alexametrics
فيروس كورونا

"هذا النّـص يُكتب الآن في حانة"

مدّة القراءة : 3 دقيقة
 

لا يُمكنني أن أقول أنني بخير. أوشك على قضم أصابعِي، لو كان بوسعي لتوسدّت إيطاليا ذراعي، لآويتها في بيتي وأطعمتها الهروس والقديد، لو كان بوسعي لإقتسمتُ معها خبزي، لضمدتُ جرحها وغنيتُ لها لحنا عربيّا حتى تنامْ.

في الضفة الأخرى نحنُ عالقون مع الاكتئابِ والبُرتقال إلى إشعار آخر. نُصلب كالمسيح على أرائكنا وأسرِتنا والدنيا خارج بيوتنا كرنفـال حيّ..

 
 
00:00
 
كنتُ أنفُض يومي الثقيل عنّي وأغازل مُحاميا يقول أنّه يُحبني.  أستعد للنوم، رائحة الأخبار تعلق بملابسنا وتحت أظافرنا وننامُ مسكونينَ بصخبٍ نُحبه ونخشاه، بأجفان مفتوحة، كالأمهات. قبل منتصف اللّيل أرسلت لي إخلاص (رئيسة التحرير) فيديو عن مخلوقات غريبة تجوب الشوارع في سيدي حسين ليلا وتُكبّر. كان صُولو دايفيد غيلمور عالقا في رأسي والمخلوق الغريب يصيحُ الله أكبر على شاشة هاتفي. الله أكبر يا دايفد وبارك الله فيك. أي بشاعة لا تُداويها الموسيقى؟ 
  لم لا يوجد روك إسلامي؟ مُغنو الروك والإسلاميون في النهاية كلاهما غاضب، يحّب اللون الأسود، يصيحُ كثيرا، ويريد قتل أحد ما.
 
إخلاص تُشبهني كثيرا. أحس أننا مررنا بطفولة متشابهة واجترحنا وعينا بالعالم من المُثل اليسارية البعيدة كاللّه. الصعبة كاللّه. المُستحيلة كاللّه! لكنها كائن ليليّ، وأنا أريد أن ينتهي هذا اليوم الذي مددتُ فيه الحروف ما استطعت. إنهم يركضون كالجُرذان المذعورة في كل الأنهج، إنهم يُكبّرون في دمائي، إنهم يتسلقون ظفيرتي القصيرة ويتجمعون حول عُنقي. اللّه أكبر. Basta. 
 
 
الساعة 11.
 استوجب منا الأمر أن نستنجد بالجيش مع أننا فقط في اليوم الثاني من الحجر العام. الجيش.. العسكر.. إنهم أبناءُ قلوبنا، من قُرانا و"حومنا" وطينتنا الحالمة والبسيطة. في صفنا، ضد كل الأعداء. نصاف لم تأتِ، عوّضها بيان لوزارة الصحة يسردُ الأرقام الجديدة، دون أن يسير الصحفيون كالبدو الرُّحل شتاتًا إلى مقر الوزارة، دون أن ينصبوا خِيمهم- كاميراتهم، ودون أن نقيم حفلا صُوريا للمعطيات الجديدة ونرقص حول النّار عُراة. بيان كافٍ. ألسنا كُلنا في النهاية أرقاما في سـجّـل مَا؟ 
ما أقسى أن يتحول الصحفي إلى عدّادٍ للموت. 
 
 
الساعة 18
الوطنية 2 تُنافس نيتفليكس.  أجزم أن كل التونسيين يشاهدون إعادة مسلسل "العاصفة" لفتحي الهدّاوي ومنصف لزعر وأحمد السنوسي، مسلسل مرجعي في الدراما التونسية للـtrio الذي خطف قلوب أمهاتكم في التسعينات. التونسيّ يتغذى على النوستالجيا في زمنٍ لا يعرف قراءة لُغته. يُصلي ويدعو اللّه، ويحبّ البيّرا والبحر. في بلاده نبيـذ محليّ بإسمِ قائِد عسكرٍ قرطاجّي "ماغون"، ومؤذن بمسجد الزيتونة يجعل الأذان أغنية على مقامِ الحِجـازْ. لِمَ يتركون مؤذنيهم -بأصواتهم الغليظة- يقضمون نومنَا من المُنتصف؟ ليت كل المساجد كمسجد الزيتونة، ليت كل أذانٍ أغنيةٌ على مقام الحجاز. 
 
صوت "مسجد بلال" يدفعني للجنون ويُدمي أذنيّ، إنّه أخطر من الكورونا. إذا انتهى الحجر ولم نمت، سيكون كل سكان حيّ الغزالة طُرشًا جرّاء مكبر الصوت المعطوب.
 
الساعة 22.
هُناك صوت برأسي يرددّ أتمنّى أن أعيش بكوبـا وآخر يقول؛ عبـير .. تُـــونس هي الكـــونْ. أشتاقُ لشارع الحبيب بورقيبة، حاولوا أن تشاهدوه مُضاءً في الليلِ من أعلى لوْ مرّة واحدة في حياتكم. (يمكنني أن أنصحكم بحانة تطل على الشارع لو كتب لنا الله النجاة ولم نَمُت خالين من الكحول) أحبّوا هذه البلاد بنت الكلبْ فهي تستحقُّ عطفًا عظيمًا. 
 
قرأتُ "وهران" لتوفيق بن بريك منذ أيام. اللّعنة ما ألذ رجال الكاف! ما أوسع لُغتهم! ما أمكر عقولهم! لا حاجة لي بالادب ان لم يكن وقحا.
 
 
يقول بن بريك "مانعرفش علاش ك نبدا في فريڨيا نحس روحي محمي، راسي مرفوع. مانحسش روحي غريب[...] نحبها.. فريڨيا يا غالية".
 
أُحسّ أنني في فيلم روائي طويل. عالقةً أسفل الترجمة. أحس أن هذه الأزمة لن تمضِ. لا أريد أن أُخيفكم، لكننـا نخوض حربا غير عادلة. نشرتُ خبرًا عن إغلاق أقسام بمستشفى الرابطة بعد إكتشاف حالة إصابة بالفيروس واشتباه في عدوى الفريق الطبي. تحوّل الفايسبوك إلى أرضِ نديبٍ، يخدشون وجوههم ويلطمون صدورهم كالشيعة. آه، لم أُخبركم أن الشيعة يُغننون "اللي عندو عليّ ما يخاف الفيروس". 
 
لا أعلم أين كان عليّ والرجالُ يمنعون بناتهم من الحجر الصحي في المساحات العامة في العراق بدعوى الدفاع عن الشرف.
 
00:00
"هذا النص يُكتب الآن في حانة." هي جُملة على أحد جدران مكانٍ عزيز على قلبي لن أخبركم بإسمه بعد. لكنني أعِدُ أنني سألتقطُ فيه صورة حين تنتهي الأزمة، قريبًا. سألبسُ أقصر فستان أملكه وأجرّ الصّيف من أُذنيه بفخد عار، سأمشي بجادةِ لافايات حافية في الثالثة صباحًا وسأُغني. 
 
 نصّي هذا يُكتب من تحت البطانية- أو من كرسي الحديقة- أو من المرحاض.
 لن تعرفوا أبدًا..
 
 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter