وزراء الفخفاخ ....ضد الفخفاخ
لم يحصل السيد الياس الفخفاخ و حكومته في جلسة منح الثقة في البرلمان على حزام برلماني و حزبي و سياسي واسع. و ظل التجاذب على أشده حتى انعقاد الجلسة. و لكن حكومته شرعت في أعمالها متمتعة بهامش "تسامح" ألفت النّخب السياسية و المهنية منحه للحكومات بُعيد تشكّلها، و هو ما في بات يُعرف بـــ "حاجز المئة يوم". غير ان وصول طلائع الفيروس ذي التيجان "الكورونا" الى تونس المحروسة، سارع في إعادة شحن عموم التونسيات و التونسيين وراء الحكومة ورئيسها. فقد شهدت البلاد نفسا تضامنيا رسميا و مؤسساتيا و شعبيا، و عادت معاجم التضامن الوطني و الوحدة الوطنية، و التبرع و العمل التطوعي الى احتلال واجهة الخطابات في تونس على اختلافها. و تأخرت الصراعات السياسية و المشاحنات الحزبية، و تنازل البرلمان على بعض سلطاته و فوضها لرئيس الحكومة، حتى يُحسن إدارة الحرب ضد هذا العدو الغامض.
و اعتقد الكثير من الملاحظين، أن "الكورونا" يُمكن ان يكون فرصة حقيقية للسيد الياس الفخفاخ و حكومته للاستفادة من مرحلة الإمهال من جهة و من "إدارة الحرب"، إذ بدا رئيس الحكومة في ظهوره التلفزي الأخير في ثوب "الحاكم" الذي ملأ موقعه، و ساهمت حزمة الإجراءات التي أعلن عليها في استبشار الكثير من التونسيين من مختلف الحساسيات، و يكفي أن نتذكر حجم التغطية الإعلامية المباشرة للظهور الإعلامي الأخير لرئيس الحكومة لنعرف مدى الدعم الذي يحظى به، فقد عُرض لقاؤه على خمس قنوات تلفزية و إذاعتين و على الكثير من المواقع الالكترونية، في رسالة تشجيع، لم يسبق أن تمتع بها أي مسؤول سياسي بعد الثورة.
و فيما كان الجميع ينتظر ترجمة عملية لميلاد "الزعيم الفخفاخ"، تتواتر العلامات المضادة لذلك، و تتكاثر المؤشرات التي تُعلن ان الفخفاخ و حكومته يتخبطان في ادارة شؤون البلاد، و أن الثقة بدأت تهتزّ، و مرحلة الإمهال بدأت تنفُذ بسرعة.
- وزراء....ضد الحكومة.
مباشرة بعد اتخاذ قرار الحجر الصحي، تكاثر الظهور الإعلامي للسيد وزير التجارة. بدا رجلا مُحترما و طيبا. أكثر من الصفات الإنسانية الجميلة فإنه لم يستطع ان يكون وزير "تغذية" في حرب مُعقّدة و طاحنة. فسرعان ما غابت المواد الغذائية الأساسية في المدن، ناهيك على الأرياف. و نشطت اسواق المضاربات و الاحتكار، و زاد قرار السيد الوزير غير المدروس في غلق أسواق الجملة، و فرض التزويد الدوري الأزمة خطورة. فقد تضاعفت أسعار الخضر و الغلال إضافة إلى ندرتها، و اضطر آلاف التونسيين الى التنقل مسافات طويلة بحثا على المؤونة. أما في الأرياف فإن الوضع كان كارثيا، ففي العديد من القرى النائية و في ولايات كاملة، غاب السميد و الفرينة، و فُقدت الخضر و الغلال تماما. و كان الوزير في كل ذلك يُؤكد ان الأمر سيتم حلّه. و يتم الآن تدريجيا تجاوز هذه الإشكاليات بعد تراجع الوزير على قرار غلق الأسواق و نشاط أجهزة الأمن و الديوانة في مراقبة مسالك التوزيع الموازية..... و لكنا لمسنا الكارثة.
وزيرالشؤون الاجتماعية ساند في الفشل زميله في التجارة، فعلاوة على ظهوره الإعلامي غير المُقنع، فإن تنفيذه للاجراءات المهمة التي اتخذتها الحكومة و اعلن عليها رئيسها، قاد البلاد الى كارثة. فقد دفعت وزارة الشؤون الاجتماعية بمئات آلاف التونسيات و التونسيين الى مراكز البريد و المعتمديات و مكاتب العُمد، بحثا على مُنح المساعدات. و تدافع هؤلاء بطريقة خرقت الحجر الصحي، تجاوزت معايير السلامة الضرورية في مقاومة الوباء و على رأسها "التباعد الاجتماعي"، و يعلم الله ما سينجر على ذلك من مخاطر عدوى ستظهر نتائجها بعد حين، و يكفي ان نذكر مريضة سوسة، التي قضت يوما كاملا و هي "تتدافع" في الصفوف.
كارثة الإعانات، عمقها وزير المواصلات الذي لم ينجح في ضبط سياسة إجرائية تحد من الاكتظاظ في مكاتب البريد، و اختار السيد الوزير الاختباء وراء الرئيس المدير العام للبريد الذي وجد نفسه مطالبا لتكثيف الظهور الإعلامي.
كلنا نذكر صور محطات الحافلات و الميترو الخفيف، و محطات التاكسي و اللواجات، الأيام الأولى لإعلان حالة الطوارئ، و كيف عجزت هذه الوزارة على ادارة حركة الاف العاملين، و تركت الاف التونسيين الى في محطات اللواجات غير قادرين على العودة إلى بيوتهم عندما أعلن الحجر التام. مع ما يُرافق إجلاء التونسيين من الخارج من مشاكل و بعضهم مازال عالقا.
و خاتمة الوزراء الذين يشتغلون بما يأتونه "ضد الحكومة" السيدة وزيرة الثقافة، إذ يبدو ان قرارها منح تراخيص استثنائية لتصوير المسلسلات الرمضانية، كان تحت ضغط لوبيات الإعلام الباحثة على الاستشهار، و مصنعي المواد الغذائية، و راعت فيه السيدة الوزيرة "المنافع المالية" لهذه اللوبيات أكثر من مراعاتها لشروط السلامة العامة. و لكن الذي أثار الرأي العام ضد السيدة الوزيرة، و من ورائها الحكومة، هو توضيح لها كتبته بللغة الفرنسية فيه دفاع على قرارها، و تلميح الى غياب "الوعي بالثقافة"، شفعته باعتذار باللغة العربية تقول فيه ان سوء فهم حصُل لنصها الفرنسي، و كأن على التونسيين ان يكونوا "فالحين" في لغة موليير للتواصل مع وزيرة في حكومتها "الثورية".
هؤلاء الوزراء، استهلكوا جزءا غير يسير من الثقة التي توسمها الكثير من التونسيين في رئيسها، لكن الامر ازداد عمقا مع نوع آخر من الوزراء.
- وزراء...ضد الجميع.
يبدو أن السيد محمد عبو وزير الوظيفة العمومية يشتغل ضد الوظيفة العمومية، و من ثمة يعمل على الدفع بحكومة السيد الفخفاخ نحو أزمة عميقة ضد اتحاد الشغل. فقد تكررت التصريحات من السيد الوزير التي يرى فيها قسم كبير من الموظفين، شعبوية تستهدفهم و تستهدف بعض مكاسبهم القليلة، و يعتقدون ان محمد عبو يقوم بخلق مناخ معاد للإدارة و يُحفّز رأيا عاما ضدها. و ينسى السيد محمد عبو، ان ظروف تقلده الوزارة سنة 2020، تختلف كليا على ظروف توليه لها سنة2011. فقد كان في الفترة الأولى – التي فشل فيها – محمولا بتيار ثوري جارف، شكّلته عمليات "ديغاج" التي تضرر منها العشرات من خيرة إطارات الإدارة التونسية. كان عبو قويا بالجماهير، و كانت الإدارة خائفة من التحولات واتجاهاتها و من الانتقام بتهمة "العمل مع النظام السابق". اليوم تحررت الإدارة، و أعادت بناء نفسها، و خلقت كوادرها، المنخرطة مثل غيرها من النخب التونسية في المرحلة الديمقراطية، و ليس ثمة من معنى ان يُزايد أحد عليها بالثورية و النقاء و الصلاح و لـــ "يرجمها من كان بلا خطيئة"
و اذا كان السيد محمد عبو الوزير "بلا صلاحيات" و الذي يُريد ان يبتلع الحكومة ضد الإدارة، فان زميله في الحزب السيد غازي الششواشي وزير أملاك الدولة ضد القطاع الخاص، إذ لا يخلو خروج إعلامي له دون الحديث على "الانتزاع" و جبر رؤوس الأموال على الدفع، و حتمية فرض ضريبة على الثروة.... لغة تنتمي إلى معجم "ثورات القرن الماضي" لا تزيد مناخ الأعمال و الاستثمار إلا تعثرا، و من شأنها خلق مزاج عام لدى رأسمال البلاد متوجس من الحكومة. و هو ما لا يُساعدها بتاتا على إدارة ما تبقى من عمر الحرب ضد الكورونا فما بالك بإدارة مرحلة ما بعدها و التي تتطلب استثمارات هائلة و أموالا ضخمة و تعهدات من رؤوس الأموال بعدم غلق مؤسساتهم و تسريح مئات آلاف العمال، و المراقبون يتوقعون انكماشا اقتصاديا يفوق الــ4%، و ارتفاع البطالة بــ5%.
وزراء آخرون يستهلكون جزءا آخر مما يتبقى للسيد الياس الفخفاخ، يشتغلون كــ "تقنوقراط" و ليس كوزراء في حكومة الدولة التونسية، التي تحمي مصالح الشعب التونسي،
- ضد مصلحة تونس
في الوقت الذي يتنادى فيه الجميع في العالم للتضامن الإنساني الذي تساعد فيه الدول بعضها البعض، لتجاوز مخلفات هذه المحنة، و يُبادر فيه صندوق النقد الولي لتعليق مديونية 25 بلدا من الأكثر فقرا، و تنادي فيه النرويج و ألمانيا لعقد مؤتمر دولي حول المديونية، و تُقرر فيه مجموعة العشرين أيضا ذلك. و في الوقت الذي يُصرّح فيه رئيس فرنسا ان بلاده مستعدة لإلغاء ديون البلدان الافريقية الفقيرة، يُبادر وزير ماليتنا الموقر الى التذكير بان تونس ملتزمة بالدفع، و ان دولة تونس لا تحتاج جدولة للدين أو لخدماته. يتصرف السيد نزار يعيش، بنفس طريقة التصرف قبل الكورونا. لا يرى الكورونا و لا يرى أثرها في حكومته. كان عليه التقاط هذه اللحظة و تغيير إستراتيجية الدولة التونسية مع الجهات المانحة، خاصة و ان السيد رئيس الجمهورية دعا المنتظم الأممي إلى عقد شراكة تضامني أنساني جديد، و السيد رئيس الحكومة السابق نشر في جريدة لوموند مقالا حول إلغاء ديون بلدان إفريقيا لمساعدتها على تجاوز الوباء.
السيد وزير الدفاع، بتصريحه حول ليبيا تجاوز واجبات وزارته، و تدخل في شؤون الرئاسة من جهة و في شؤون زميله وزير الخارجية. و لا نظن ان ذلك سيكون أمرا جيدا للسيد الفخفاخ.
مع هؤلاء يغيب عنا جيش من الوزراء، لا نسمع لهم صوتا و لا نرى لهم نشاطا في هذه الحرب التي يتكاتف فيها الجميع. هذا "غيض من فيض" تناولنا فيه بعض مؤشرات الفشل التي بدأت تتراءى في نشاط حكومتنا "القوية و العادلة".
على السيد رئيس الحكومة ان يشرع في تقييم عمل وزرائه، فمرحلة ما بعد الكورونا قد بدأت فعلا، و عليه ان يُعيد بناء تصوراته ليس لفريقه الحكومي على مستوى الوزراء بل في مستوى الرؤيا عامة. نتمنى النجاح للحكومة و رئيسها لأننا نتمنى النجاح لتونس، و لكن بعض وزرائها يقومون بدفعها دفعا نحو الفشل.
تعليقك
Commentaires