خطاب قيس سعيد- رسائل مشفرة واعلان حرب ضد الأحزاب
لم نر رئيس الدولة قيس سعيد مُبتسما، خلال موكب أدء القسم لأعضاء حكومة هشام المشيشي رغم أنّه كان مُنشرحا مرحبا أثناء موكب أداء قسم حكومة الياس الفخفاخ. لم يقدر الرجل على اخفاء ملامح الاستياء والامتعاض على مُحياه أثناء القاء كلمته بمناسبة تسلم الحكومة الجديدة مهامها. ملامح حادة تتماهى مع حدّة خطاب دقّ طبول الحرب الذي لا ينقصهُ سوى تسمية العداوات بمُسمياتها. عوّدنا رئيس الدولة على رمي التُهم والحديث المعوم عن المؤامرات في كلّ ظهور له- لكن هذه المرة، يبدو أنّ الأمر يتجاوز التحذير الى وعد بكشف حقيقة "الخيانات" ومحاسبة أصحاب "الخيال المريض" ومن "افتى دون حقّ" ومن "احترف الكذب".
" بيننا الله و الأيام " قد تظن أنه هذه دعوة مظلوم أو وعيد مُنتقم، لكنها لفظة صدرت عن رئيس جميع التونسيين والساهر على وحدة تونس، رئيس الجمهورية. الرئيس أكد أنه من قام بتعيين هشام المشيشي في تذكير بمزاياه على الرجل الذي كان في الأمس القريب يستمد مشروعيته منه ويعتبر رجل الرئيس، وكان يتمتع بدعم ومباركة قرطاج في اعتماد مقاربة قريبة من فكر سعيد وهي اقصاء الأحزاب من الحكم. لكنه استدرك :" هشام المشيشي ليس وزير أول و لا كاتب للرئاسة بل هو رئيس حكومة تحصلت على ثقة البرلمان" في تملص ممكن من المسؤولية ونفي لتلازم قرطاج والقصبة. "خونة، خيانة" هو معجم فاجئ الكثيرين ممن كانوا ينتظرون خطاب تهنئة للحكومة الجديدة فراح سعيد يعبّر عن خيبته ممن خانوه.
" كثيرة هي الازمات التي تم افتعالها من قبل بعض السياسيين وتابعت يوم أمس من اصدع بالحق و لم يتردد في كلمة الحق و تابعت من كذب و ادعى و افترى و ما اكثر المفترين هذه الأيام لكن هنالك دائما رجال صادقون ثابتون. حتى ان البعض فتح دار افتاء و اصبح يدعي ما يهيأ له خياله المريض. احترمت الدستور الذي اقسمت على احترامه و احترمت النظام و المؤسسات بالرغم ان البعض لا يستحق ذلك بل لا يستحق الا الاحتقار و الازدراء. أنا على يقين انه سيأتي يوم سيكون فيه القانون مطابقا لإرادة الأغلبية التي تم سحقها و حاول الكثيرون تزوير ارادتها و من يعتقد انه فوق القانون فهو واهم. بعض كانت تحت جناح الظلام، انا على علم بما قيل و على علم بالصفقات. سيأتي اليوم الذي اتحدث عنه بكل صراحة عن الخيانات وعن الغدر وعلى الوعود الكاذبة وعلى الارتماء في أحضان الصهيونية والاستعمار ".
من يقصد قيس سعيد بهذا الخطاب الهجوميّ والاتهامات الخطيرة، هل يقصد هشام المشيشي أم النهضة وقلب تونس، أم بعض المتربصين به في القصر، أم النواب الذين استغلوا منابر جلسة منح الثقة للتهجم على رئاسة الجمهورية؟ لا أحد يمكن أن يدعي أنه يعلم ما يدور في رأس سعيد لكن بعض الأحزاب كانت لهم بعض ردود أفعال الحينية التي تحيل الى أنّ قيس سعيد يوجه انتقاداته للطبقة السياسية التي يسعى لترذيل الأحزاب والسياسة سعيا للتغول.
لُوحظ تناقض هائل في موقف ائتلاف الكرامة الذي نشر البيانات رافضا حكومة لاحزبية ونادى لأسابيع بخطر حكومة المشيشي على الديمقراطية، ولم يكن لهذا الائتلاف الاسلامس فس النهاية الى التماهي مع موقف حليفهم حركة النهضة. رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف هجوما اتهم قيس سعيد بأنه يتجسس على النواب في احالة الى لفظة "صفقات تعقد في جنح الظلام" الوادرة في خطاب الرئيس. وأكد مخلوف أن خطاب سعيد مستهجن ولا يمت للديمقراطية بصلة. انتقد رئيس ائتلاف الكرامة الخطاب ووصفه بالمتشنج وأن حكومة المشيشي تستعد اليوم لاستعادة زمام السلطة بدلا عن رئيس الدولة.
عياض اللومي القيادي في قلب تونس الذي صوت لصالح حكومة المشيشي وأعاد مرة ثانية التحالف مع النهضة – وهو الأمر الذي وعد في الحملة الانتخابية أنه لن يقوم به- أكد أن خطاب سعيد كان "هستيريا". وبين النائب لأن الخطاب كان غير مسؤول و أن سعيد ادعى امتلاك صلاحيات ليست له طالبا من رئيس الدولة أن يبتعد عن الضبابية ويكشف النقاب عن "الحقائق" التي تحدث عنها، لتجاوز الأمر و تحقيق الاستقرار.
محمد القوماني عن النهضة اعتبر أن خطاب سعيد غير مطمئن، وأنه كان ينبغي أن ينبه الوزراء إلى الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية لكنه عبر عن غضبه من المداخلات التي حدثت خلال الجلسة العامة للتصويت على الثقة مؤكدا أن الاتهامات لا اساس لها من الصحة.
ونوهت بلومبيرغ إلى أن الرئيس لم يقدم حتى اليوم للتونسيين سوى عناوين غامضة، أظهرت أنه بعيد عن معاناة الشعب التونسي اليومية، مشيرة إلى أنه من من المحتمل أن يزيد ذلك من تعقيد جهود حكومة المشيش. سمير ديلو، القيادي بالحركة، أشار في تصريح لزملائنا بالمغرب الى ضرورة استعاد العلاقات الهادئة والتعاون بين مؤسسات الدولة وأن بعض المداخلات خلال جلسة منح الثقة استفزت رئيس الجمهوري..في مقال للمغرب، الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي دافع عن رئيس الجمهورية مؤكدا أنّه جاء للرد على الحملة الموجهة ضده لتشويهه.
أصداء خطاب رئيس الدولة وصلت الى الخارج كذلك، حيث نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية مقالا أكدت فيه إن رئيس الجمهورية قيس سعيد استغل مراسم أداء اليمين الدستورية لشن هجوم عنيف على أعداء لم يكشف عن هويتهم من المؤكد أنه سيؤجج الخلافات السياسية في البلاد.
في مقال بتاريخ اليوم، أكدت وكالة الأنباء أن قيس سعيد اتهم سياسيين لم يكشف عنهم بالخيانة والمؤامرات والأكاذيب وأنه تعهد بالكشف عنهم في الوقت المناسب وأن هشام المشيشي واجه معركة شاقة حيث أن رئيس الجمهورية الذي كلفه بالتشكيل الحكومة حاول يوم الثلاثاء الماضي إسقاطه لأسباب لم تعرف بعد.
تلقى البعض خطاب سعيد كاعلان حرب لا غبار عليه، بينما دافعت الكتلة الديمقراطية عن تمشي سعيد الذي بدا يحس بأنه معزول في قصر قرطاج.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires