بعد نيلِهم ثقة الغنوشي..هل سيؤدي كافة وزراء المشيشي الجُدد اليمين أمام سعيد؟
التحوير الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة هشام المشيشي والذي نال ثقة البرلمان ليلة البارحة الثلاثاء، في جلسة امتدّت على أكثر من ثلاثة عشرة ساعة كشفت عن الحزام السياسي الحقيقي لرئيس الحكومة وبيّنت الجلسة نقائص وضعف وزراء المشيشي في مجابهة الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وذلك وفقا للنقد اللاذع الذي توجّه به النواب للمشيشي، كما كشف التحوير عن الصراع العميق والقطيعة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي.
رئيس الحكومة هشام المشيشي في جلسة منح الثقة لوزرائه الجُدد وقف على نقاط ضعفه وعدم إلمامه بمطالب الشعب الحياتية والعديد من النواب على غرار منجي الرحوي وسامية عبو ونواب آخرون من الكتلة الديمقراطية وضّحوا له من خال مداخلاتهم أنّ تعاطيه الأمني الشديد مع الشباب التونسي لن يزيد الأوضاع إلاّ تأزّما واحتقانا خاصّة بعد تعمّده بإعطاء الإذن بصفته وزيرا للداخلية بالنيابة بتسيّيج البرلمان يوم أمس الثلاثاء بالمدرّعات وأعداد كبيرة من الأمنيين حتى لا يتمكّن المحتجون من الوصول إلى باب مجلس نواب الشعب، وكان شباب حيّ التضامن بالتنسيق مع العديد من الجمعيات والمنظمات الوطنية قد نفّذوا مسيرة احتجاجية سلمية انطلقت من حيّ التضامن في اتجاه مجلس نواب الشعب ودعا فيها المحتجون إلى إسقاط النظام القمعي وإسقاط الحكومة والبرلمان وجوبهت مسيرتهم السلمية بالعنف من قبل الأمنيين الذين قاموا بمنعهم من الولوج لساحة البرلمان تطبيقا لأوامر رئيس الحكومة هشام المشيشي.
على الرّغم من كلّ الإنتقادات اللاذعة التي وجّهت له من مختلف النواب، وانتفاض الشباب ضدّه ودعوتهم لإسقاط نظامه القمعي البوليسي إلاّ أنّه في كلمة له إجابة على أسئلة النواب، أكّد المشيشي أنّ الشباب هو الحلّ وليس المشكل مفسّرا أنّ احتجاجاتهم كانت نتيجة نفاذ صبرهم على السياسيين مشيرا إلى ضرورة الإصغاء للشباب الغاضب. وكانت هذه الكلمات محاولة من المشيشي لتخفيف وتيرة غضب الشباب المحتج عليه '' شبابنا ينفر العمل السياسي ووجد تعبيرات بديلة تدل على نفاذ صبره، حان الوقت لتلبية تطلعات الشباب، أين نحن من استحقاقات الثورة، استرجعنا حقوقنا في المواطنة وقطعنا مع سياسية الخضوع، لكن رغم مناخ الحرية لم تتحقق مطالب الشباب من شغل وتنمية. الطبقة الوسطة انهارت واتسعت رقعة الفقر, طغت منذ سنوات الصراعات السياسية وتعمق شعور التونسيون بعد الثقة في السياسيين لذا المطلوب منا اليوم الاصغاء للشباب الغاضب. التحريض على الفوضى يدمر بلدا أفنى رواده عمرا في بناءه. لا خيار لنا الا الاصلاح والطريق لا يزال طويلا''.
بعد نجاحه في تمرير تحويره الوزاري، يواجه هشام المشيشي في الأيام القادمة إمكانية تمرير هذا التحوير من عدمه من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي من المفترض أن يقوم الوزراء بأداء اليمين أمامه. اجتماع مجلس الأمن القومي الذي التأم يوم الإثنين 25 جانفي الجاري، كشف مدى تأزم العلاقة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي أين عبّر قيس سعيد عن اعتراضه عن البعض الوزراء الجُدد الذين اختارهم المشيشي لإضافتهم لفريقه الحكومي وأكّد أنّ أحدهم متورّط في ملف فساد وهو لدى رئاسة الجمهورية في حين تورّط آخرون في شبهات فساد وأكّد سعيد للمشيشي أنّ تلك الأسماء لن يسمح لها بأداء اليمين إن حصلت على ثقة البرلمان.
قيس سعيد بنبرة واثقة وتتضمّن غضبا كبيرا لام على هشام المشيشي قيامه بالتحوير الوزاري دون عقد مجلس الوزراء وأكثر من ذلك قام بتوجيه مراسلة إعلام لرئيس الجمهورية بالقائمة الإسمية للوزراء الجدد وأرسل القائمة لرئاسة البرلمان دون المرور برئاسة الجمهورية وأعلمه أنّ رئاسة الجمهورية ليست بصندوق بريد '' رئاسة الجمهورية ليست مكتب بريد تتقبل الارواق و تمضي'' وأكّد له أنّه من المفترض أن يطلع هو على قائمة الوزراء الجدد ثمّ يوجّهها لرئاسة البرلمان. كما لام عليه كيفية تجرّئه على تنصيب نفسه وزيرا للداخلية بالنيابة بعد أن قام بعزل وزير الداخلية توفيق شرف الدين لأسباب إلى حدّ الآن لا تزال مجهولة وأمام الجميع قال له ''هذه سابقة أولى في تاريخ تونس''.
وفقا لمقتضيات الدستور، فإنّه بإمكان رئيس الحكومة هشام المشيشي إحداث تحوير وزاري دون العودة إلى رئيس الجمهورية باستثناء وزارة الخارجية والدفاع و ذلك حسب مقتضيات الفصل 92 من الدستور الذي ينص على اختصاص رئيس الحكومة بإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته، وذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية إذا تعلق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع. وبإمكان رئيس الحكومة إحداث أو تعديل أو حذف المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح الإدارية وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء، باستثناء الراجعة إلى رئاسة الجمهورية فيكون إحداثها أو تعديلها أو حذفها باقتراح من رئيس الجمهورية.
بعد مرور التحوير الوزاري، توجّهت الأنظار إلى قصر قرطاج وهل سيسمح قيس سعيد للوزراء الجدد بأداء اليمين لمباشرة مهامهم ام لا، الفصل 89 من الدستور ينصّ على أن "يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية اليمين التالية: "أقسم بالله العظيم أن أعمل بإخلاص لخير تونس وأن أحترم دستورها وتشريعها وأن أرعى مصالحها وأن ألتزم بالولاء لها". لذلك يمكن لرئيس الجمهورية أن يرفض تنظيم مراسم أداء اليمين، أي أن يقدم فيتو ضد هذا التحوير، كما أنّه يمكن للمحكمة الدستورية فقط أن تحكم في هذا الجدل وتقرر ما إذا كان لرئيس الجمهورية الحق في معارضة التحوير أم لا وفي ظلّ عدم وجود محكمة دستورية، فإن رئيس الجمهورية وحده هو الذي يمكنه الحكم في دستورية مثل هذا القانون.
هشام المشيشي الذي تقلّد منصب رئيس الحكومة وتمتّع بالحكم كان قد عيّنه رئيس الجمهورية قيس سعيد ومنحه فرصة لإنقاذ البلاد إلاّ أنّه أثبت قربه من حركة النهضة التي أصبحت ركيزة أساسية في حزامه السياسي ولولا النهضة لما مرّ تحويره الوزاري وثبُت للعلن أنّ حكومته ليس مستقلة كما يدّعي وإنّما هي سياسية بامتياز.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires