا لا يعني أنّ القهوة اكسسوار تفوّق ثقافي! لكن ربطها  بكليشيهات المثقف الذي لا يقرأ دون قهوة خاطئ. اشربوا اللبن! ألا يرتقي اللبنُ لمقام القهوة؟
 
هذا الهدوء، والنقص في بعض المواد، جعلاني أدرك أنني كنت "أثّقـفُ" الإستهلاك، عوض عن أستهلك الثقافة، أنا أستهلكُ القهوة لأنها جزء من الصورة النمطية، لأن المجتمع الاستهلاكي ربط القراءة بكوب القهوة. أنا أيضا مخلوق غريب يجتّـرُ ستيريوتيب أوروبي آخر. 
القهوة قهوتنا. أجـدادُنا، سلـفُ السُّمرة و نارِ السّهر،  قبيلة "الأورومو" في أثيوبيا ، هُم أول من اكتشف حبوب القهـوة. القهوةُ إفريقـيّة، إفريقيـا تُداوي جروح العـالم منذ قرون، والعـالمُ يحفر جرحًا بإفريقيـا كلّ يوم.
 
  الساعة 19. 
لا طائرات في سمائنا ولا يرسو بموانئنا أحد. إجراءات تونس تستبق المرحلة الوبائية الثالثة، ويظهر بلدنا الصغير  خاليا من أي حركة جويّة.. لكن ليبيا أيضا لا طائرات في سمائها! الخريطة ذاتها تظهر خلو المجال الجوي الليبي من أي حركة، والأرقام تقول أن ليبيا لم تسجل أي حالة بفيروس كورونا. الفرق، أنه لا وجود لدولة في ليبيا. هذه الفكرة تُطمئنني، أنّ لي دولة تفعل ما بوسعها من أجلي بينما أجلس في بيتي. هذا الفكرة تجعل الهواء أخف والجباه أقرب إلى السماء. المزاج العام ليس سيئا، لم يكن التونسيون المتذمرون يطلبون شيئا سوى أن يحسوا بأن دولتهم تُحارب من أجلهم. يومًا ما، سنزيل الحدود العابِثة من الخريطة، ونصيرُ شعبا واحدا لا تسـطّرُنـا الولاياتْ وتصيرُ كلّ الألقابِ؛ تونسي. سيفوق عدد المسارح عدد السجون، ويفوق عدد المستشفيات عدد المساجد.
يومًـا ما.
الساعة 23
 نشرتُ للتو مقالا عن مجموعة من المواطنين الذين خرقوا الحجر الصحّي وحظر التجول ليقوموا بإحتجاج ليلي على.. الكورونا. إنه العبث! اجتمعوا، عشرات، أمام نزل تحول لمركز إيواء صحي للمصابين المحتملين بكوفيد-19. بالداخل، مواطنون تونسيون يعيشون رعبا حقيقيا، عادوا للتو من سفر مُضن، يمرون بضغط نفسي رهيب بسبب اشتباه اصابتهم، والان.. يخافون أن يتم طردهم أو الإعتداء على سلامتهم بسبب وصم إجتماعي خُلق على فايسبوك:  مواطنونا بالخارج هم سبب أزمة الفيروس. 
خارجا، عشرات الشبان يتحدون رجال الأمن، فوضى، هتافات عنصرية : "dégage.. هزّوهم للصحراء...  جبتولنا الكورونا. سيبولنا بلادنا" 
 
ربما مازال مبكرا على افتراض أننا شعب واحد لا تفصل بيننا الولايات والألقاب. مبكرا جدّا. تقف الأنانية بيننا وتقترب من وجوهنا وتسعل.. ثمّ تمسح يديها في أثوابنا. تقف الأنانية بعيدا وتشاهد مواطنا يطرد مواطنا آخرا من نفس رقعة الأرض التي ينتميان إليها، تضحك مِنّا، تلتف للجنوب، تنادي ليبيا :
"حتّى جارتك القافزة مقسمة عروشات عروشات.. ماتخافش."
 
 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter