تعديل قانون المحكمة الدستوريـة : مناورة سياسية وتأجيل اخر ..
ثمان جلسات عامة لانتخاب محكمة دستوريّة، أطول مسار برلماني في تاريخ السلطة التشريعية التونسية لم يقترب بعدُ من الاهتداء الى أرضية توافق. لم تنجح البرلمانات المتعاقبة في انتخاب سوى عضو يتيم، روضة الورسغيني.
رُفعت مساء أمس 8 أكتوبر 2020 الجلسة العامة المخصصة للتصويت على مشروع قانون أساسي ومقترح تعديل يتعلقان بتنقيح وإتمام قانون المحكمة الدستورية بعد استيفاء النقاش العام والاستماع إلى ردود جهتي المبادرة وزارة العدل والكتلة الديمقراطية. وطالب النواب بالتصويت على تأجيل المصادقة على مقترحي التعديل المتعلقين بقانون المحكمة الدستورية، وذلك بالنظر إلى عدم توفر النصاب المطلوب لتمرير قانون أساسي والمحدد بـ109 أصوات، بسبب غياب نواب الحزب الدستوري الحر وقلب تونس.
المحكمة الدستورية هي هيئة قضائية مستقلة، ضامنة لعلوية الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريات، وفق ما ورد في الفصل الأول من قانونها الأساسي. تتركّب المحكمة من اثني عشر عضوًا، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون. ينصّ الفصل 118 من الدستور أنه يعيّن كل من رئيس الجمهورية، ومجلس نواب الشعب، والمجلس الأعلى للقضاء، أربعة أعضاء، لفترة واحدة مدّتها تسع سنوات. ويجدَّد ثلث أعضاء المحكمة الدستورية كلّ ثلاث سنوات. وينتخب أعضاء المحكمة من بينهم رئيسًا ونائبًا له من المختصين في القانون، في انتخابات داخلية.
تتولّى المحكمة أربع مهام رئيسية. اولى المهام وكبراها، مراقبة دستورية مشاريع القوانين اذ تقوم المحكمة بمراقبة دستورية مشاريع القوانين بموجب طعن يقدّمه رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثون نائبًا في مجلس نواب الشعب. عند فرضية القضاء بعدم دستورية مشروع قانون ما، تحيل المحكمة هذا المشروع إلى مجلس نواب الشعب مجدّدًا للتداول فيه ثانية، وعلى رئيس الجمهورية قبل ختمه إرجاعه للمحكمة للنظر في دستوريته مرة أخرى. مراقبة دستورية القوانين الموجودة مسبقا، هي ثاني المهم التي دونت للمحكمة الدستورية ضمن الفصل 118. تنظر المحكمة في دستورية أي قانون وذلك بموجب الدفع من قبل الخصوم في القضايا المنشورة. ويوقف هذا الطعن النظر في القضايا الأصلية حتى تبتّ المحكمة في دستورية القانون المنطبق. مرد ذلك، هي أن طبيعة القوانين الوضعية تقتضي أن هذه القوانين قابلة للنقاش والتنقيح والتعديل أو الالغاء، عكس الأنظمة القروسطية، الملكية، أو الديكتاتورية المنتشرة في المنطقة العربية، والتي لاتعترف بتنقيحات وتعديلات الا بطرق أفقية/سرية. تتولى المحكمة كذلك النظر في دستورية تعديل الدستور، اذ تتدخّل في حالة المبادرة بتعديل الدستور. وأخيرا، تقوم بمراقبة دستورية المعاهدات.
يسعى الائتلاف البرلماني الجديد الذي وُلد بعد عدواة – ويجمعهم الولاء لحكومة المشيشي، الى تخفيض عتبة انتخاب أعضاء المحكمة الى الخُمسين أي 131 نائبا. تتفق النهضة وحليفها ائتلاف الكرامة وقلب تونس على هذا المقترح فيما تلقى نقطة تخفيض الحد الأدنى للتصويت معارضة شديدة من الكتلة الديمقراطية. في تصريح أوردته بيزنس نيوز أمس، أكد النائب عن التيار أن هذا التخفيض الذي يُزعم أنه من أجل التسريع في انتخاب المحكمة الدستورية قد يهدد بصعود اسماء "مُخيفة" على حد تعبيره من أعداء الحريات والدستور – في احالة الى مرشح سابق للحزب الاسلامي النهضة، اثار جدلا بسبب مواقفه المتطرفة. وبينما أنكر رئيس كتلة النهضة الجديد عماد الخميري نية الحزب الاسلامي استغلال المحكمة الدستورية لضرب قرطاج- خصمهم السياسي، الا أن تصريحه الذي نقلته بيزنس نيوز بأن المحكمة الدستورية من أولويات المرحلة "حتى لا يتم الاحتكام في تأويل الدستور لأطراف من داخل الحكم" لا يمكنه الا أن يكون مقصده سوى رئيس الجمهورية قيس سعيد.
في الواقع يوجد مقترحان لتعديل القانون الاساسي وهو ما يمكن أن يشكل نقطة خلافية أخرى، حيث يوجد مقترح تعديل من حكومة الشاهد منذ سنة 2018 لتنقيح الفصل 11 والتخفيض من عدد الاصوات المطلوبة وتم تعديل هذا المقترح لتتبناها اللجنة. والمقترح الثاني، وفق النائب هشام العجبوني، قدمه التيار الديمقراطي لالغاء لفظة "تباعا".
في أوت 2020، قدمت اللجنة المُختصة تقريرا في التعديلات المقترحة وأهمها تقليص النصاب القانوني للتصويت من145 صوتا إلى 131 صوتا فيما اقترح ممثلو دائرة الحكم ومساندو الائتلاف الحكومي، تخفيضها الى 109 صوتا فقط.
تم تعديل النص الاتي ليصبح: "ينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين من أعضائه، فإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية، يتم المرور إلى انتخاب بقية الأعضاء بالاقتراع السري، بأغلبية الثلاثة أخماس في ثلاث دورات متتالية".
وفي مسودة التعديل، سُحبت لفظة "تباعا" من نص الفصل العاشر لغاية إلغاء الترتيب الملزم للجهات التي لها صلاحية تعيين أعضاء المحكمة الدستورية أي رئاسة الجمهورية أو المجلس الأعلى للقضاء في ذات الترتيب رغم أن النص الأصلي يقترح أن يكون لرئيس الدولة الكلمة الأخيرة. يمكن اذا وفق التعديل السابق للمجلس الأعلى للقضاء انتخاب 4 أعضاء و يمكن لرئيس الجمهورية تعيين 4 أعضاء حتى لو لم ينجح مجلس النواب في انتخاب نصيبه من الأعضاء..
مع هذا الأخذ والرد والتأجيل الى ما الا نهاية بسبب استحالة توافق الأطياف السياسية- تبقى فصول دستور 2014 قابلة للتأويل العرضي، والانتهاك، والتحيّل لا يمكن للدستور أن يبقى حيا دون ضمانات، دون 12 عضوا من الكفاءات التي يجب أن تكون مُستقلة دون مزايا سياسية، يراقبون دستورية القوانين التي يقرها المشرع أو يقترحها المنفذ.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires