alexametrics
فيروس كورونا

الفصل 70 : بين حالة الحرب... وحرب الصلاحيات – قراءة دستورية وسياسية لمشروع القانون

مدّة القراءة : 6 دقيقة
الفصل 70 : بين حالة الحرب... وحرب الصلاحيات – قراءة دستورية وسياسية لمشروع القانون

 

أمام بوادر انفجار اجتماعي وانهيار اقتصادي جراء جائحة كوفيد-19، وبعد مرور عشرة أيام على اعلان فضفاض لاجراءات مصاحبة لقرار الحجر الصحي الشامل، لم تر النور لحد الساعة، بل ويصفها اليوم رئيس الجمهورية ب"المتأخرة والخاطئة"، ترتفع أصوات الموالين للحكومة مطالبين البرلمان بمنح تفويض للسيد رئيس الحكومة، لإصدار مراسيم تدخل في مجال القانون، وكأن التخبط التي تعيشه الحكومة والارتباك في التعاطي مع الأزمة واصدار القرار ونقيضه منذ تشخيص الاصابة الأولى بهذا الفيروس، مردها فراغ تشريعي، أو بطؤ في المصادقة على خطة استثنائية أو استراتيجيا مضمنة في مشاريع قوانين رفض البرلمان المصادقة عليها. وقد صادقت لجنة النظام الداخلي مساء أمس على النسخة النهائية لمشروع قانون يتيح هذا التفويض، من المتوقع أن تصادق الجلسة العامة عليها في الساعات القادمة.

وفي الاثناء، تواترت عبارة "حالة الحرب" في خطاب الفخفاخ أمام البرلمان يوم الخميس الفارط، وفي خطاب قيس سعيد اليوم. وتم ايداع مبادرة تشريعية يوم 25 مارس الفارط يطلب فيها الفخفاخ استعجال النظر في تفعيل الفصل 70 من الدستور واسناده صلاحية اصدار مراسيم تدخل في مجال القانون دون المرور بالمصادقة أمام البرلمان في 13 مجالا، صادقت عليه اللجنة المختصة بالبرلمان يوم أمس الثلاثاء 31 مارس 2020 بعد تعديلات حازت على توافق بين العديد من الكتل النيابية.

وبالرغم من محاولة مساندي الحكومة التعلّل بعدم تفعيل الفصل 70 لتبرير "الأزمة في ادارة الأزمة" والارتباك الحاصل في اتخاذ الاجراءات اللازمة لمجابهة تداعيات انتشار هذا الوباء، فانه لابد من التوقف لطرح جملة من التساؤلات الدستورية والقانونية والسياسية حول جدوى هذا التفويض، خاصة بالنظر الى محتوى النسخة النهائية المعروضة على مصادقة الجلسة العامة :

-  ألا يتعارض  تفعيل الفصل 70 مع تفعيل الفصل 80؟

اعتبر أغلب المختصين في القانون أن رئيس الجمهورية فعّل ضمنيا التدابير الاستثنائية المنصوص عليها في الفصل 80 من الدستورمن خلال ذكره في توطئة أمرين رئاسيين (عدد24 لسنة 2020 وعدد 28 لسنة 2020). كما أن العديد من الخبراء ذهبوا الى أن تفعيل الفصل 80 يقصي ضمنيا تفعيل الفصل 70، حيث أن هذه التدابير الاستثنائية تحتم حسب نفس الفصل 80 أن مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم، ولذا، فلا جدوى من تفويض صلاحية اصدار المراسيم، علاوة على أن الفصل 80 يعطي لرئيس الجمهورية صلاحية اتخاذ التدابير اللازمة التي تحتمها الحالة الاستثنائية.

-  في الرقابة القبلية والبعدية من طرف مجلس نواب الشعب على محتوى المراسيم : هل يجوز دستوريا تفصيل مجالات اصدار المراسيم ؟

ينص الفصل 70 من الدستور بصفة واضحة أن المراسيم التي يفوض المجلس اصدارها لرئيس الحكومة "تدخل في مجال القانون"، ويستثني صراحة القانون الانتخابي من مجال هذا التفويض، ولذا، فإن تأويل الفصل يفترض انه من غير الممكن التنصيص على مجالات مفصلة في صياغة مخالفة للتي نص عليها الفصل 65 من الدستور والذي يعتبر المرجع الوحيد في تحديد مجال القانون.

ويبدو من خلال قراءة معمقة للفصل الأول في صياغة المجالات، أن نية أعضاء اللجنة اتجهت نحو فرض نوع من الرقابة القبلية Contrôle à priori على اصدار هذه المراسيم والذي يشكل في رأيي، مخالفة اضافية للفصل 70 من الدستور الذي نص بكل وضوح على رقابة بعدية Contrôle à postériori على هذه المراسيم يمارسها عبر آلية المصادقة اللاحقة عليها لا غير.

-  هل يمكن للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين مراقبة دستورية المراسيم ؟

ينص الفصل الثالث من مشروع القانون على أنه " يُمكن الطعن في دستورية المراسيم طبقا لإجراءات القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 أفريل 2014 المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين"، في حين نص الدستور صراحة في فقرته السابعة من الفصل 148 على اختصاص الهيئة المذكورة بمراقبة دستورية مشاريع القوانين لا المراسيم، ولا يمكن توسيع مجال تدخل واضح حدده الدستوربقانون. كما انه لا وجود لمشاريع مراسيم حتى تتم رقابتها قبل صدورها بالرائد الرسمي ودخولها حيز النفاذ. و بالعودة لتجربة 2011، فانه لا يمكن الطعن في المراسيم أمام المحكمة الادارية باعتبارها نصوص تكتسي صبغة تشريعية، واعتبرها فقه القضاء الاداري نصوصا سيادية لا يمكن الطعن فيها بالالغاء أمام المحاكم.

-  ماهو الحل لالغاء مرسوم (والآثار المترتبة عنه) في صورة رفض المجلس النيابي المصادقة عليه في غياب المحكمة الدستورية ؟

بالتمعن في القائمة المقترحة في الصيغة المعدلة من طرف لجنة النظام الداخلي بالمجلس، ستدخل بعض المراسيم حيز النفاذ قبل مصادقة البرلمان عليها وقد تترتب عنها آثار نجهل من هي الجهة المختصة لالغائها في صورة عدم دستوريتها، في غياب محكمة دستورية تضمن آلية الدفع بعدم دستورية قانون أمام المحاكم، خاصة في مجالات تهم اجراءات التقاضي أمام المحاكم ، أو المادة الجزائية، أو الحقوق والحريات.

 

هل تدخل كل المجالات المفصلة بمشروع القانون في مجال القانون المحدد بالفصل 65 من الدستور ؟

لو فرضنا جدلا أن تفصيل مجالات اصدار المراسيم حسب الصياغة التي انتهت اليها اللجنة مقبول دستوريا، فان التمعن في هذه المجالات يحيلنا الى تساؤل واضح : ألا تندرج النقطتان الثالثة (ضبط القيود والإجراءات التنظيمية في المجال الصحي وفي المجالات ذات العلاقة - مراجعة تنظيم السنة الدراسية والامتحانات) والرابعة (اقرار القواعد المنظمة لسير عمل المرافق العمومية - إقرار إجراءات متعلقة بالقواعد المنظمة للالتزامات المحمولة على الموظفين العموميين وعلى العمال الخاضعين لمجلة الشغل-  إقرار إجراءات خصوصية استثنائية للشراءات العمومية) ضمن مجال السلطة الترتيبية، أي في صلاحيات السلطة التنفيذية وخاصة تلك المنصوص عليها بالفصل 92؟ فالأمر المنظم للصفقات العمومية يتيح جملة من الاستثناءات "متى اقتضت المصلحة العامة العليا للبلاد"(الفصل 49)، كما أنه لرئيس الحكومة مثلا آلية تسخير الموظفين العموميين متى اقتضت الضرورة طبق الفصل 389 من مجلة الشغل.

-  لماذا صادقت الكتل على هذه النسخة رغم هذه الاخلالات الدستورية الواضحة ؟

بعد طرح كل هذه التساؤلات الدستورية والقانونية، باتت الأبعاد السياسية لهذا المشروع في نسخته النهائية قبل المصادقة واضحة. وكأن صياغة هذه النسخة من طرف ممثلي  الكتل باللجنة المختصة تندرج ضمن اطار ترضية "الرأي العام" الفايسبوكي الذي يواصل بثبات حملته ضد ممثليه بالبرلمان والتنصل من تهم تعطيل العمل الحكومي من جهة، ومن جهة أخرى مواصلة لسياسة التهرب من المسؤولية ومحاولة توريط كل سلطة لأخرى، التي ينتهجها رأسا السلطة التنفيذية والبرلمان منذ منح الثقة لحكومة ما بعد الانتخابات.

كيف سيتحصل الفخفاخ على الأغلبية المطلوبة ؟

يقتضي تفعيل الفصل 70 مصادقة أغلبية ثلاث أخماس أعضاء مجلس نواب الشعب (131 صوتا)، في حين أن حكومة الفخفاخ لم تتحصل الا على 129 صوتا يوم منحها الثقة. وقد يذهب البعض الى أن الوضع السياسي الحالي للفخفاخ قد يصبح أكثر اريحية بعد اعلان بانضمام كتلة قلب تونس (29 نائبا) للكتل المساندة للتفويض حسب تصريح رئيس الحزب المذكور. الا أنّ التجربة البرلمانية أثبتت أنه لا معنى لحجم الكتل المساندة، ولا لاحتساب الأصوات النظري على الورق. وحدها الغيابات المتكررة والمواقف الفردية للنواب تحدد التوازنات داخل المجلس النيابي. فكم من مشروع قانون سقط لعدم توفر أغلبية حضور كافية. كما أن الالتجاء لآلية التصويت عن بعد للمرة الأولى في تاريخ المجلس قد يطرح إشكالات تقنية في احتساب عدد الأصوات. ولذلك يبدو أن مسألة ضمان الأغلبية المعززة المطلوبة ليست مؤكدة طالما لم تنعقد الجلسة العامة المعنية.

هل يخفي طلب التفويض الحرب الباردة بين القصبة وقرطاج ؟

خلال كلمته التلفزية التي انتظرها التونسيون لساعات متأخرة من الليل يوم 21 مارس 2020، أعلن الفخفاخ عن حزمة من الاجراءات الاجتماعية والاقتصادية انتظرها المتضررون من قرارات الحجر بفارغ الصبر، تم تسويقها ك"تفسير" لكلمة قيس سعيد بمناسبة عيد الاستقلال حول تفعيل التدابير الاستثنائية، بدت في ظاهرها قد تساعد العائلات المعوزة والمستثمرين، الا انها استثنت الطبقة الوسطى تماما، وسرعان ما نبه بعض المهنيبن والمختصين الى ضبابيتها ومحدوديتها. وأكدت الأيام الموالية أن الفخفاخ يبحر دون بوصلة، رغم إعلانه عن "حالة الحرب" في خطابه أمام البرلمان، اقتباسا للعبارة المستعملة من طرف ايمانوال ماكرون مخاطبا شعبه.

ومع تعمق أزمة السميد والفارينة، وتخبط الحكومة في الاعلان عن قائمة القطاعات غير المعنية بالحجر الصحي، اضافة الى تغيير قائمة مؤسسات القطاع الخاص المعنية بمواصلة عملها مرات خلال نفس الأسبوع، واغلاق أسواق الجملة فارتفاع أسعار الخضر والغلال فجأة ثم اعادة فتحها لتعمل بصفة يومية البارحة، وعدم صرف جرايات التقاعد الا بعد الاعلان عن قرار الحجر الصحي، ومنع النقل الريفي الاسبوع الفارط ثم اعادة نشاطه، وانتشار صور طوابير المواطنين الذين فقدوا موارد رزقهم طيلة عشرة أيام أمام مكاتب البريد والمعتمديات أملا في منحة أو مساعدة غذائية، وصولا الى مقاطع فيديو توثق الاحتجاجات في مناطق شعبية بالعاصمة، لم تفعّل أغلب هذه القرارات الى حد الساعة تحت تعلة ضرورة تفعيل تفويض آلية المراسيم التي ينص عليها الفصل 70 من الدستور. انتقلنا بذلك بحالة الحرب من حرب على عدو مجهري، الى حرب صلاحيات بين باردو والقصبة.

 أتساءل حقيقة، لم يصر الفخفاخ على تفعيل الفصل 70؟ لماذا لم يقدم الى حد الساعة مبادرة تشريعية متضمنة للاجراءات التي تتطلب اصدار قوانين، تحت عنوان "إجراءات استثنائية لمجابهة فيروس كورونا" مثلا؟

من جهة أخرى، فاجأ رئيس الجمهورية أغلب المتابعين يوم أمس بمناسبة اجتماع مجلس الأمن القومي بكلمة كرر فيها إعلانه عن "حالة الحرب"، سرعان ما تبين أنها لم تكن الا اعلانا لاندلاع حرب صلاحيات جديدة. فقد انتقد بشدة "تأخر" الإعلان عن إجراءات الحجر الصحي الشامل، وغياب أية إجراءات لفائدة الطبقات المفقرة والعاملين في القطاعات الهشة، في حين أنه ومنذ عشرة أيام تقريبا، كان قيس سعيد هو من بادر بإعلان الحجر الصحي العام، وتفويض أمر الإعلان عن الإجراءات المصاحبة للفخفاخ. وكأن علاقة الانسجام بين سعيد والفخفاخ قد توترت بتوتر الأوضاع الاجتماعية. وكأن بسعيد بعد أن تحكم في خيوط اللعبة، يلقي بكامل المسؤولية على عاتق الفخفاخ. وعلى عكس عادته، وهو الذي عودنا التعليق على صغائر ما يتم تداوله على بعض الصفحات، تجنب رئيس الجمهورية البارحة تماما الخوض في مسألة تفعيل الفصل 70 من الدستور، بل وأكد على ضرورة  تنقيح بعض المواد الجزائية لمقاومة الاحتكار من طرف "المجلس التشريعي" بمبادرة من الحكومة أو الرئاسة. فهل يكون طلب الفخفاخ لهذا التفويض، في تناقض مع تفعيل التدابير الاستثنائية على معنى الفصل 80، سبب فتور العلاقة بين الرجلين؟

أخيرا، تتطلب حالة الحرب، في بلد يعاني من "التضخم التشريعي" خطة جدية وأهدافا عملية، وتطبيقا على أرض الواقع للشعارات الرنانة التي سئمها التونسيون. لن تتحمل تونس في تقديري، علاوة عن ضبابية الوضع الصحي، وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية وحتي النفسية، حرب صلاحيات ثلاثية، بين القصبة وباردو وقرطاج.

 

  * صبرين قوبنطيني 

    خبيرة محاسبة متربصة وعضو مجلس نواب الشعب سابقا


 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter