بعد البيدوفليين.. وحوش من جنس آخر
مازال الرأي العام التونسي تحت مفعول الصدمة التي أحدثتها قضية المدرسة القرآنية بالرقاب وما كشفت عنه من احتضان مقرها لبيدوفليين.. كيف يُعقل أن يُسلِّم بعض الأولياء أبناءهم إلى مفترسين شواذ، بداعي تلقين أطفالهم وفلذات أكبادهم، تعاليم الدين والأخلاق الحميدة ؟! .. لكن يبدو أن هذه الحادثة البشعة والمروِّعة لم تصدم جميع الناس، بما أن البعض من أصحاب نظرية المؤامرة في شق الإسلاميين يعتبرون أن هذه الحادثة ليست سوى ثمرة مؤامرة من "إعلام العار" لتشويه الإسلام.
ومن هذا المنطلق قام بعضهم بشن حملة مضادة على الصحفيين الذين استنكروا دناءة وبشاعة ما اقترفته وحوش آدمية في حق الطفولة بين جدران ما يدَّعون أنها مدرسة .. حشود من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من ذوي التوجهات الإسلامية تهجموا على الصحفيين، "أبواق اللائكية والإلحاد والانحطاط الأخلاقي"، وفق مزاعمهم. أول ضحايا هذه الغزوة على الشبكة العنكبوتية كان حمزة البلومي، مقدِّم البرنامج الذي كشف حيثيات القضية وتفاصيلها باعتبار لولا الريبورتاج الذي بثه تلك الحلقة لما أدركنا خطورة ما كان يجري منذ سنوات بين جدران تلك المؤسسة، إذ بفضل البرنامج وما أثاره من جدل تحركت السلطات وأنقذت الأطفال الأبرياء من براثن وحوش شاذة كان يفترض بهم أن يلقنوا أولئك الصغار الفضيلة عوض أن يمارسوا عليهم الرذيلة ..
لكن كشف هذه الجريمة البشعة لم يرق لمن يدَّعون الاستبسال في الدفاع عن الدين فقد صُدموا لكون صحفيين كشفوا عورة ما يجري في مثل تلك المؤسسات التي بعثت للدمغجة وغسيل الأدمغة دون غيرهما .. هم مصدومون لأنه تم اتهام "ملتزمين دينيا" بممارسات لا يفترض بهم أن يؤتوها بما أن الدين قد نهاهم عن ذلك ..
فسيف الدين مخلوف وراشد الخياري وأمثالهم صنعوا المستحيل لتشويه الصحفيين التونسيين والفريق العامل مع حمزة البلومي .. كل الوسائل كانت متاحة ومشروعة من أجل من أجل تكذيبهم وتشويه سمعتهم أمام الرأي العام .. الخياري بالتحديد والذي يعرف نفسه على أنه هو أيضا صحفي، لم يدَّخر جهدا للقضاء على "عدو الإسلام حمزة البلومي"..
آخر هذه المحاولات لتشويه البلومي، مقطع فيديو وتدوينات يتهم فيها أصحابها، مقدِّم برنامج الحقائق الأربع، بإهمال جدته والدفع بها في الشارع وتركها تعيش في ظروف هشة وغير لائقة حين طلبت منه المساعدة .. ثم يتمادى راشد الخياري في تبنيه نظرية المؤامرة ليؤكد أن السلط تدخلت لمنعه من تصوير شهادة تلك المرأة المُسنَّة التي رفض أحد أقاربها الكشف عن هوية واسم "المقدِّم المشهور".. فقد تم تقديم حمزة بلومي في صورة الإنسان الجحود والناكر للجميل.. استغل الخياري هذه الرواية ليوجه اقذع الأوصاف للصحفي، متهما بالمناسبة على كل زملائه الذين أدانوا التجاوزات المترفة من قبل المسؤولين عن المدرسة القرآنية ..
يقول الخياري متماديا في مسرحيته سيئة الإخراج "أين هم المدافعون عن المُثُلِ والأخلاق؟ ها نحن نلاحظ صمتهم وجبنهم حين تم هتك عِرض أطفال أتقياء بالإشاعات المغرضة .. لم يصدمهم تشويه أبناء القرآن ويدافعون عن كلب جاحد .. لعنهم الله .. لست في حاجة إلى دروسكم ".
وباعتباره المشرف على الموقع الالكتروني "الصدى" فإن راشد الخياري سخَّر أعمدة هذه الخِرقة الالكترونية لأشباه باحثين للخوض والإدلاء بدلوهم في ما يزعمون أنها حرب يشنها حمزة البلومي ضد المتدينين وضد الدين وحتى ضد الله ! .. من بين ما نشر على الموقع، مقال (إن صح تصنيفه في مثل هذا الجنس الصحفي) يستعرض كل عناصر المؤامرة في ذلك الريبورتاج الذي اعتبر صاحب المقال أنه تمت فبركته بالتنسيق مع الحكومة قصد الإساءة للإسلام .. العبارات المستعملة من قبل "الباحث" المزعوم مستمدة من معجم الجماعات الإرهابية من قبيل ما تستخدمه خلايا الاتصال التابعة لتنظيم داعش الإرهابي..
زميلنا حمزة البلومي امتنع عن الرد على هذه التفاهمات بالاكتفاء بالقول في تدوين له إنه منذ الكشف عن وجود معسكر لاغتصاب الأطفال في الرقاب تتالت حملات التشويه ليصبح أول أهداف الدوافع، مؤكدا أنه لن يجيب على جرذان الإنترنت.
خلاصة القول أن ما يريده راشد الخياري وأمثاله هو إخماد أصوات الصحفيين وكل أشكال حرية التعبير والصحافة عندما يتعلَّق الأمر بصفِّهم .. لكنهم يستغلون جيدا مناخ الحرية لنشر رسائل الحقد والكراهية، متهمين الصحفيين بالإلحاد والردَّة .. خطاب من شأنه ان يعرِّض حياة الصحفيين للخطر إذا وجدت دعوات التكفير تلك آذانا صاغية لدى من تمت دمغجتهم بعد وهو ما حدا بنقابة الصحفيين التونسيين للتعبير عن إدانتها هذه الممارسات والتهديدات التي وجهت للعديد من الصحفيات والصحفيين، داعية النيابة العمومية الى التحرك العاجل لوضع حد لمثل هذه التهديدات وتأمين سلامة الصحفيين .. لكن أصحاب هذه الأفعال التي يجرِّمها القانون مازالوا طلقاء الى غاية اليوم مفلتين بذلك من العقاب .. لذلك وفي ظل هذا المناخ فإن حرية الصحافة والدفاع عن قيم الديمقراطية ومبدأ مدنية الدولة ستبقى من أبرز مشاغل التونسيين.
(ترجمة للنص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires