العائلات التي تصنع الـعُقـد بدل الأحلام ...
8.05 صباحا
استيقظتُ على ضجيج أمي وهي تشد رمضان من أذنيه وتجذبهُ رغما عنه الى بيتنا، 3 أيام تفضلنا عن رمضان، وأغلبنا لا يصوم فعلا، لكن أمي ترفعُ الروزنامة الاسلامية من فضلات السنة وتستعد لموعدها مع الله بالبخور والأواني الجديدة، ككُل عام. رائحة رمضان مُريحة رغم كلّ شيء، وبعض التغيير سيكون منعشا. اشترت نصف متاجر البقالة (ان كنتم تبحثون عن المحتكرين يمكنني أن أمدكم بعنوان بيتنا) وغيّرت الزرابي والستائر ومكان طاولة الفطور من المطبخ الى غرفة الجلوس. تركت شالها الشتويّ الذي ترميه على أكتافها كل صباح ولبست جلبابا سعوديا أتى به أبي من سفره.
حين كنّا صغارا أردنا أن نكون كبارا كأبائنا، اليوم أتمنى لو بامكاني أن أفرح فرحا طفوليا خفيفا كالذي أراه في عيني أميّ. أنا أعلم أن الحنين للماضي هو ما يحركها لتحويل رمضان الى فُسحة فرح.
هذا الفرح لم يدم طويلا. وجهها الباسم تراخى، فتر، لان، ثم هدأ. صدح في عقلها صوت ما، وأغلقت 'الحضرة' التي فتحتها على يويتوب :
تهاتف أمي والديها لتهنئهم، وتتمنى لهم الخير، وتعتذر على أنها لم تستطع أن ترسلهما للحج، ثم تبكي، وتغلق الهاتف، وتتكور في فراشها كطفل صغير، وتعيد شالها المٌتعب على كتفيها، وتتذكّر أنها لم تحقق أحلامها، أو أحلام والديها، وتنطلق في تسمية كلّ الهزائم باسمها.
لا تعرفون شيئا عن أبناء القرى. في شبابهم 'نحب نعاون دارنا' كانت كلّ ما يرددون. جملةُ البساطةِ المُقنّعة بردّ الجميل هذه تكسِر ظهور الكثيرين و تحرمهم الآتي من أحلام ملغاة تغبّر مع الوقت و تقبر. هذه الجملة تشويه للذّات الطموحة و حرمـان غير معلن عنـه، حقّ عُرفيّ لا أدري من فرضه.
يقولها طفل سُحبت من يديه الكراريسُ لتألفَ المعاول و قوارير البلاستيك، يقولها شاب سئل عن هدفه في الحياة، تقولها حناجر العاملات بحقول الزياتين، يقولها ابن إتحاد الطلبة الذي جُنّد قسرا في ريجيـم معتوڨ لمّا إنبعثت لضمأه الفُرص التي قادتهُ بعد سنين إلى يمينِ الخطّ السياسيّ. يقولها الكثيرون رغما عنهـم وسيقولها الكثيرون وهم ينوون "ردّ الدّين" الذي يبقى غير مسددا الى الأبد.
أمي الى الان تجلد ذاتها، أتمنى أن تقرأ هذا النص وتعلم أنها لا تدين لأحد بأي شيء.
هنيئا لأبناء الأسر التي لم تحتج عونا، للذيّن حلموا دون سقف وتكاسلوا دون لومٍ. هنيئا كذلك لمـن إستطاعوا التملص من رابط الدم الثقيل ليعيشوا لأنفسهم غير مجبرين على تقزيم آمالهم أو الإستجابةِ لتوقعّاتٍ مملاة بإسم سلطة وهمية تدعي انها تعرف مصلحتهم أكثر منهم.
يمكن للكلمات أن تصبحَ سلاسل معدن قاسية و يمكن لهيمنةِ حـب الغير أن تُنسيك حب نفسك.
يمكن لهذا الواجب أن يجعلك تجلد ذاتك حتى بعد 20 سنة. يمكنه أن يجعلك فاسدا، سارقًا، مُرتشيا.. إحلـم لنفسك و ساعدهم بطريقتك. سيتفهّمون الأمر عاجلا ام آجلا، العائلة من المفترض أن تكون سنــدا لا قيـدا .
حاولوا أن تكونوا سندا..
تعليقك
Commentaires