تونس لا تحمي نسائها من العنف الزوجي والأسري !
بعد 5 سنوات من التصويت التاريخيّ على قانون مكافحة العنف ضد المرأة في البرلمان التونسي، لا يزالُ تطبيقُ القانون نادرا- وفق تقرير لمنظمة 'هيومن رايتس واتش' التي أكدت، خلال ندوة صحفية اليوم 8 ديسمبر 2022 أن السلطات التونسية لا تحمي النساء رغم وجود الضمانات القانونية. وصفت هيومن رايتس واتش الترسانة القانونية لحماية النساء من العنف في تونس بأنها من أشمل وأفضل القوانين في شمال افريقيا والشرق الأوسط، لكن العقبات تتمثل أساس في انفاذ القانون عبر ذراعي الدولة، الأمن والقضاء.
يشدد التقرير الذي تحصلت بيزنس نيوز على نسخة منه بعُنوان "ومبعد كان ضربك؟" أن السلطات التونسية لم تستجب ولم توفر بشكل منهجيّ الحماية للنساء ضحايا العنف، مازالت النساء تتعرضُ لانتهاكات جسيمة خاصة في المحيط العائلي ويُحرمن في مراكن الأمن في أغلب الحالات من تقديم شكاوي على معنى قانون مكافحة العنف ضد المرأة.
أكدت كنزة بن عزوز، كاتبة هذا التقرير الذي ورد في 95 صفحة، أن اعتماد القانون 58 يمثل إنجازا مهما تحقق بعد نضال طويل لمكافحة العنف ضد المرأة الا أنه وبعد مرور خمس سنوات ماتزالُ النساء والفتيات تتعرضن للعنف على يد أزواجهن وأفراد العائلة- وبدت بن عزوز، متشائمة، وغاضبة وهي تروي الكوابيس والشهادات المرعبة لنساء تعرضنّ للعنف من أزواجهّن، ولازلن يعشن مع هؤلاء المعتدين بسبب عدم تطبيق هذا القانون على أرض الواقع خاصة من طرف أعوان الأمن الذين لا يعلمون النساء بحقوقهن، مع محاولات متكررة لثنيهّن عن تقديم القضايا، مع مطالبة (غير قانونية) بملّف طبي.
من جهتها، علّقت سلسبيل شلالي، مديرة مكتب هيومن رايش واتس في تونس أنّ الدستور الجديد لرئيس الجمهورية قيس سعيد في فصله الخامس يثير المخاوف، مضيفة أنّ القانون الانتخابي تخلى عن التناصف، ومع عدم وجود برلمان، يوجد تراجع ملحوظ لحقوق النساء في تونس.
يضم التقرير شهادات نساء من ذوي البشرة السوداء، نساء من مجتمع الميم (مثليات) ومن العديد من المناطق في الجمهورية، جرجيس، الكاف وبن عروس.
"كان والدي عنيفا جدّا معي، وكانت والدتي تعاملني بشكل مختلف عن إخوتي. كنت أعتقد أنّني إذا تزوجّت سأهرب من عنف أسرتي، لكن الأمر زاد سوءا. بدأ زوجي يضربني في ليلة زفافنا. كُنت في دورتي الشهرية ولم أكن أرغب في ممارسة الجنس، لكنه لم يتقبّل ذلك. ضربني وثبّتني وأجبرني على القيام بأشياء. يصفني دائما بالعاهرة الرخيصة." تقول نهلة، في شهادة لهيومن راتس واتش.
" لم يكن لديّ خيار سوى رفع شكوى. حصلت على شهادة طبيّة من المستشفى تنصّ على راحة مدتها سبعة أيام. ذهبت إلى الشرطة لأريهم الشهادة وتهديدات القتل التي أرسلها لي زوجي على "واتساب". لكن بعد أن تحدّث إليهم زوجي، نصحني أعوان الشرطة بعدم تقديم شكوى. في اليوم التالي، ذهبت إلى المحكمة لتقديم شكوى هناك. لكن زوجي اعتذر، فأسقطتُ الشكوى (...)صار أكثر عنفا. في سبتمبر 2021، ذهبت إلى مركز شرطة آخر لأطلب أمر حماية. رفضوا مساعدتي، فذهبت إلى المحكمة. لما رفضوا مساعدتي أيضا، فتحت الشباك لأقفز من الطابق الثاني للمحكمة، لكن أحدهم منعني. أعرف أنّ زوجي لن يتغيّر. يقول لي إنه لا يخشى الشرطة، ويعرف أنّني لن أرفع أي دعوى بعد الآن لأني لا أملك المال ولا أحد يدعمني."
تعكس تجربة نهلة كيف أنّ التقاعس المتراكم لمختلف السلطات قد لا يترك للنساء خيارا سوى العيش مع شريك معتدي، ما يجعلهن عُرضة لخطر الاعتداء والقتل.
روت نساء لـ هيومن رايتس ووتش تجارب مروّعة عن الاعتداء الأسري. عمد الرجال إلى حبسهنّ، أو ضربهنّ بأشياء مختلفة، أو تهديدهنّ بالقتل، أو اغتصابهنّ، أو إجبارهنّ على العمل لديهم في ظروف قاسية بلا مقابل، أو حرمانهنّ من الأكل وهنّ حوامل، أو مصادرة أموالهنّ، أو هجرهنّ، أو إذلالهنّ لفظيا بشكل يوميّ، وأحيانا في أماكن عامة.
أدخل القانون 58 أحكاما تقدّمية للوقاية والحماية والمقاضاة، وضمن حصول الضحايا على الخدمات المناسبة. أدخل أيضا تدابير وأوامر حماية غير مسبوقة تهدف إلى إبعاد الجُناة عن منزل الزوجيّة والضحايا. شدّد القانون الأحكام الخاصة ببعض الجرائم التي يكون فيها المعتدي أحد أفراد الأسرة أو الزوج/الخطيب (السابق)، وأدرج جرائم جديدة تتعلق بالعنف الاقتصادي والنفسي. ألغى القانون أيضا الأحكام التي كانت تسمح بإنهاء الإجراءات أو إلغاء الإدانات إذا سحبت الضحيّة شكواها، والأحكام التي كانت تسمح بالإفلات من العقاب أو العقوبة المخففة للمعتدين مثل الأحكام التي كانت تُعفي المغتصب من العقاب إذا تزوج الضحيّة.
اعتماد القانون 58 قد شكّل تحوّلا واضحا في الوعي العام بالعنف ضدّ المرأة في تونس.
كانت "مجلّة الأحوال الشخصية" التونسية لسنة 1956، تاريخيّة من حيث بُعدها التقدّمي في تعزيز حقوق المرأة بالمقارنة مع دول أخرى في جميع أنحاء المنطقة، وقبل فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى. غير أنّ الأحكام التمييزية المتبقيّة – مثل تلك التي تعتبر الرجل رئيس الأسرة، والصياغة التي توحي بإلزام الزوجين بالأدوار النمطية للجنسين، وأحكام الميراث التمييزية – تجعل النساء أكثر عرضة للعنف. تُكرّس سياسات الدولة دور المرأة في القيام أعمال الرعاية المنزلية دون أجر وتجعل المرأة معتمدة ماليا على الرجل، مما يساهم في تعرّضها للعنف من قبله، ويتسبب في تكاليف اجتماعية واقتصادية وتنموية باهظة للدولة.
أشار الضحايا الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إلى نقص المساعدات المالية كأكبر عائق أما تحرّر النساء من المعتدين عليهنّ، خاصة اللاتي لديهن أطفال. يكفل القانون 58 خدمات الدمج والإيواء لضحايا العنف وأطفالهن، وبالتالي ينبغي للدولة إنشاء مساعدة مالية في الوقت المناسب لتلبية احتياجات النساء ومساعدتهن على إيجاد سكن طويل الأمد.
رغم أنّ القانون 58 مهّد لإنشاء "مرصد وطني للقضاء على العنف ضدّ المرأة" في 2020، إلا أن المرصد لم يوفّر منذ تأسيسه بيانات كافية عن عنف الذكور ضدّ النساء أو عن تدخلات السلطات لحماية الضحايا وملاحقة المعتدين.
تطبيق قطاع الصحة للقانون 58 يُضعفه عدم جهوزية الطاقم الطبي لمساعدة الضحايا وإحالتهنّ إلى خدمات الدعم المناسبة، وعدم توفر رعاية صحية ونفسية مجانية شاملة للضحايا، والقيود المفروضة على الوصول إلى فحوصات الطب الشرعي، ونقص جمع البيانات أو مشاركتها، ونقص الموارد في قطاع الصحة، الذي زادت الاستجابة لجائحة كوفيد-19 من استنزافه.
يُلزم الفصل 14 من القانون 58 جميع الأفراد والمهنيين بالإبلاغ عن حالات العنف الأسري التي يعلمون بها، إلى السلطات المختصة، مثل رجال الشرطة أو وكلاء النيابة، بغض النظر عن أي التزامات مهنية بالسرية قد تقع عليهم. في الممارسة العملية، نادرا ما يبلغ الطاقم الطبي السلطات عن حالات العنف ضد النساء.
عدد قليلا فقط من شكاوى العنف الأسري يصل إلى المحاكم. وفقا للمعلومات التي قدمتها وزارة العدل، لم يتم الإبلاغ في 2020 إلا عما لا يزيد عن 95 موقوفا (قبل المحاكمة) و111 إدانة فيما يتعلق بقضايا العنف ضد المرأة.
أفادت وزارة المرأة أنه في 2018-2019، سجّلت المحاكم فقط 3,372 شكوى تتعلق بالعنف ضد المرأة، منها 2,958 شكوى تتعلق بالعنف الزوجي. شمل ذلك 48 حالة عنف معنوي، و37 حالة عنف جنسي، و17 حالة عنف اقتصادي.
مقاضاة القضاء لمرتكبي العنف الأسري بطيئة جدا في معالجة الشكاوى بسبب محدودية القدرات، والمواقف الأبوية تجاه المشتكيات من العنف الأسري، والتقاعس عن تقديم المساعدة القانونية غير المشروطة إلى المشتكيات.
من الناحية العملية، فإن وصول المرأة إلى خدمات الدعم نادر في جميع أنحاء البلاد، وخاصة خارج العاصمة وفي المناطق الجنوبية والداخلية.
بعض توصيات هيومن رايتس واتش كما وردت في خاتمة التقرير :
إلى السلطات التونسية
• تعديل مجلة الأحوال الشخصية لإلغاء التزام الزوجين بالتصرف وفقا للعادات والتقاليد، والاعتراف بالمرأة بصفتها رئيسة أسرة؛
• ضمان حق المرأة المتساوي في الميراث ومزايا الدولة في القانون والممارسة؛
• تعديل المجلة الجزائية لإلغاء تجريم المثلية الجنسية بإلغاء الفصل 230 والجرائم ضد الأخلاق الحميدة أو الفحش العلني؛
إلى وزارة الداخلية
• ضمان قدرة وحدات الشرطة المختصة على أن تكون متاحة في جميع الأوقات والأماكن، إلى جانب توفير وسائل نقل للضحايا؛
• ضمان تدريب أعوان الشرطة على تقديم الشكاوى المتعلقة بالعنف ضد النساء في غيابهن والتحقيق فيها وإحالة الضحايا إلى مراكز الإيواء والمساعدة الطبية؛
•
• ضمان قيام أعوان الشرطة بشرح عملية التحقيق وتقديم المشورة للنساء حول قدرة شهادة الطب الشرعي في مساعدتهن في دعم قضاياهن لكن ينبغي ألا تكون الملاحقة محصورة بها؛
إلى وزارة الصحة
• توحيد ممارسات الاستقبال عند إجراء مقابلات مع النساء حول أسباب الإصابات لتقليل مخاطر التعرض للصدمة مرة أخرى؛
• تدريب جميع أفراد الطاقم الطبي على الكشف عن العنف الأسري والتدخل الآمن (أي مع ضمان عدم وجود المعتدي المشتبه به وبدون إبلاغ إلزامي) لإبلاغ النساء بحقوقهن وإحالتهن إلى السلطات المختصة وخدمات الدعم؛
• تقديم الدعم النفسي للضحايا في جميع أنحاء البلاد؛
• ضمان قيام الأطباء بتضمين ملاحظات شاملة حول الأضرار التي لحقت بالضحايا في الشهادات الطبية الأولية وإحالتهن إلى الاختصاصيين النفسيين أو الأطباء الشرعيين حسب الاقتضاء؛
• وضع ونشر مبادئ توجيهية لفحوصات الطب الشرعي وتخصيص فترات العجز المؤقت؛
• ضمان تقديم الشهادات الطبية الأولية والفحوصات الإضافية مجانا لجميع المشتكيات من العنف الأسري، بما في ذلك العنف من أفراد الأسرة؛
إلى وزارة العدل
• ضمان معالجة المحاكم لشكاوى العنف الأسري على وجه السرعة وإعطاء الأولوية لها في حالات الطوارئ مثل الإغلاق؛
• ضمان وصول الضحايا بشكل فعال إلى المساعدة القانونية كما هو منصوص عليه في القانون 58.
• توفير الإنصاف عن طريق التعويض المالي للضحايا بما يتناسب مع خطورة الضرر أو الخسارة التي لحقت بهن وضمان استرداد التعويض من المعتدين؛
• إنشاء آليات للشكوى وأنظمة مساءلة للضحايا للإبلاغ عن الاستجابات غير الملائمة (التقاعس ومحاولات الردع) من قبل الموظفين الحكوميين والتأكد من تقييم هؤلاء من أجل إجراء تحقيقات عاجلة وعقوبات ضد أعوان الشرطة حسب الحاجة؛
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires