بقطع النظر عن نتيجة جلسة المساءلة التي دارت أمس الاربعاء 03 جوان 2020، و تواصلت الى ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس، و بعيدا عن التصويت برفض اللائحة و عدم سحب الثقة من رئيس المجلس راشد الغنوشي و بعيدا عن رفض مشروع لائحة إعلان رفض البرلمان التدخل الخارجي في ليبيا ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي قصد تسهيل تنفيذ هذا التدخل بـ 94 نعم 07 إحتفاظ و68 رفض فان الخاسرين الاكبرين من الجلسة ككل هما حزبي التيار الديمقراطي و رئيس المجلس راشد الغنوشي نفسه، حسب كل الملاحظين و النقاد. فالتيار الديمقراطي تعرض الى حجم كبير من النقد و الانتقاد بسبب انسحابه من التصويت جعل البعض يذهب في اتجاه القول بأنها خطوة محورية ستكون لها نتائج وخيمة في مستقبل الحزب السياسي و الغنوشي تعرض الى أكبر عملية ترذيل سياسي في مشواره السياسي الطويل حسب بعض الملاحظين فقد تحولت الجلسة من استماع الى مسائلة ثم الى محاكمة أكثر منها شيء اخر.

• الغنوشي... الخاسر الأكبر

ما حققته جلسة المحاسبة و المساءلة من اهداف سياسية كان أكبر بكثير من التي كانت الجهات المنادية لانعقادها تمني نفسها بتحقيقه، فقد  فاز خصوم الغنوشي بما هو أكبر من مجرد سحب الثقة حيث تحولت الجلسة  إلى ما يشبه المحاكمة العلنية لشخصه، سواء تعلق الأمر بارتباطاته الخارجية، أو بفشله في إدارة الجلسات العامة أو -خونجته- لمفاصل المجلس و تعيين مقربين منه في مواقع مقربة  و تدخلهم الزائد عن اللزوم في ما يخرج عن صلاحياتهم.

 محاكمة الغنوشي كسرت صنم الشخصية الاعتبارية المنزهة عن اللوم و النقد حتى لدى أنصار النهضة انفسهم و سحبت عدة نقاط سياسية من حسابه حيث اصطف عدد كبير من النواب لتوجيه خطابات نارية للغنوشي مليئة بالاتهامات بالعمالة و الكذب و الاصطفاف وراء محور ضد المصلحة التونسية، حيث كان طارق الفتيتي نائب الرئيس أول المتدخلين و أول النيران الصديقة التي توجه نحو الرئيس حيث اعتبر ان الغنوشي اخطأ في اتصاله بالسراج و أخطأ في اخفائه لعدة معطيات عن النواب و عن مكتب المجلس و طالبه بالاعتذار و عدم تكرار تصرفاته. لتواصل رئيسة الحزب الدستوري الحر  عبير موسي توجيه القصف السياسي نحو الغنوشي حيث اعتبرت أنّ النهضة ليست بالحزب المدني داعية التونسيين الى زيارة الموقع الرسمي للحركة الاسلامية حيث سيجدون اعترافا صريحا بانتماء النهضة الى تنظيم الاخوان المسلمين العالمي و تبني  مرجعية الاتجاه الاسلامي لأنه يتخذ العقيدة اساسا للحكم وليس مدنية الدولة ويقبل التكفير وذلك مضمن في وثيقة تعريف مرجعية الحزب على موقع الرسمي المحين بتاريخ 3 جانفي 2020، على حد تعبيرها.

كما اعتبر رئيس حزب الرحمة سعيد الجزيري أن الغنوشي ظالم و شبهه بالرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي بالقول - بن علي كان ظالما، وانت اليوم امام المساءلة لكن المساءلة الحقيقة يوم القيامة وسيوقفك ربك  ويسألك عن الشعب والاقتصاد والبلاد. اي انتصار تتحدثون عنه- في حين  اكد النائب وليد جلاد عن حزب تحيا تونس ان الغنوشي دائم التغيب عن الجلسات و اتهمه بالتبجح بالديمقراطية و استجابته للمسائلة في حين  أن مكتب المجلس كان دئم الرفض للمسائلة  وأن هذه الجلسة جاءت بعد اضراب جوع وليس بعد طلب ديمقراطي،  وانتقد جلاد خرق الغنوشي للأعراف الديبلوماسية مؤكدا أن الديبلوماسية البرلمانية المزعومة لم تجلب لتونس سوى مزيد من التقسيم بين التونسيين بسبب الاصطفاف مع تركيا الذي خلف عجز في الميزان التجاري بسبب الامتيازات الممنوحة لتركيا اقتصاديا.

من جهته اعتبر المنجى الرحوي أن الغنوشي ينتمي فكريا الى تيار الاخوان المسلمين و يمثل حلقة من سلسلة الحلقات المتداخلة و المنتمية الى التنظيم و اعتبره مسؤولا عن الاغتيالات السياسية للشهدين بلعيد و البراهيم و ان حزب الوطنيين الديمقراطيين كان ضحية من ضحاياه بفقدانه لرمزه و قائده شكري بلعيد خاتما مداخلته بالقول أن يوم دفن الشهيد بلعيد ردد الاف التونسيين بصوت واحد – يا غنوشي يا سفاح يا قتال الأرواح- قبل أن تقطع الكلمة عنه.

نقد النواب للغنوشي و الامعان في ترذيله  سياسيا نزع عنه جبة الشيخ و جبة الوقار و العظمة و أدخل حتى في لاوعي بعض معارضيه داخل الحركة أنه لم يعد ذلك المقدس أو المسكوت عنه و يمكن معارضته و حتى ابعاده من الحركة و هو ما جعله الخاسر الأكبر في جلسة المساءلة لكنه لم يكن الخاسر الوحيد.

• التيار الديمقراطي... الخاسر الثاني

قال رئيس الكتلة الديمقراطيّة والنائب عن التيّار الديمقراطي هشام العجبوني اليوم الخميس أنّ الكتلة الديمقراطية انطلقت في اتصالاتها بكتل برلمانية أخرى لتقديم لائحة بخصوص الشأن الليبي تهدف صراحة لإدانة أي تدخّل عسكري في ليبيا وتكون متماهية مع الموقف الرسمي التونسي حيث اعتبر أنّ الكتلة الديمقراطية  لا تسعى من خلال هذه اللائحة إلى تسجيل نقاط سياسيّة كما عمدت إلى ذلك رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي التي لم تكن تسعى إلى حلّ توافقي لمسألة كان من المفروض أن لا تكون محلّ تجاذبات و تصفية حسابات سياسية.

وقال انّ نواب التيّار الديمقراطية قد امتنعوا مساء أمس خلال الجلسة العامة بالبرلمان عن التصويت على لائحة الحزب الدستوري الحر والهادفة إلى إعلان رفض البرلمان للتدخل الخارجي في ليبيا بسبب إضافة جملة تُحيل إلى قرار البرلمان العربي الصادر شهر جانفي الماضي والذي لا يدين التدخّل العسكري التركي، لكن هذا التعليق لم يخفي موجة الانتقاد الحادة التي تعرض لها التيار الديمقراطي سواء من خلال ردود أفعال المتابعين على شبكة التواصل الاجتماعي أو تعليقات السياسيين التي اعتبرت ان التيار فوت على التقدميين فرصة ازاحة الغنوشي و فتح صفحة جديدة من العمل السياسي الخالي من الاسلام السياسي و أن تشبثه بتموقعه الحكومي في ائتلاف مع النهضة منعها من لعب دورها التاريخي.

موقعة امس من الممكن أن تخلق شرخا حتى في الكتلة الديمقراطية نفسها فقد  قال النائب عن التيار الديمقراطي محمد عمار خلال تصريح لاي اف ام  بأن المعركة البرلمانية امس كانت بين التجمع و حركة النهضة ،معتبرا ان حركة الشعب قد اختارت الاصطفاف وراء التجمع المنحل و بالتالي فوت على نفسها فرصة تاريخية في حين أكد مصدر خاص من حركة الشعب لبزنس نيوز أن اصطفاف التيار مع النهضة و اخراجها من عنق الزجاجة احرج كثيرا حلفائها الحقيقيين و أولهم رئيس الجمهورية قيس سعيد الدي اعتبر الخطوة التي قام بها التيار وصمة عار على جبينه لن تمحوها الأيام بسهولة.

ما فعلته عبير موسي حسب بعض الملاحظين هو توضيح للراي العام أن ازاحة حركة النهضة و اجبارها على البقاء بعيدا عن الحكم و الحكومة سهل التحقق و رهين اتاف 109 نائب اتفق منهم 94 أي ان الخطوة القادمة ستكون أسهل و هو ما يعني اساسا ان المساءلة حققت فعلا هدفها السياسي بل حققت أكثر بكثير مما كانت تصبو اليه و سيكون المشهد السياسي لما قبل 3 جوان 2020 مخالفا تماما لما سيكون عليه من بعده.

حسام بن احمد