alexametrics
آخر الأخبار

الرئيس لا يملك حلّا لأزمة فقدان المواد الأساسية سوى توبيخ وزيرة التجارة!

مدّة القراءة : 8 دقيقة
الرئيس لا يملك حلّا لأزمة فقدان المواد الأساسية سوى توبيخ وزيرة التجارة!

يتوهّم رئيسُ الجمهورية قيس سعيد أن أزمة فقدان المواد الأساسية في تونس سببها الحصريّ هو الاحتكار. حجّة جاهزة يجتّرها في كلّ مرة يقوم باستدعاء فضيلة الرابحي بن حمزة، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات، يُجلسها أمامهُ صامتة متجهمّة، لــيُوبّخها حول 'قوت التونسيين'،و تظل السيدة الوزيرة في حالة جمود الى أن يُنهي الرئيس نوبة الهيستيريا والمونولوغ الذي يتكرر بصفة الية مع كلّ أزمة في السوق. الحلّ بالنسبة للرئيس الذي لا يملكُ أيّ خلفية اقتصادية هو الحديثُ عن شخصيات وهمية تقوم بالمضاربة، في تعارض تام، مع كافة المُعطيات والتحاليل والوقائع- حول الأزمة الحالية، في تونس والعالم.

 تتبادرُ للذهن بشأن السلوك المُريب لرئيس الدولة خلال فترة الأزمة عدة احتمالات : اما انّ الرجل خال الذهن تماما من مظاهر ومصادر هذه الأزمة، أو أنّه يعيشُ حالة انكار مرضية لما يحصلُ في العالم من حوله، أو أنّه يُدرك جيدا ما وراء انقطاع العديد من المواد في السوق التونسية ويقوم مُتعمّدا بمغالطة الرأي العام. كلّ الاحتمالات خطيرة بنفس القدر، حين يكونُ رأس السلطة مُرتبكا وانفعاليّا ولا يقدّم أيّ حلول ليوميّ التونسيين الذي أصبح شبيها بالكابوس، لا يُمكن لومُ المواطنين على حالة الذُعر والارتياب الذين يعيشونها.

 اليكم بلاغين متطابقين تقريبا، للقاء سعيد وزيرته لتأنيبها :

 

في 24 أوت استقبل سعيد  وزيرة التجارة ودعا (للمرّة الألف) الى ضرورة مواجهة المحتكرين بوجه عام ومواجهة من يهددون بإتلاف عدد من المواد للترفيع في الأسعار. وذكّر بضرورة تكامل كل أجهزة الدولة في مواجهة المحتكرين والمضاربين.

 

بعد أقل من أسبوع، في 30 أوت  استقبل الرئيس مجددا فضيلة الرابحي حيث أكد أن الارتفاع في الأسعار مقصود من قبل جهات معلومة تسعى إلى تأجيج الأوضاع بكلّ الوسائل منها افتعال الأزمات في كلّ القطاعات.

 

كلا البيانين يتحدث بصيغة المجهول عن أطراف مُحتكرة تفتعل الأزمات، ويوجه اتهامات بالاجرام في حقّ التونسيين ويدعو الدولة للتحرك- الدولة التي يمثلها هو حصرا، والذي احتكر بذاته كافة سُلطاتها. لا يوجد في كلا البيانين أيّ ذكر ولو عرضيّ لأسباب الأزمة الحقيقية، كعجز الدولة عن الإيفاء بتعهداتها، وتواصل انهيار الدينار وارتفاع التضخّم وأزمة الفلاحين وأزمة القمح العالميّة واثار الحرب الاوكرانية الروسية على أسعار وتوفّر مادة النفط. لا يمكننا أن نتوقّع أن يجد قيس سعيد حلاّ لأزمة لا يعترفُ بوجودها.

 

ماذا يتجاهلُ رئيس الجمهورية ؟ ما غاب عن ذهنه هو أنّ الدولة هي المسؤول الرئيسي عن الأزمة ! وأنّ الوقت الذي يُضيعه في محاربة طواحين الهواء- والأطراف المجهولة التي تتربّص بالتونسيين شرّا، يمكن استثمارهُ في إيجاد حلول حقيقية على الأرض، الوضعُ خطير ومُؤذن بتهديد الأمن الغذائي للتونسيين.

 

 

ميزانيّــة مُخادعة

 أخطأت الحكومة في صياغة قانون المالية لعام 2022  وافترضت أن متوسط سعر برميل النفط لن يتجاوز 75 دولارًا  ونحنُ اليوم نجني ثمار هذا الخطأ.  لم تتوّقع الحكومة الاثار المحتملة للأزمة ، فاجئ تغيّر سعر الصرف الجميع، ارتفعت أسعار السلع وخاصة المواد الغذائية و أدى ذلك إلى زعزعة استقرار أقوى البلدان التي قد تواجه شتاء صعبا بسبب النقص في الامدادات. تعاني تونس من هذه الزيادات البعيدة جدا عن توقعاتها والتي لم يتم رصدها في الميزانية. وحتى قبل الأزمة العالمية، كان إعداد الميزانية صعبا  فقد فشلت الحكومة في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ، والاستفادة من القروض والمساعدات الدولية والآن الوضع المالي للدولة أسوأ مما كان عليه .

 

هؤلاء المُحتكرون الحقيقيّون :

 هناك العديد من الشركات والمؤسسات العمومية التي تحتكر الاستيراد وجميعها تتخبّط في أزمات لا حصر لها. الشركة التونسية لصناعات التكرير تحتكر استيراد الوقود ، الديوان التونسي للتجارة يحتكر استيراد المنتجات الأساسية (السكر، القهوة، الشاي، الارز...) ، الديوان الوطني للزيت يحتكر استيراد الزيت ، ديوان الحبوب يحتكر استيراد الحبوب ، الصيدلية المركزية التي تحتكر استيراد الأدوية  وجميع هذه المؤسسات العمومية فشلت في خلاص مورديها وسببت أزمة في السوق.

 

 تونس دون حليب، قهوة، تبغ، سكرّ ووقود

يعاني المورد المحلي من الإشكالية ذاتها. تتراكم الديون والدفوعات المتأخرة  ويجد الموردون  أنفسهم عالقين في حلقة مفرغة يكون فيها الإفلاس غالبًا السبيل الوحيد للخروج. يعاني آخرون من عدم دفع مستحقات الدعم  من قبل الدولة،  هذا هو حال قطاع الألبان ، حيث لم تدفع الدولة تعويضات الصناعيين لثلاثة عشر شهرا. واليوم تدين الدولة للمصانع الأربعة المتبقية من الثمانية الموجودة ، بـ 260 مليون دينار حتى نهاية جويلية 2022. مما اضطر الصناعيين إلى اللجوء إلى الاقتراض لسد هذا العجز. اليوم انخفض مخزوننا الاستراتيجي من الحليب الى 20 مليون لتر، مع العلم أن التونسيين يستهلكون معدل مليون ونصف لتر يوميا. ينتج الفلاح لتر الحليب بـ 1600 مليم ويبيعها بـ 1140 مليم متحملا ثقل الخسارة بسبب عدم التزام الدولة.

 

تعاني الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد (مؤسسة عمومية تحتكر هذا القطاع) من وضعية مالية صعبة الى جانب فقدان مستلزمات عملية الإنتاج  بسبب عدم دفع الدولة مستحقات الوكالة مما جعلها غير قادرة  على سداد مستحقات المزودين سواء  ويُتوقع أن ينفذ مخزون المواد الأولية لدى الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد بحلول يوم 15 أكتوبر المقبل كحد أقصى.

أما أزمة السكر فقد سببت الى الان باغلاق مصنع 'كوكا كولا'  لصناعة المشروبات الغازية و'سيدة' لصناعة البسكويت و الحلويات تسبب هذا الاغلاق في إحالة أكثر من 6000 عامل مباشر على البطالة التقنية.. لا قهوة على الرفوف في المساحات الكبرى بسبب عدم خلاص الموردين، وبدأنا نشهد اغلاق العديد من المقاهي التي منعت من تخزين القهوة والسكر تفاديا للازمة بسبب قانون مكافحة الاحتكار الذي أضر بالعديد من الصناعيين والفلاحين واثار ازمة كبرى في التزويد وأزمة ثقة بين التاجر والدولة.

قد يُقضي التونسي في بعض الأيام متوسط 30 دقيقة في البحث عن الوقود اما في الصفوف الجحيميّة أمام المحطات التي يغلق بعضها صباحا بعد انتهاء المخزون اليوميّ. الحقيقة هي أن تونس لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها بسبب التأخر في سداد مستحقات مورديها التونسيين والأجانب.  يطلب الموردون الدفع قبل تسليم البضائع. شحنات الوقود معلقة في الموانئ في انتظار سداد مستحقاتها، بينما اضطرت الدولة للجوء للمخزون الاستراتيجيّ لتجنبّ الكارثة. ما الحلّ السحري الذي استنبطهُ سعيد لهذه الاشكالية؟ اعفاءُ  الرئيس المدير العام للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية .

 

 

لا يوجد في ما ذكرناه سابقا أي دخل مباشر لأسطورة 'الاحتكار وافتعال الأزمات' في الوضع الحاليّ، جميعُ الاضطرابات في التوزيع والتوريد سببها عجز الدولة والأزمة العالمية. وصل التضخم  في شهر جويلية 2022 الى اعلى مستوياته منذ 31 سنة، حيث وصلت نسبة التضخم في شهر جويلية إلى مستوى 8,2 بالمائة بعد أن كانت 8,1 بالمائة  خلال الشهر السابق و7,8  بالمائة  خلال شهر ماي و7,5 بالمائة  خلال شهر أفريل، وفق ما أعلنه المعهد الوطني للإحصاء.

 

عوض اعداد استراتيجية لتجنّب التصعيد المتوقع ودخول العالم في أزمة تزوّد كبرى في الأشهر القادمة قد يكون لها اثار كارثية في تونس، يقضي رئيس الدولة وقتهُ ... في اعداد قانون انتخابيّ جديد.

 

 

 

 

 عبير قاسمي

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter