مسرورا بتراجع تونس نقطة في مؤشر حريّة الصحافة العالميّ، فسّر النائب الاسلامي -المُقاطع من قبل وسائل الاعلام- سيف الدين مخلوف أنّ هذا الترتيب مردّهُ عدم مهنيّة الصحفيين التونسيين وانحيازهم السياسيّ. لنرفع اللّبس في المفاهيم الذي أصاب المحامي المخضرم ، تجدرُ الاشارة الى أنّ تونس لم تتراجع في ترتيب "الصحافة"، بل تأخرّت بنقطة في ترتيب "حريّة الصحافة" من المرتبة 72 الى المرتبة 73 وهو مؤشر يُبنى على معطيات رسميّة ووقائع تخصّ مناخ الحريات العامة في بلد ما، وتعامل السلطة مع الصحفيين، وسلوك الفاعلين السياسيين تجاه الاعلام وحريّة التعبير.

عكس ما يزعمهُ النائب المتطرّف، فانّ الصحافة التونسيّة هي الوحيدة في المنطقة التي تعتبرُ صحافة حرّة. عكس الديكتاتوريات الدينيّة، و تُركيا (مثال يتغنّى به مخلوف في الديمقراطيّة ونجاح الاسلاميين في السلطة) التي تتذيل أسفل ترتيب حرية الصحافة وتصنف "سجنا للصحافيين" الذين يرميهم نظامُ المثال الأعلى للاسلاميين رجب طيب أردوغان في السجون (200 صحفي في السجن في الخمس سنوات الأخيرة) ، تركيا تصنف من البلدان القمعيّة، التي يسيطر فيها النظام على 90 بالمائة من وسائل الأعلام.

يوهم مخلوف أنصارهُ أنّ الاعلام يجب أن يكون "محايدا"، وبالتالي فهو يرمي تهمة عدم الانحياز تجاه الوسائل الاعلامية غير المطبّعة مع العنف والتكفير والميزوجينيا. من المواقع المفضلة لدى سيف مخلوف، صحيفة "الصدى" الاسلاميّة لصديقه راشد الخياري، وهي وسيلة اعلامية مختصة في التكفير ومهاجمة رئاسة الجمهوريّة. يبدو أن ذلك هو تعريفُ مخلوف للحياد. من أولى الدروس في معهد الصحافة، أنّه يوجد فرق بين الحياد والموضوعيّة، وأنّ الحياد المطلق فكرة مثالية غير ممكنة- لا يُطلب من الصحفي بأيّ حال من الأحوال أن يتخلّى عن مُواطنته أو قيمه، ويحمل الصحفي على عاتقه مهمة انارة الرأي العام، وهي مهمة يمكن أن تكون عبر الخبر أو الرأي، وبما أنّ الصحفي لا يعتبر جمهوره "قطيعا" مثلما يعتبر الاسلاميون أنصارهم، فهم غير ملزمون باستهلاك المادة الاعلامية المقدمة لهم، وأحرار في اختيار الوسيلة التي تمّثلهم.

يتجاهلُ هذا النائب، أنّ الخط الناظم لكلّ مؤسسة اعلامية هو سياستها التحريرية. الخطّ التحريري ليس تهمة، هو أساس العمل الصحفي، وحتّى المؤسسات العمومية لها خطّ تحريري. في كلّ الديمقراطيات التي تحترم نفسها، يتعددّ المشهد الاعلاميّ بين وسائل اعلامية يمينيّة، يسارية، ليبرالية، علمانية ولم يكن هذا يوما سرّا أو مدعاة خجل، ألم يكن التعدد هو ما دعا اليه هذا النائب الراديكاليّ حين حاول تمرير تنقيح للمرسوم 116 ليسمح بانتصاب الدكاكين الاعلاميّة دون اطار تنظيميّ؟

كان لاتهام منظمة مراسلون بلا حدود لسيف مخلوف بأنه "نائب يمينيّ متطرف"، وقع سيء لدى النائب الذي يعتبر نفسه نائبا وسطيّا ديمقراطيّا لطيفا. هل سيجدُ مخلوف في جُعبة صديقه راشد الخياري تسريبات تثبت أنّ هذه المنظمة تتقاضى مالا أجنبيا من احدى المخابرات لتشويهه؟ منظمة مراسلون بلا حدود لا تنتظر سيف مخلوف ليعترف بها أو يشكك في تقاريرها، هي منظمة دوليّة منظمة دولية تعمل في مجال حرية الصحافة منذ سنة 1985، وهي منظمة مستقلة تحظى بصفة استشارية لدى الأمم المتحدة، وتعتبر تقاريرها رسميّة لدى الحكومات.

لا يدركُ مخلوف أن هذا التقرير لا يدين الصحافة التونسية أو يقلل من قيمتها، بل هو تقرير دوليّ يوجه أصابع الاتهام مباشرة الى ائتلاف الكرامة وحركة النهضة وحكومة هشام المشيشي بأنه خلال عهدتهم مناخ حريّة الاعلام في تراجع مما يعني أنّ السلطة لا تحترم حرية التعبير وتتخذّ منحى بوليسي في التعامل مع الاعلام، وتقوم بالتحريض ضد الصحفيين وحتّى تكفيرهم علنا لمجرّد أنهم احترموا أخلاق مهنتهم ولم يسمحوا للفاشيين باعتلاء منصات اعلامية لبثّ الكراهية والتضليل- بل ان القبول بها السلوك والترحيب به سيكون "موقفا سياسيا" على مقاس مخلوف وأمثاله، ممّن سيتصدرون قائمة أعداء حرية الصحافة التي ستنشرها نقابة الصحفيين التونسيين تزامنا مع 3 ماي المقبل، اليوم العالمي لحرية الصحافة.

ع.ق