alexametrics
آخر الأخبار

هل السيادة الوطنية في غنى عن السيادة الغذائية ؟

مدّة القراءة : 4 دقيقة
هل السيادة الوطنية في غنى عن السيادة الغذائية ؟


في حين تتجه كل مجهودات الدولة التونسية  إلى النظر في  التشريعات الدستورية و القانونية و تنظيم الإنتخابات التشريعية بكل تفاصيلها التنظيمية من تزكيات و انتهاكات و ترشحات التي سبقها إستفتاء و إقرار دستور جديد بهدف تكريس السيادة الوطنية ، تتغافل الدولة التونسية عن سيادتها الغذائية .

تعيش البلاد التونسية أزمة غذائية انطلقت منذ بداية الحرب الروسية الأكرانية ، بوادر الأزمة بدأت بالبزوغ مع فقدان بعض المواد الإستهلاكية الأساسية نذكر منها السكر و الحليب و البيض و غيرها من المنتجات و لكن هذه الأزمة اتسعت لتشمل أيضا بعض الخضروات و المواد الحيوانية و عوض محاولة تركيز سياسات عمومية تتماشى و الواقع الفلاحي التونسي و إقرار السيادة الغذائية ، تقف الأطراف المعنية مكتوفة الأيدي مكتفية بربط الأزمة بالحرب الروسية الأكرانية و منها الأزمة العالمية. 

ظهر مفهوم السيادة الغذائية سنة 1996 ووقع تعريف مفهومها "بـحقّ الشعوب في إتباع نظام غذائي صحي وثقافي وملائم ينتج بطرق مستدامة و يقوم  على الأولوية للزراعة المحلية لتغذية الشعب وإمكانية نفاذ الفلاحين والفلاحات غير المالكين للأرض إلى الماء والأرض والبذور والاقتراض  مع ضرورة انتهاج مسارات الإصلاح الزراعي والحفاظ على المياه كمنفعة مشتركة وعامة لتوزيعه بشكل مستدام  هذا بالإضافة الى تشريك الشعوب في اختيارات وتوجهات السياسات الزراعية المزمع اعتمادها.

لعل البلاد التونسية  اتّخذت عدة إجراءات وقرارات ، في فترة ما بعد الاستقلال لتسريع استغلال الأراضي و إدخال بعض الإصلاحات على الأوضاع العقارية القديمة للأراضي الفلاحية  وتوزيعها على صغار الفلاحين بغية تأمين ملكية واضحة للفلاحين حتى يتمكنوا من التمتع بالقروض وقد مكّنت هذه الاجراءات  في السنوات الثلاث الأولى من الاستقلال من وضع يدها على 580 ألف هكتار منها 80 ألف هكتار كانت تستغلّها الدولة على نحو مباشر وبذلك انطلقت عملية تحديث الفلاحة التونسية وتجديدها.

و لعل هذه السياسة التي تم اعتمادها مباشرة بعد الإستقلال هدفها تكريس سيادة غذائية في نطاق إيمان سلط القرار حينها بأن أهمّ مورد رزق لأغلبية الشعب التونسي هو القطاع الفلاحي في حين أن البلاد التونسية كانت تعيش حينها على وقع أزمة إقتصادية فلاحية خاصة في الارياف. 

و منذ سنة 2007 إلى  اليوم أضحت سياسة التنمية الفلاحية التونسية  مبنية على تعزيز الأمن الغذائي كدعامة للسّيادة الوطنيّة فأضحى متخذو القرار في تونس يتحدثون عن مفهوم الأمن الغذائي الذي على عكس السيادة الغذائية التي تقوم على الإنتاج و تحقيق الإكتفاء الذاتي  يقوم مفهوم الأمن الغذائي على توفير المنتجات سواء بالإنتاج أو الاستيراد .

سياسة الأمن الغذائي التي تتبعها الدولة التونسية اليوم  تجعلها رهينة الأوضاع الإقتصادية و الأزمات العالمية و لعل هذا يتوضح  من خلال البيانات التي سبق أن نشرها  المرصد الوطني للفلاحة في شهر سبتمبر 2022 و التي تبين  إرتفاع عجز الميزان التجاري الغذائي لتونس بقيمة 2496,1 مليون دينار  في موفى شهر سبتمبر 2022  وذلك بسبب إرتفاع وتيرة  إستيراد بعض المواد منها  الزيت النباتي والقمح الصلب والسكر، مقابل 1556,5 مليون دينار في نفس الفترة من 2021 حيث بلغت حصة واردات الحبوب 53,6 بالمائة من جملة الواردات الغذائية المسجلة إلى غاية شهر سبتمبر 2022 مقابل 51,6 بالمائة في نفس الفترة من سنة 2021 .

هذا علاوة على طلب الدولة التونسية البنك الدولي مدها بقرض  بقيمة 130 مليون دولار الذي وافق عليه  مجلس المديرين التنفيذيين بالبنك بتاريخ 29 جوان 2022  في إطار تمكين  تونس من تمويل الواردات الحيوية من القمح الليّن وتقديم مساندة طارئة لتغطية واردات البلاد من الشعير اللازم لإنتاج الألبان، فضلًا عن دعم الفلاحين من أصحاب الأراضي الصغيرة بالبذور للموسم الفلاحي القادم .

و في هذا السياق كان مدير مكتب البنك الدولي في تونس ألكسندر أروبيو قد صرح أن " تونس تعيش تحدّيات كبيرة على مستوى إمدادات الحبوب بسبب الصعوبات التي تواجهها في الوصول إلى الأسواق المالية وارتفاع الأسعار العالمية مما أثر على قدرة البلاد على شراء الحبوب المستوردة. ونحن نعمل عن كثب مع شركاء آخرين لمساندة الحكومة التونسية في جهودها الرامية إلى ضمان تحقيق الأمن الغذائي، وفي الوقت نفسه، إجراء بعض الإصلاحات الهيكلية التي تأخرت على مستوى المنظومتين الفلاحيّة والغذائيّة".

 و اشار في نفس السياق إلى أنّ تونس تتعرض بشكل خاص إلى اضطرابات في إمدادات الحبوب حيث كانت قد استوردت في سنة 2021، 60 بالمائة من احتياجاتها من القمح اللين و66 بالمائة من احتياجاتها من الشعير من كلٍ من الاتحاد الروسي وأوكرانيا.

و في آخر دراسة نشرها المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية كشف أن ترتيب  تونس العالمي لسنة 2021  من حيث الأمن الغذائي  هو 55 من بين 113 دولة .

  على أهميتها ، تؤكد هذه الأرقام المختلفة  التبعية الغذائية في الحبوب و عدم قدرة البلاد التونسية على تحقيق اكتفائها الذاتي من الحبوب  .

الحبوب ليست الهاجس الوحيد الذي يعيق التنمية الفلاحية التونسية و سيادتها و أمنها الغذائي ، عدم قدرة الدولة التونسية على توفير الأعلاف للفلاحين بأسعار يتم ضبطها مسبقا هو من بين عوائق القطاع الفلاحي في تونسي و منه توفير إحتياجات السوق المحلية و عدم توفر الأعلاف و عدم القدرة على انتاجها يتسبب مباشرة في فقدان المواد الحيوانية منها الحليب ، الدواجن ، البيض و غيرها من المواد  و إن وجدت فإن اسعارها ستكون مرتفعة .

و هذا الذي جاء على لسان رئيس نقابة الفلاحين الميداني الضاوي الذي  شدد أن البلاد التونسية تعيش حاليا أزمة حادة في مادة الحليب و ذلك " لأنه لا يمكننا تحديد المشكل إلا بعد أن نعيش الأزمة " مبينا أنهم في عديد المرات و قبل إندلاع الأزمة حذروا من النقص في مادة الحليب قائلا " في عديد المناسبات و في وسائل الإعلام و عن طريق البلاغات حذرنا من النقص القادم في مادة الحليب و حددنا الأسباب المتمثلة أساسا في كلفة الانتاج المشطة على المنتج و التي تحول دون حفاظه على القطيع  علاوة على إرتفاع كلفة الإنتاج، التهريب و الذبح العشوائي للقطيع. "

نقابة الفلاحين ليست الوحيدة التي نددت بمعضلة الإنتاج عضو المكتب التنفيذي للإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري حمادي البوبكري كان قد بين أنه في علاقة بمدة الحليب فإن  كمية الحليب المتوفرة في السوق يوميا تتمثل في مليون و 100 ألف  لتر من الحليب التي يقع انتاجها  و معدل الإستهلاك اليومي للحليب في تونس يتمثل في مليون و 600 ألف  لتر من الحليب  و دعى  عضو المكتب التنفيذي للإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري  الدولة التونسية للتدخل ضرفيا  من أجل مساعدة منتجي الحليب لمدة شهر قائلا " غلاء الأسعار و خاصة غلاء الأعلاف هو من بين أسباب نقص كمية إنتاج الحليب في تونس و عديد الفلاحين قاموا ببيع الأبقار بسبب غلاء الأسعار"

مسار تنازلي تعيشه الدولة التونسية في علاقة بأمنها الغذائي من تبعيّة غذائيّة ،تراجعت المساحات الزراعيّة المخصّصة للحبوب ، تراجع الإنتاج ، ارتفاع الواردات الغذائيّة  ، التهريب و غيرها من المعطيات ، مسار تغيره مرتبط  بتغيّر رهانات الدولة  و رسمها لسياسات عمومية خاصة بالقطاع الفلاحي لتكريس سيادة غذائية تجعلها في غنى عن التبعية الغذائية .

 

نهى المانسي 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter