alexametrics
فيروس كورونا

في صفّ المخبزة الطويل ...

مدّة القراءة : 2 دقيقة
في صفّ المخبزة الطويل ...

11:00

 

نزار، أتمنى أن تؤجل رهاننا حول رُخصة القيادة مثلما أجّلت الحكومة القروض والأداءات. نسيتُ كل ما تعلمته في مدرسة السياقة. نحنُ ننسى بسرعة مانتعلمهُ لمناسبة ما، كالتواريخ التي نحفظها لفرض وحيد ثم نرميها للريح خلف ظهورنا ونمضي الى الغد أحرارا من ثقل الالزام.

 

حان وقتُ الخُبز، ولأنني لا أجيد القيادة، عليّ أن  أنزل إلى أرض المعركة مُترجلة. المخبزة تبعد حوالي عشرين دقيقة على الأقدام. في الطريق الشمسُ خلفي، على القاع ظلي طويل ويدي قصيرة، كأنني لوحة سريالية لسالفادور دالي، كأنني الساعاتُ المرتخية التي تذوبُ في مدينة بلا وقت. ألا تحسون أنه في هذا الحجر، كل المدن بلا وقت وكل الأيدي قصيرة؟

 

في الصفّ، بدت أوجهُ الناس أقل جزعا، يمزحون، لكن بحذر.

 

أريد أن أقول للشاب الذي أمامي؛ ارفع سروالك عيّش خويا، أنا أرى نصف مؤخرتك رغم مسافة الأمان.

 

لم سراويلُ الشبابِ ضيّقة جدا من الأسفل ومُتدنية من جدا من الأعلى هذه الأيام؟ من المهين جدّا، أنه لم يعد في هذا العالم الذي يحتضر رجال يرتدون السراويل الفضفاضة، أو العاديّة على الأقل. تلك فقط سراويل حقيقيّة. أعنِي، أنا طبعا أحترم إختيارات الجميع في السراويل، لكنه من المحزنِ أن نشهد على موت السراويل الحقيقيّـة، إلـى جانبِ كل هذا الموت.

 

في الصفّ، أغلبُ النساء محجبات. دعـوني أخبركم سرّا. كنت أكرهُ المحجبات جدّا.

 

 أُردد ببلاهة بـداهات خاطئة إقتصصـتها حججا من نصف كتاب عن النسوية.  كنـت أمقت إضطهاد الجمال، ثم وضعت له مقياسا دون حق، في حين أن لا مقياس لــه. كنت  أدعو للحـرية ثم أحبس إمتدادها الكونـي في خانات تلائم فكري فقط.

 

 كنت أدعو للتسامحِ وقبول الإختلاف وأجرد الحجاب من مشروعيته الدينيـة لأصنفه ضمن أسلحة ذكورية ألجمت النساء لمدة قرون، فسمحت لنفسي بأن أتدخـل في إختيارات الناس مدعية أنني نلتُ الحقيقة كلهـا.

 

لا يوجد أخطر من ادعاء امتلاك الحقيقة.

 

 تناسيت حقهن في إختيار الحقيقة التي تُناسبهن. أتعلمون مالذي غيـر رأيي ؟ نساء أثبتن لي أنه كان إختيارا ناضجًا قمن به دون جبر. لا غير.  لا العالماتُ و لا الكاتبات و لا أيّ نجاحٍ نسب لإمرأة متحجبة، فتعديدُ إنجازاتهن و كأنهُ أمر غريب و مُفاجئ هو في حدّ ذاته إعتراف ضمنّي أن المُحجبة الناجحة هي الإستثناء لا القاعدة. وأن القاعدة هي أنهن مجرد محجبات. تماما كما أن تعداد نجاحات النساء في يوم المرأة  اعتراف ضمني بأن نجاحهن هو الاستثناء، والقاعدة هي أنهن مجرد نساء. لا حقّ لأي كان التدخـل في إختيار إمرأة ناضجة قررت بنفسها سلك نمط العيش ذاك.  حينها هو حريّة شخصية لا يحق لأحد المساسُ بها. أظن، أن احتقار أي امرأة، لامرأة مثلها بسبب شكلها هو صنيعةُ رجل ما، قرر أن الحجاب لا يُرضيه، أو شعر الجسم لا يرضيه، أو السمنة لا تُرضيه، هذا الثوب قصير جدا، ذاك الثوب طويل جدا، ونحنُ نتخّذ مساحة أكثر مما ينبغي، في شوارعه، في عالمه، الذي يجبُ أن يبقى عالمه.

 

إلـهي كم أُصبح ثورية وأنا جائعة. لو بامكاني لاقتتطعتُ لحم الميزوجينيا والتهمتهُ نيئا دون خُبز. لكن الغذاء جلبانة، وعليّ أن أنتظر دوري وأضع الهاتف في جيبي الان حتى لا يُـسرق.

 

الى الغد اذن. كونوا بخير

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter