نصائـح الشيخ عبد الله قشّ .. كرّم الله وجهه
2 صباحا.
رميتُ نفسي في النُعاس أخيرا بعد يوم طويل.
في غفوتي، رأيتُ ملكـًا يجلسُ على عرشٍ من جثث النساء، ويحمِلُ بشمالهِ صولجانًـا من العِـظام ويمينه تقطر دمًا. كان الملكُ رجلاً أبيضا، في مُتوسّط العمر، يضع نظّـارة طبية، ويلبس ربطة عُنق، وسروالاً داخليّا عليه صور بـطّة- أو أسد، لا أتذكر.
يقول الملك : انظروا إليّ. كيف ألبسُ قضيبي تاجـًا على رأسي. أبصِروا عصايْ، أبصروا سيفي، أبصروا كيف أستعملهُ سوطًا. أبصروا كيف يتحول إلى قلم أوقّع بهِ الوثائق، ثم قبضة أصافح بها الملوك. أبصروا كيف أديرهُ في كلّ الأقفال وأفتحُ به كلّ الأبواب. كيف أُريه للقُضاةِ إنْ سئلوا عن علّـةِ تحرشي بالقاصرات أو عُذر لوصف إحداهُن بأنّها عاهرة.
أبصروا، كيف يُصبح قضيبي دليل براءة. كيف يركعون لي. كيف يمدّون أجسادهم سجّادا أمر فوقه، كيف أمسحُ أسفل قدمي على وجوههم، كيف يمدون لي أوراق القوانين لأمسح بها مؤخرتي، كيف يحرقون الدساتير نارًا حتى لا يُصيبني برد.
أنا ربّ، يقول الملك. أضاجعُ من أشاء يقول الملك. كلمة 'لا' لا تعني شيئا يقول الملك. اسمي الذكورية. الرأسمالية والدِي والدّيـنُ أخي والعنصرية ابني غير الشرعيّ. نحنُ عائلة لا نعرفُ الخسارة يقول الملك، بفمه الكبير القمئ الكريه، ببقايا الأنظمة التي مجدّها ثم أكل لحمها عالقة بين أسنانه، يُزيلها بأظافره القذرة، يرميها على القاع، كأنها لم تكن يومًا منه، كأنهـا لم تسكن في فمِهْ، فـَــمُهُ المستنقع الذي تسكن به القاذورات وتتخمر بهِ الألفاظ النتنة، فمه الذي يردد فيه :
لسن سوى أذرع تقطف التفاحات الحمراء اللاّمعة لتُخرجنا من الجنّة. مكانهن في ماخور.
(هذا الحلم من وحي الخيال. ايّ تشابه له مع الواقع هو من محض الصدفة)
4 صباحا
بين هلوسات نومي، رأيتُ شيخًـا يشع من محياه النور. يجلس على عتبة مسجد الزّيتونة ويحمل بيده حَـبّـا يأكل منه الطير، يحلق حول رأسه الحمام، يحط على كتفيه، ينثر الشيخ البذور على القاع، يرسم حولها دائرة باصبعه، ويبتسم.
تأتيه النسوة باكيات، بأثواب ممزقة. يمسك أيديهن، يُدخلهن إلى المسجد عاريات الرؤوس، يمنحهن سقفا للأيام الماطرة ومورد رزق ويدعوهن، بناته.
يقول الشيخ عبد الله قش، متئكا على عصاه: لابأس. أنتن بمأمن الان. أنا أحميكن. أنا وليّ الله، والله يحب العدل، الله نصيرُ الاختيار وأنتن اخترتن أن تأتين إلي.
لا تحزّن إذا قالوا أنكن عار. الدنيئة تسكن القلوب الكارهة وأنتن تبعن الحب. وأحيانا تُـرغمن على بيع الحب حتى إن قلتن لا. أحيانا تعودون إليّ بآثار تخثر دم أزرق على اجسادكن من قبضات غاضبة، أحيانا تُجهضن أبناءً في الحمام، تتحملن القوت الزهيد والوصم الذي يطبع بالحديد الساخن 'عاهرة' على جباهكن. بناتي، يقول الشيخ، يقولون عاهرة حتّى للمرأة الناجحة لأنها أفضل منهم. يصفون الأم التي تختار أن تكون عزباء بالعاهرة، المثقفة التي تناقش الجنس في أطروحاتها عاهرة، ذات الشخصية القوية التي تعرف كيف ترفضُ عاهرة، الاولى في الصف عاهرة، التي تخلع حجابها عاهرة والتي تلبسه لابد أنها كانت عاهرة، التي تغني أو ترقص أو تمثل أو تغسل الصحون في مطعم يقدمون فيه الجعة عاهرة. الفتاة الجامعية، والطبيبة التي تكشف عورات الرجال، التي تحمل وشما، التي تدخّن، التي تبلغ عن التحرش، التي تعود متأخرة لمنزل والديها، التي لا تسكن في منزل والديها، التي لا تتزوج بعد الثلاثين،التي لا تسمح بخرق قانون الجولان وتسوق سيارتها بهدوء، التي ترفض الوصاية على عقلها وجسدها، التي لا تُـقر أن الرجال ملوكٌ عاهرة.
الملكة ديهيا عاهرة، الملكة بلقيس عاهرة، الأميرة ديانا عاهرة، هيلاري كلينتون عاهرة. أُمنا مريم ليست عاهرة طبعا، لأن إنجازها الوحيد في الحياة هو أنها كانت عذراء.
نوال السعداوي؟ عاهرة. ايما غولدمن ؟ عاهرة. لاشك أن الخنساء أيضا كانت عاهرة. لاشك أن رائدة الفضاء فالينتينا تيرشكوفا وصلت للقمر لأنها عاهرة. لا شك أن ماري كوري تحصلت على جائزة نوبل لأنها كانت عاهرة. لا شك أن نيوزلندا وألمانيا تغلبا على كورونا لأن رئيسات حكوماتهم عاهرات ومكانهن في ماخور.
بناتي، يقول الشيخ، أنتن من تحددن ماذا تعنيه هذا الكلمة. إذا رددتم شيئا الكثير من المرات، يفقد معناه، جرّبوا : "مجلة الأحوال الشخصية.. مجلة الأحوال الشخصية.. مجلة الأحوال الشخصية." "الدستور.. الدستور.. الدستور.." "المرأة هي أختي وابنتي وخالة بو جد أم ولد راجل عمتي ". تفقد هذه الأقوال معناها إذا كُررت مئات المرات، كالقميص الذي يبهت لونه بعد الغسل مئات المرات، وينتهي به الأمرُ كـ "خيشة."
جربوا أن تكرروا هذه الكلمة إلى أن تفقد معناها؛ عاهرة عاهرة عاهرة..
وإن لم يبلحْ لونها، وإن ظلت ناصعة حيّـةً، بناتي ..
إن قال لكِ أحد: أنت عاهرة!
قولي: شُـكرًا.
لأنه يقصد، أنت إمرأة. وهذا أعظم وصف على الإطلاق.
تعليقك
Commentaires