alexametrics
فيروس كورونا

صـــيـــام شهر رمــضــان يُثير الجـدل في زمــن كـــورونــا

مدّة القراءة : 6 دقيقة
صـــيـــام  شهر رمــضــان يُثير الجـدل في زمــن كـــورونــا


تمكّن فيروس كورونا من قلب كلّ قوانين القوى وبعثرها، بل إنه غيّر كل الموازين والنظريات الاستراتيجية عندما جعل قوة العالم الحيّة تخضع وتتحول وجهتها صوب كائن مجهول اسمه فيروس وساهم في شلّ حركة العالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأدخل كلّ الدول تحت الحَجْر الصحي ولقد أثبت لنا هذا الوباء أنّ أضعف وأحقر وأصغر كائن في الوجود بإمكانه أن يتحكّم في العالم ويشلّ حركته، ويشنّ حربا على الإنسان في كل هذا العالم، حيث لا تنفعه أقماره الاصطناعية، ولا صواريخه العابرة للقارات، ولا مختبراته المتطورة، ولا جيوشه الجرارة، ولا أسلحته النووية.

إننا اليوم أمام اللامرئي من الطبيعة، أي أصغر ما فيها من الكائنات وأضعفها، إنها الفيروسات، تلك الكائنات التي تخترق أصغر ما في جسم الإنسان وهي الخلية لتحيا فيها من جديد وتدمّر نظام المناعة في كل الجسم وتنهي أمله في الحياة. هذا الضيف غير المرحب به أوقف مسيرة الحياة المعتادة في أكثر بلدان العالم تقدما وثراء، متحديا فلسفة العولمة وحرية التنقل، واستطاع تغيير التوقعات الاقتصادية وبدلا من التنبؤ بأرقام الأرباح المتوقعة في القطاعات الاقتصادية المختلفة للربع الأول من العام، يتم الآن تقدير الخسائر الفادحة المحتملة.


فيروس كورونا نجح في فرض سيطرته على الدّول وإخضاعهم للحجر الذاتي، تونس من بين تلك الدّول التي اعتمدت الحجر الصحي العام للحدّ من انتشار العدوى بهذا الفيروس، إجراء جيّد ولكنّه في المقابل دليل على هزيمتنا أمام هذا الفيروس اللاّمرئي الذي غيّر حياة التونسيّين وألزمهم منازلهم وأصبحت شوارع بلادنا فارغة حزينة تشمّ فيها رائحة الموت من بعيد. التونسي تعوّد على العمل يوميا والجلوس في المقاهي والحانات ودور السينما لساعات طويلة، شارع الحبيب بورقيبة لم يخلو يوما من الحركة تجده دائما مكتظ بالنّاس وينبض بالحياة ولكن اليوم تمكّن هذا الوباء من فرض قيوده على التونسيّين وإلزامهم بالحجر الصحي ليتفادوا الإصابة به ولكن السؤال الذي تبادر إلى ذهن الكثيرين هذه الفترة وشغل مواقع التواصل الإجتماعي هو ''هل يمكن للتونسيّين قضاء شهر رمضان في منازلهم دون الخروج كالمعتاد؟''. 

شهر رمضان في تونس له عاداته وتقاليده، رائحته تفوح من بين كلّ الأزقّة والشوارع وسرعان ما يحلّ الإفطار تجد كلّ المقاهي قد امتلأت بالنّاس والشوارع تعجّ بالعائلات والأطفال والكثير من التونسيين يقضون وقتهم خارج المنزل إلى حدود موعد الإمساك أيّ مع قرابة الثالثة صباحا. تعوّد المواطن التونسي حضور الحفلات التي تقام في شهر رمضان والجلوس مع الأصدقاء والأقارب في المقاهي وغيرها من الأماكن العامّة والبهجة والفرح تعمّ كلّ الولايات، فكيف للتونسي أن يرضى هذه السنة بالجلوس في المنزل ليلا نهارا في شهر رمضان وأن يتخلّى عن ما سبق وذكرناه من عادات؟.  في كلّ سنة يحلّ فيها شهر رمضان، نعود إلى مربّع الصراع بين ''الفطّارة'' و''الصايمين'' وتغلق المطاعم والمقاهي في النهار وتفتح بعد الإفطار، كما يقوم البعض من الأشخاص بفتح المقاهي خلسة لتقديم القهوة والأكل إلى ''الفطّارة'' ويتعمّد ''الصائمين'' الإبلاغ عن المخالفين لقوانين الصيام. هذه السنة لم تعد مسألة فرض الصيام على الجميع بالقوة ومنع الغير صائمين من الإفطار هي محور الجدل وإنّما حكم صيام شهر رمضان من عدمه في زمن تفشي وباء كورونا هو محور النقاش اليوم. 


يفصلنا قرابة 9 أيام عن دخول شهر رمضان، وفي ظلّ انتشار فيروس كورونا في تونس الذي بلغ عدد الإصابات به  747 إصابة وبلغ عدد الوفيات 34 وفاة، تساءل الكثيرون عن حكم الصيام من عدمه، مفتي الجمهوريّة عثمان بطيخ اعتبر أنّه لا يمكن أن يقدّم فتوى في هذا الشأن إلاّ حين يجتمع أهل الدين مع أهل العلم مشيرا أنّ قرار صيام شهر رمضان من عدمه يعود إلى الأطباء الذين يعرفون مدى تأثير الصيام على إمكانيّة تغلّب هذا الفيروس على مناعة الجسم وأكّد في تصريح له ليلة البارحة في القناة الوطنيّة الأولى أنّه في انتظار انعقاد مجلس الأمن القومي غدا الخميس وعلى ضوء نتيجة الإجتماع سيتمّ اتخاذ القرار بطريقة الصيام في زمن كورونا. مفتي الجمهوريّة بيّن أنّ دور رجال الدّين هو إنارة الرّأي العام معتبرا أنّه بالنسبة للصوم في زمن الوباء القرار يعود للأطباء الذين يجب أن يجتمعوا لتقييم الوضع، وأكّد قائلا ''الله عندما ينزل حكما من الأحكام فهذا لا يعني أنه حكم لا يتغير ولا يتماشى مع طبيعة الإنسان''. 


رحّب الكثيرون بوجهة نظر مفتي الجمهوريّة الذي لم يتعمّد فيها الحكم بالشرع والتصريح بأنّ صيام شهر رمضان هو فريضة على كلّ المسلمين مهما كانت الظروف، عثمان بطيخ خيّر إعمال العقل والتناسب بين  العلم والدين. هناك من الرّأي العام من اعتبر أنّ تصريح بطيخ يؤكّد أنّ تونس دولة مدنيّة قائلا '' قرار صيام رمضان من عدمه بسبب تفشي جائحة كورونا يعود إلى اللجنة العلمية التي تتابع تطور الوباء وتفشيه، بتصريحه يؤكد مفتي الديار التونسية أن الجمهورية التونسية هي جمهورية مدنية كما جاء في الفصل الثاني من دستور الجمهورية الثانية، شكرا عثمان بطيخ على موقفك''. اعتبر البعض كذلك أنّ فيروس كورونا أعاد ''التديُن للمربع الأول والأصلي،مربع علاقة الفرد بمعتقده فقط'' أيّ أنّ هذا الوباء وضع الدين في مكانه الطبيعي أصبح فيه قرار الصيام من عدمه فردي ، اختيار فردي لا غير وكتب البعض الآخر ''تصوم ما تصومش أمورك تصلي ماتصليش أمورك، نحن الآن ننتظر النجاة من المختبرات العلمية، ومنها فحسب''. وأشاد الكثيرون أيضا بأنّ مفتي الجمهوريّة عثمان بطيخ يؤمن بدور العلم ''عنا أحسن مفتي في العالم.. طبعا بالمقارنة مع الأخرين أو مع الداعشي الي حطو المرزوقي.. راجل يؤمن بدور العلم ويحذر من المشعوذين، وهاكم تشوفوا وين يخرج يهبل الدواعش الي عنا، ويوليو يسبوا فيه''.


من جهة أخرى، انتقد العديد من رواد الفايسبوك وجهة نظر مفتي الجمهوريّة ونادوا بإقالته من منصبه واعتبروا أنّ لا وجود له أصلا وأنّه لا يفقه شيئا وندّدوا بتصريحه بأنّ قرار صيام شهر رمضان من عدمه مرتبط بقرار الأطباء ومجلس الأمن القومي ''وما دخل صيام رمضان شرعا في انعقاد مجلس الأمن القومي''، وكتب البعض ''طلب من مواطن إلى السيد رئيس الجمهورية: بجاه ربي نحي المفتي هذا و عوضه بأي مفتي من المشائخ اللي عندنا وتونس أرض الزيتونة فيها الفقهاء ما يكفي، بجاه ربي وقبل رمضان''. تصريحات بطيخ التي كرّست الأولوية للعلم على الدين أثارت حفيظة هؤلاء واعتبروا أنّ شهر رمضان يجب أن يصوم فيه الناس وهو موضوع غير قابل للنّقاش، حتى أنّ النائب عن ائتلاف الكرامة  المثير للجدل بتصريحاته الفكاهيّة عبد اللطيف العلوي نشر صباح اليوم الأربعاء تدوينة كتب فيها ''قمت نلقى بطّيخ مكتسح l'accueil، ياخي آش صار؟! نطالب بالفصل التّامّ بين البطّيخ والسّياسة. برّا نهاركم بطّيخ، و"من غير بِزْرْ!" ههههه على رأي عادل إمام''، العلوي استهزأ بتصريحات مفتي الجمهوريّة وبسبب تدوينته حملة من التعليقات على جداره استهدفت عثمان بطيخ كلّها شتم وسبّ وتقليل من مكانته ومقامه.  بدوره، لم يتردّد النائب بالبرلمان عن ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف في توجيه عبارات الشتم لمفتي الجمهوريّة وذلك بنشره لتدوينتيْن على صفحته بالفايسبوك، تعمّد في الأولى اعتبار عثمان بطيخ مفتي الرئيس الراحل زين العابدين بن علي ووصف حضوره في قناة الوطنية الأولى بالفضيحة معتبرا أنّ مستواه ''تحت الضحل لغويا وعلميا'' مندّدا بعدم قيام رئيس الجمهوريّة قيس سعيد بتغيّير هذا المفتي إلى حدّ الآن. وفي تدوينته الثانية، أشار مخلوف أنّ عثمان بطيخ غير جدير بمنصب مفتي الجمهوريّة وبيّن أنّ بطيخ لم يستشهد طيلة حواره بآية قرآنية أو حديث شريف، وانهالت موجة نقد لمفتي الجمهوريّة على تدوينات مخلوف ''بعيد كل البعد على الدين واللغة العربية الفصحى والادلة المقنعة من السنة والقران'' ودعا الكثيرون إلى تغييره لأنّه لا يليق بأن يكون مفتي للجمهوريّة وفقا لمخلوف وأنصار حزبه الذي ما فتأ نوابه في تشريع التكفير.


