24 ساعة من العنف والاشاعات!
هل نحن على شفا الهاوية بعد؟ نعيش في أسوأ أزمة قيمية ونسقيّة جمعت بين ملامح ارتفاع منسوب العنف والتطرف في سنوات 2012-2013 والتي انتهت الى الاغتيالات السياسية وأزمة سياسية أسوأ من 2015 واحتقان اجتماعي وحراك احتجاجي شبيه بسنوات 2017-2018 وتواتر العنف البوليسي الشبيه ببدايات 2011. خلطة سحريّة أضف اليها وباء عالمي زهق أرواح 6 الاف من مواطنينا ومحاولة تسميم مزعومة للقائد الأعلى للقوات المسلحة هي الأولى في تاريخنا الحديث.
يوم الأمس كان عنوانهُ العنف، منذ ساعات الصباح أفاق التونسيون على مقاطع فيديو صادمة توضح العنف البوليسي في وضح النهار وأمام المارة ضد عائلة تونسية أنزلوا من سيارتهم وتم تعنيفهم وجرهم الى سيارة الأمن أمام أبنائهم اللذين لا تتجاوز أكبرهم الأربع سنوات. دون توضيح رسمي من وزارة الداخلية قامت صفحات نقابات الأمن بتهنئة الشرطيين الذين قاموا بهذا الاعتقال على "عملهم الحرفي بالقوة الشرعية" في القبض على ما يزعم أنه رأس شبكة تحيل، رواية لم تتبناها الجهات الرسمية ولا يمكن أن تبرر الهرسلة والاهانة الذي يتعرض لها أي كان مهما كانت تهمته التي يمكن للضاء وحد تأكيدها، وخاصة بحضور الأطفال.
افتتحنا اليوم بالعنف البوليسي والعنف ضد الأطفال وواصلناهُ بالعنف ضد المرأة بمكالمة مسربة بين اعلاميين يدعي أحدهم أنه مصلح اجتماعي، فيما لا تخلو برامجه من تبرير العنف الجسدي والجنسي المسلط ضد المرأة واعلامي ثان يدّعي أنه مؤثر في الشأن العام والحال أنه مصدر للاشاعات والأخبار الزائفة. السيدان، كانا يتجهزان لنشر "فضيحة" عن احدى الممثلات التونسيات الذين وصفاها بلفظ مشين. قد لا يكون الأمر مهما في أعين البعض ولكن في باطنه عنف موجه ضد المرأة وثلب ينمان عن مدى تناقض صانعي الرأي الذين يملكون ماكينات لتشويه النساء(حسب اعتراف الاعلامي حرفّيا في المكالمة) .
لم يتوقف العنف المبني على النوع الاجتماعي عند ذلك بل فوجئنا بعد دقائق ببث مباشر من مجلس نواب الشعب حيث هاجم نائب الائتلاف الاسلامي سيف الدين مخلوف زميلته عبير موسي وهددها وافتك هاتفها واصفا اياها بأبشع الألفاظ. ليس لأن العنف والذكورية غريبون عن هذه الكتلة المتطرفة التي تشتغل لفائدة النهضة- بل لأن الأمر وصل الى حد افتكاك الممتلكات الشخصية والتهديد العلني والعربدة دون ادانة أو حسيب في رحاب المؤسسة الشرعية. طبعا النائب لم يكتف بذلك وخصص صفحته لمواصلة الثلب والعنف اللفظي والتنمر والميزوجينية، كما واضب على استغلالها كمنصة لنشر الكراهية ورمي الاتهامات والألفاظ السوقية والتحريض ضد كل من يخالفه الرأي. لا يمكن احصاء عدد الجرائم التي ارتكبها الائتلاف منذ وصوله الى باردو، متخفيا بالحصانة البرلمانية التي تحميه قضائيا والحصانة النهضاوية التي تحميه سياسيا.
ساعات فقط بعد تلك الفضيحة، تبدأ صفحات الفايسبوك في تشر أخبار عن محاولة اغتيال الرئيس وسط صمت مخيف من مؤسسة الرئاسة التي لم تؤكد أو تنفي. رعب واجهه التونسيون في ظل اخبار متتالية بعضها يتحدث عن طرد سام وبعضها يتحدث عن رسالة تحمل مادة قاتلة، البعض أكد أن رئيسة الديوان نادية عكاشة تتلقى العلاج الطبي بعد تعرضها للتسمم والبعض يتحدث عن اختراق قرطاج-و تواصلت الاشاعات لقرابة الساعتين دون أي توضيح من الأطراف الرسمية مما سبب موجة ذعر وارتباك.
لم يتم التوضيح الا في اليوم التالي من قبل المكلفة بالاعلام في رئاسة الجمهورية ريم قاسم أنه تم التفطن يوم الإثنين 26 جانفي لظرف مشبوه من ضمن المراسلات اليومية التي تصل الى الرئاسة. تذكر هذه الحادثة بال,مة الاتصالية الكبيرة في مؤسسات الدولة وعلى رأسهم قرطاج.
"وصل الظرف الى القصر في مكتب الضبط يوم الاثنين وكان مثيرا للشكوك ومشبوها حيث كان فارغا لا يحمل أي رسالة لكن كان عليه مادة مشبوهة لم نعرف ماهي فاتصلنا بالسلطات لفتح تحقيق لمعرفة نوعية المادة ومصدرها." علقا ريم قاسم. لم يتم بعد ذلك الادلاء بأي معلومات شافية اضافية مما أطلق العنان للاعلام العربي ومحبي نظرية المؤامرة في نسج سناريوهات عن انقلابات وخطط اغتيال مما أساء الى صورة تونس المهتزة سابقا.
ولتكتمل الصورة، تم ايقاف المعلق بقناة التاسعة رياض جراد بعد أن نشر أنّ لديه " حقائق ومعطيات مفصلة" حول تسميم الرئيس وام الاستماع اليه في فرقة جرائم الارهاب بالقرجاني. الكرونيكور أعلن أنه تم "اختطافه'' أمس بعد انتهاء البرنامج الذي تحدث فيه عن محاولة التسميم، مؤكدا أنه تمت هرسلته وافتكاك هاتفه واقتياده للقرجاني.
لا يمكن أن نعدد الأزمات دون المرور على الصراعات بين الرئاسات الثلاثة والورطة الدستورية القادمة في حالة عدم دعوة قيس سعيد الوزراء الجدد لأداء اليمين. يبدو أن كل من قرطاج والقصبة وباردو متمسك بموقفه- الغنوشي والمشيشي على توافق من أجل تمرير الحكومة وقيس سعيد رافض لبعض الأسماء المتعلقة بها شبهات فساد، ودون محكمة دستورية لا يمكننا معرفة السيناريو القادم ومن على حق. رئيس الدولة يوبّخ رئيس الحكومة من أجل عدم دستورية المسار المتخذ في التحوير الوزاري ورئيس الحكومة يوجه رسائل مشفرة لسعيد في خطابه أمام النواب الذي تحدث فيه عن الشعبوية وأخطارها.
على المستوى الاجتماعي البلاد تغلي، الاحتجاجات مشهد يومي يتكرر والمطالب هي ذاتها لم تتغير منذ 10 سنوات- وقفات شبه يومية أمام المحاكم لاطلاق سراح الشباب الموقوفين في التحركات الأخيرة، تواصل الايقافات في الولايات الداخلية التي لم يهدأ فيها نسق الاحتجاج اليلي والمواجهات بين الشباب والأمن، مسيرات تنادي بحلّ البرلمان وايقاف القمع البوليسي، اعتصمات للمفروزين أمنيا وعمال الحضائر بالقصبة، مقاطعة للامتحانات في الجامعات والأمور تتجه الى الأسوأ باعتبار هذه التحركات -حتى وان كانت شرعية- بيئات مناسبة لتضاعف انتشار فيروس كورونا...
الخطر يقترب على كلّ الجبهات ولعلّ الأخر هو الارقام المفزعة التي تعلنها وزارة الصحة كلّ مساء والتي يبدو أن التعوّد والتطبيع معها جعل منسوب الخوف والحذر يتراجع، وعمم موجه من اللامبالاة قد تُكلفنا الكثير. يمكن أن ندعوها بأزمة "انضباط" من قبل التونسين لتعليمات وزارة الصحة لكن دور الدولة لا يقل أهمية عن الوعي المواطني. ممثل منظمة الصحة العالمية بتونس أعلن أن تونس تسجل ثاني أعلى معدل للوفيات بكورونا في القارة الافريقية،بلغت تونس رقما قياسيا للوفيات وصل الى 103 في يوم واحد فيما وصل عدد الوفيات الجملي الى عتبة 6446 وفاة، ما الحلّ؟ لا أثر لأي ارادة سياسية لتجنيب لبلاد الوضع الأسوأ. الناطقة باسم وزارة الصحة نصاف بن علية حذرت من مزيد تفاقم الحالة الوبائية ما قد ينذر بانهيار المنظومة الصحية وعجزها عن الإيفاء لاحتياجات المواطنين في العلاج. المرحلة القادمة هي انهيار المنظومة الصحية وهو ما يعني تجسيدا لصور موت مصابين بالفيروس في الشوارع وفق تأكيد أنيس قلوز عضو اللجنة العلمية الذ أعلن أن الوباء خرج عن السيطرة والمنظومة الصحية لم تعد قادرة على تحمل هذا التفشي. صحيّا، سياسيا، اجتماعيا : الأزمات لا تأتي فُرادى.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires