صعود اليمين المتطرف في ايطاليا - موجة شعبوية تؤثر على تونس

في عام 2008 عندما كانت تبلغ من العمر 31 عاما، أصبحت جورجيا ميلوني أصغر وزيرة في إيطاليا على الإطلاق، إذ تم تعيينها وزيرة لحقيبة الشباب والرياضة من قبل سيلفيو بيرلسكوني.  اليوم تستعدّ ميلوني في سنّ الخامسة والأربعين، لتكون أول رئيسة وزراء في تاريخ إيطاليا. اجتاحت موجةُ الشعبويين وصعود اليمين المتطرفّ العالم ولم تكن روما – ثالث أكبر اقتصادات القارة، بمعزل عن الظاهرة المُقلقة، اليوم وبنسبة 46 بالمائة (نسبة تصويت التحالف اليميني ) يُعد حزب 'اخوان إيطاليا'  أولّ حزب يمينيّ متطرف منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

في حملتها ، استخدمت جيورجيا ميلوني العنصر السحري الذي يناسب السياق العالمي: الشعبوية. في إيطاليا، و في خضم أزمة الغاز و الديون والركود الاقتصادي ، ركز الحزب على معاداة السياسة الاقتصادية للاتحاد الأروبي وتحميله اللوم على الأزمة والدعوة الى اعتبار إيطاليا "أمة" مستقلة  تتحكم في أسواقها وتصدير ''صنع في إيطاليا " للعالم  على كل الأصعدة.  وكان موضوع الهجرة في قلب الحملة التي أطلق عليها الآن اسم "لا ميلوني" والتي انتفضت ضد "العنف الإسلامي" و "أسلمة أوروبا".

 يلتزم هذا الحزب القومي المتطرف بمعاداة المهاجرين واعتبارهم خطر وعبئا، والدفاع عن الحدود الإيطالية والأوروبية ، حتى مع الإشارة إلى احتمال اللجوء إلى فرض حصار بحري ومنعهم من الدخول لإيطاليا في عرض البحر.

لا يبدو أن انتصار جيورجيا ميلوني واليمين الإيطالي المتطرف يثير اهتمام أحد في تونس،  سياسيا واعلاميا لم يتم تداول الخبر بصفة جدية، صمت غريب من  رئاسة الجمهورية و وزارة  بشأن الانتخابات التشريعية الإيطالية التي قد تفاقم مشكلة الهجرة غير النظامين وتهجير التونسيين.

المخاطر هائلة. إيطاليا في الواقع أقرب جغرافيًا إلى تونس من ليبيا والجزائر وعدد التونسيين المقيمين بشكل قانوني في إيطاليا أكبر من أولئك المقيمين في الجزائر وليبيا مجتمعين. إيطاليا تعتبر الوجهة الأولى للـ'حرّاقة' في تونس.

وعلى الصعيد الاقتصادي ، يبدو من الضروري التذكير بأن الصادرات التونسية إلى إيطاليا أعلى بكثير من تلك الموجهة للجزائر وليبيا مجتمعين ، حيث تقدر بنحو 8.57 مليار دينار ، مقابل 661 مليون و 1.8 مليار دينار على التوالي للبلدين المجاورين. كما هو الحال بالنسبة للواردات من إيطاليا والتي هي أعلى بكثير من الجزائر (بما في ذلك الغاز) وليبيا مجتمعة ، فإنها تصل إلى 8.47 مليار دينار مقابل 2.21 مليار و 216 مليون على التوالي.

تأسس حزب إخوان إيطاليا في عام 2012، ولدى الحزب جذور سياسية في الحركة الاجتماعية الإيطالية (MSI)، التي نشأت على أنقاض فاشية موسوليني. ترفض ميلوني وصفها بالفاشية لكن سلوكها المعادي للمهاجرين وخطاباتها المناهضة للحريات الفردية وحرية مجتمع الميم، يظهرانها كعدوة للأقليات وشخصية مُحافظة لا تناسب القرن الواحد والعشرين.

جورجيا ميلوني ابنة عائلة متواضعة وأب يساري، ترعرت في حيّ فقير جنوب روما يعرف وكانت عائلتها تقتات من بيع الخضروات في سوق محلية. رئيسة الوزراء المستقبلية تتبنى أفكارا محافظة  قومية تقوم على تصور إيطاليا كأمة مستقلة عن الاتحاد الاروبي، تشبعت بها أثناء دراستها ومغادرتها حيها المتواضع الى رحاب العالم الحقيقيّ، رغم أنها تتشبث بجذورها أثناء خطاباتها كـ 'ابنة الشعب'، استراتيجية من أبجديات الشعبوية. تعملُ ميلوني كذلك على استغلال كونها سيدة لصالحها سياسيا، رغم أنّ موافقها الرجعية لا تتوافق مع الأفكار النسوية المتنورة.

يتطلع تحالف اليمين الذي يضم حزب رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني، الأب الروحي لجورجيا ميلوني  "فورزا إيطاليا"، وحزب الرابطة اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني،  الى تشكيل حكومة يمينية وتحويل شعارات هذه الأحزاب الى سياسيات عامة للدولة الإيطالية، تعترض قوارب المهاجرين وتهجّر الوافدين بطرق غير نظامية  وتعادي حقوق وحريات الأقليات الاثنية والدينية والجنسية والاسلاموفوبيا.

عبير قاسمي