بالنسبة لأساتذة  جامعة الزيتونة في بيان شرعي في حكم الصوم في ظلّ تفشّي وباء كورونا، يوم أمس الثلاثاء 14 أفريل 2020، أكدوا فيه أنّ حكم الصّوم ثابت بالنصّ القطعيّ، ومعلوم من الدّين بالضّرورة، وهو واجب على كلّ مكلّف مقيم صحيح خال من الموانع الشّرعيّة، ولا يجوز الفطر إلّا لأصحاب الأعذار من المرضى والمسافرين وكبار السنّ ونحوهم. وأوضحوا أنّه يجوز للمصاب بوباء كورونا الفطر في رمضان بناء على توجيهات الأطباء المباشرين لحالته، ونبّهوا في ذات البيان من الأخذ بما يُشاع من أنّ الصوم يُضعف مناعة الإنسان الصحيح ممّا يهدّد بالإصابة بفيروس كورونا،  معتبرين هذا القول دعوى غير صحيحة وتقديرا فاسدا واحتياطًا متوهّمًا. أما دار الإفتاء، قد أعلنت  مساء يوم الثلاثاء، أن المسؤولين بها اجتمعوا مع لجنة طبية متخصّصة وأجمعت هذه اللجنة أن فيروس "كورونا" لا يؤثر على الصوم وأكّدت أن الصوم يقوي المناعة في مواجهة هذا الفيروس، وحسمت دار الإفتاء المصرية، الأمر بثلاث حالات، قالت خلالهم بالنسبة لصيام رمضان القادم من كان صحيحًا لم يصبه فيروس كورونا واستوفى شروط الصيام ولم يكن لديه عذر يمنعه من الصوم وجب عليه الصوم بل هو أولى لأن الصوم يقوي المناعة. فيما يخص المصابين بالفيروس فإننا في هذه الحالة نسأل الأطباء، فإذا رأوا أن الصوم يضره، فإنه يجب عليه أن ينصاع لأمر الطبيب وهو أمر واجب حتى يحافظ على نفسه لأن حفظ النفس في هذه الحالة مقدم على الصيام. أما الأطباء وطاقم التمريض الذين يواجهون فيروس "كورونا" يجوز لهم الفطر إذا وقع عليهم ضرر والفتوى تنبني على رأي الأطباء في هذه الحالة ومن أفطر عليه القضاء بعد تمام شفائه.

 

جدل صيام شهر رمضان من عدمه بسبب فيروس كورونا، ساهم في عودة تُجّار الدين  ومشرّعي التكفير إلى إلقاء فتواهم في هذا الموضوع واغتنموا الفرصة للتقليل من قيمة مفتي الجمهوريّة وسبّه وشتمه ذلك أنّه خيّر الإعتماد على العلم ورأي الأطباء في حكم صيام شهر رمضان من عدمه. شهر رمضان هذه السنة في زمن كورونا سيكون مختلفا عن باقي السنوات الفارطة، ومهما كانت وطأة  الإجراءات التي سيتمّ إتّخاذها خلال هذا الشهر وحتى إن استمرّ الحجر الصحي العام، يجب على النّاس احترامها وتطبيقها إلى أن تتمكّن بلادنا من القضاء على هذا الوباء نهائيا بأقلّ الأضرار. 

يسرى رياحي 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter