قانون المالية: الطريق السريع عدد " 2023 " نحو الفشل
حظي قانون المالية 2023 ، بالإجماع على اخفاقه في خلق الموازنات الاقتصادية اللازمة في المرحلة الحالية التي تعيشها تونس ، القانون الذي طال انتظاره في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية ، الاجتماعية و السياسية في البلاد التونسية .
لعل قانون المالية الذي تعودنا على صدوره في تاريخ أقصاه شهر نوفمبر بعد المشاورات و التدقيق و التفاعل مع الخبراء الاقتصاديين و المرور الى مجلس نواب الشعب لتحديد ما اذا يستجيب القانون الى التطلعات الاقتصادية ، الاجتماعية الضرورية ، جاء في 2023 مسقطا و غير قادر على التجميع و الموازنة ، اقصي من اعداده كل الفاعلين الاقتصاديين و المنظمات الوطنية فكان مبهما ، صادما و لا يتضمن الرؤى التي من شأنها خلق المعادلات الاجتماعية الاقتصادية .
قانون المالية الذي ضبط الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية لسنة 2023 ، جوبه بالنقد من قبل الخبراء الاقتصاديين و الفاعلين في الشأن الاقتصادي ، فمنهم من وجه دعوة للتصدي لقانون المالية 2023 كالجمعية التونسية للمختصين في المحاسبة التي عبرت عن رفضها لعديد الإجراءات التي لما تمثله من اجحاف في حق المواطنين والمؤسسات واثقال كاهلهم بالضرائب والأداءات والخطايا في غياب تام للحلول الكفيلة بإنعاش الإقتصاد الوطني.
غير أن قانون المالية 2023 جاء ضمن مراسيم رئيس الجمهورية قيس سعيد في اطار الفصل الخامس من الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 مؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية التي لا تقبل الطعن بالإلغاء، و هذا من شأنه أن يلغي فرضية التصدي لقانون المالية استنادا الى القوانين الموجودة التي كيّفها رئيس الجمهورية على مقاسه .
غياب الرؤية الاقتصادية و التصور التنموي في قانون المالية 2023 ، مثلت قراءة الخبير الاقتصادي توفيق بكار ، الذي بيّن انها تتبيّن من خلال تواصل تضخم الميزانية و التي تبلغ 70 مليار دينار و تمثل 43 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي في حين أن المتعارف عليه هو أن النسبة لا يجب أن تفوق 34 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي و في 2010 كان سقف هذه النسبة في تونس 27 بالمائة و أن تضخم ميزانية الدولة له تبعات من بينها الترفيع في الضغط الجبائي و اللجوء أكثر الى التداين و هذا من شأنه تقليص النشاط و القدرة التنافسية .
كما يتوضح غياب الرؤية الاقتصادية ، من خلال الاشكال في تمويل الميزانية التي تتطلب تعبئة 24 مليار دينار من الموارد من بينها 16 مليار دينار منها موارد خارجية أي قروض و 8 مليار دينار قروض داخلية التي سيتم اقتطاعها من البنوك التونسية ، التي اعتبر توفيق بكار أنها ستكون مزاحمة لمختلف الأعوان الاقتصاديين و اقصائهم الذي سيكون له تأثير على الشركات و الخواص و المواطن ، مرجحا أن تعبئة 16 مليار دينار من الخارج هو أمر صعب جدا حتى في صورة التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي ألغي بعد عدم التزام الحكومة بتعهداتها في علاقة بحزمة الاصلاحات المقدمة للصندوق و كذلك عدم التزامها بارسال نسخة من قانون المالية 2023 الى صندوق النقد الدولي قبل موفى شهر نوفمبر 2022 .
تضخم ميزانية 2023 كان أيضا من بين المؤاخذات التي طرحها الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي ، و التي سترافق بالاخفاق و الفشل ، حيث اعتبر أن الزيادة ب 10 مليار دينار في ميزانية الدولة من 60 مليار دينار سنة 2022 الى 70 مليار دينار سنة 2023 لم تحدث من قبل في تاريخ المالية العمومية التي سيكون لها تأثير مباشر على تراجع مستوى النمو الاقتصادي و خلق مزيد الازمات .
أما في علاقة بمناخ الأعمال فاعتبر الشكندالي أن الاجراءات التي تم وضعها في قانون المالية 2023 و الزيادة في الأداءات مثل الضريبة على الثروة من شأنه أن يزيد تعفين مناخ الأعمال و ينفر المستثمرين و كل المعطيات السلبية التي وردت في قانون المالية 2023 من شأنها أن تأخر جدولة تونس في قائمة أعمال صندوق النقد الدولي مشيرا أن القانون الذي تم وضعه هو قانون جباية و ليس قانون مالية .
"قانون المالية من المفروض أن يكون آلية لرسم التوجهات الكبرى في المنوال الإقتصادي "، هذا ما جاء على لسان الباحث في الإقتصاد عبد القادر بودريقة، الذي اعتبر بدوره أن قانون المالية 2023 لم يحلّ مشكلة العدالة الجبائية في تونس و خلافا لما سبق من القراءات النقدية لقانون المالية 2023 ، يعتبر بودريقة أنه وفقا للأرقام الموجودة في قانون المالية 2023، قانون المالية جاء وفقا لمتطلبات صندوق النقد الدولي و هو قانون تعبئة موارد .
يبدو أن سنة 2023 ستكون سنة صعبة جدا ، كما علّق الخبير الاقتصادي ارام بالحاج الذي يعتبر أن أمل الخروج من الأزمة العميقة التي تعيشها تونس اليوم عبر رفع حالة الضبابية السياسية الكبيرة التي تميز المشهد التونسي عبر حوار وطني جاد ومسؤول بين كافة الفاعلين مع تشريك فعلي للخبراء ومكونات المجتمع المدني و تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والسعي نحو إيجاد تمويلات من دول شقيقة وصديقة و اعادة برمجة ملف تونس أمام أنظار مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في اقرب وقت، بالاضافة الى الانطلاق الفعلي في عملية الإصلاح بمقاربة مختلفة وبخيارات وطنية.
أمام جملة الانتقادات و الرؤى التي قدمها الخبراء الاقتصاديون مع صدور قانون المالية 2023 منذ يوم الجمعة 23 ديسمبر 2022 ، وزيرة المالية سهام بوغديري نمصية ، خلال مؤتمر صحفي اليوم الإثنين 26 ديسمبر 2022 ، تنتقد بدورها ما يتم ترويجه حول قانون المالية و تعتبر عن الاجراءات الاجتماعية التي وردت في قانون المالية 2023 لم يتم سنها من قبل ، و الاجراءات التي تم اتخاذها ليس لها اثر مباشر على المقدرة الشرائية للمواطن و أنه لا يمكن تلخيص قانون المالية في الضرائب .
وخلافا لما صدر من المنظمات الوطنية و الخبراء الاقتصاديين عن اقصائهم من اعداد قانون المالية ،ة بينت وزيرة المالية أنه تم اعتماد تمشي تشاركي في إعداد القانون و تم عقد عديد الاجتماعات مع المنظمات الوطنية والهيئات المهنية.
قانون المالية 2023 المعد من قبل حكومة قيس سعيد ، في ظل أزمة اقتصادية و اجتماعية تعيشها البلاد التونسية و التي لها وقع كبير على المواطن التونسي في ظل تواصل ارتفاع الاسعار و تدهور المقدرة الشرائية ، حظي باجماع الرفض من قبل الفاعلين الاقتصاديين و المنظمات الوطنية التي اعتبرت أنه قانون مسقط و لا يستجيب لتطلعات التونسيين في الوضع الحالي و من شأنه أن يزيد تعميق الأزمة .
نهى المانسي
تعليقك
Commentaires