بسبب الفخفاخ: لأول مرة ائتلاف الكرامة و حركة النهضة و الحزب الدستوري الحر يتفقون في قرار واحد
أعلن المكلف بتشكيل الحكومة، إلياس الفخفاخ، مساء أمس السبت 15 فيفري 2020، عن تركيبة حكومته التي تم التوافق عليها قبل قرار مجلس شورى حركة النهضة الانسحاب منها وعدم منحها الثقة في البرلمان. و أضاف الفخفاخ أثناء كلمته، أن خيار حركة النهضة بالتخلي عن دعم الحكومة و عدم التصويت لها جعله يقرر من باب المسؤولية و بعد الاتفاق مع رئيس الجمهورية قيس سعيد، استغلال ما تبقى من الآجال الدستورية لأخذ التوجه المناسب، بما يخدم مصلحة البلاد العليا.
حكومة الفخفاخ التي كشف عنها ضمت 29 وزيرا وكاتبين للدولة، كان لحركة النهضة النصيب الأكبر منها باعتبارها الكتلة الأكبر في البرلمان، حيث حصلت على 6 حقائب وزارية، و وزيرين مستقلين قريبين منها، بينما حصل حزب التيار الديمقراطي على 3 حقائب وزارية، في حين حصل كل من حزبي تحيا تونس وحركة الشعب وكتلة الإصلاح الوطني بالتساوي على وزارتين، أما حزب نداء تونس فحصل على وزارة واحدة، وآلت بقية الوزارات إلى شخصيات مستقلة.
موقف النهضة بعدم المشاركة و انسحابها من حكومة الفخفاخ فسره عبد الكريم الهاروني برفض الفخفاخ طلب الحركة بتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحدا، وفسره نور الدين البحيري بأن الحركة لن تشارك في حكومة تزيد من ألم التونسيين وحكم عليها بالفشل واصفا إياها بحكومة الأقلية و قال أنها ستفشل لا محالة لأنها لا تملك 145 صوتا اللازمة لتمرير المحكمة الدستورية و أنها لا تملك الحلول لمواجهة المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد كالبطالة و ارتفاع الأسعار مقابل انهيار المقدرة الشرائية.
إصرار النهضة على تشريك قلب تونس في الحكم مرده ليس الرغبة في تكوين حكومة وحدة وطنية بقدر ما هو تفادي لإمكانية عزلها داخل الحكومة خاصة أن الحزام السياسي الذي اقترحه الفخفاخ يضم كل من حزب تحيا تونس و حركة الشعب و التيار الديمقراطي وكلها أحزاب لا تثق فيها حركة النهضة و لا تضمن الانسجام معها ففي حالة انسحاب أي مكون منها فهو يعني بالضرورة سقوط التحالف الحكومي. و قد شهدنا خلال المشاورات أكثر من حادث يؤكد هدا التصور، فحركة النهضة حاولت جاهدة قطع الطريق أما القيادي بالتيار الديمقراطي محمد الحامدي و منعه من الحصول على وزارة التربية بينما حاول التيار الديمقراطي قطع الطريق أمام حركة النهضة و منعها من الحصول على وزارة تكنولوجيات الاتصال و أصر على تحييد وزارتي العدل و الداخلية في حين أصرت حركة الشعب على عدم مشاركة روني الطرابلسي في الحكومة و منعه من الحصول على وزارة السياحة.
كما أن العلاقة بين حركة النهضة و تحيا تونس ليست على أحسن ما يرام خصوصا بعد ما شهدته الساحة السياسية من تبادل للتهم و تصريحات بعض قيادي حركة النهضة بأن مشاركتهم في الحكومة و تقديمهم لاي تنازل سيكون السبب الأقوى له هو انهاء مرحلة يوسف الشاهد و حكومته،
على الرغم من انسحاب حركة النهضة، فإن الفخفاخ أعلن عن التشكيلة الحكومية وأبقى الباب مفتوحاً لمزيد من التشاور و أمامه أقل من أسبوع قبل نهاية المهلة الدستورية، فإما أن يقنع النهضة وغيرها من الأحزاب بخياراته، وإما أن يعدّل التشكيلة الحكومية، وإلا فسيكون للرئيس العودة إلى الفصل 89 من الدستور الذي يمنح الرئيس حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة بعد الخامس عشر من مارس، لكن السؤال الأهم في هده المرحلة هو مدى جدية حركة النهضة في انسحابها. أتنوي حق المضي قدما في موقفها سياسيا و تذهب في اتجاه عدم التصويت لحكومة الفخفاخ و تقبل بقرار الرئيس أم أنها مناورة سياسية لضمان أكبر قدر من الغنيمة السياسية وفرض مشاركة قلب تونس في الحكومة حماية لوجودها السياسي، ليس لكون حزب قلب تونس تابعا لها أو حليفا سياسيا بقدر ما أن وجوده سيضعف قوة التيار الديمقراطي و حركة الشعب في الحكومة.
عبد الكريم الهاروني أجاب عن سؤالنا بقوله في تصريح اعلامي أن من يفكر في أن النهضة تناور و تريد الضغط على الفخفاخ لا يعرف الحركة جيدا، فهي جادة في توجهها ولن تشارك في حكومة ضعيفة سياسيا و غير قادرة على الذهاب بعيدا بحزام سياسي ضعيف. فالحركة تريد حكومة وحدة وطنية بحزام قوي قادرة على النجاح و كل التحاليل السياسية تدهب في اتجاه أن أمام الياس الفخفاخ خيارين لا ثالث لهما، أما أن يقدم للحركة ما تراه شروط ضرورية لمشاركتها في الحكومة أو التفكير في حل أخر لا تكون النهضة طرفا فيه إما إقناع قلب تونس بالمشاركة و إقصاء حركة النهضة و ائتلاف الكرامة أو الانسحاب و ترك القرار لرئيس الجمهورية.
دستوريا لا شيء يمنع رئيس الجمهورية من تعيين شخصية أخرى في صورة انسحاب الفخفاخ، تكون أكثر قدرة على تجميع المتخالفين و أكثر دبلوماسية من الفخفاخ لكن الوقت المتبقي لهدا السيناريو قليل جدا و قد لا يستطيع أي شخص مكلف تشكيل حكومة في مدة قصيرة لا تتجاوز الأسبوع لان ما تريده حركة النهضة لن يقبل به التيار الديمقراطي و حركة الشعب و تحيا تونس و تشكيل حكومة ثورية بدعم من ائتلاف الكرامة و حركة النهضة لن يقبل به لا التيار و لا حركة الشعب و بالتالي فان الحل الأمثل حسب ما يراه بعض المحللين هو اجتماع استثنائي بين حركة النهضة و تحيا تونس و قلب تونس و التيار الديمقراطي و الياس الفخفاخ يتم خلاله الاتفاق على حكومة وحدة وطنية.
بعض المحللين يرى أن رئيس الجمهورية يريد فعلا الذهاب أبعد ما يكون في حل مجلس نواب الشعب، ولو توجه الفخفاخ الى البرلمان و سقطت حكومته، فإن الباب لن يكون مفتوحا أمام قيس سعيد لحل مجلس نواب الشعب، والدعوة إلى انتخابات مبكرة لوجود فترة فراغ تمتد بين تاريخ سقوط حكومة الفخفاخ"إن حصل" وانتهاء أجال الأربع اشهر التي تحدث عنها الفصل89 من الدستور لتكوين حكومة، فترة فراغ يمكن خلالها مبادرة ثلث نواب المجلس إلى الإعلان عن مرشح جديد، لرئاسة الحكومة، وبإمكانه تشكيل حكومته للحصول لاحقا على الأغلبية المطلقة ''109 من الأصوات'' وذلك قبل انتهاء الفترة الدستورية التي تخوّل لرئيس الجمهورية حلّ المجلس والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
الثابت الوحيد هو أن كل الاحتمالات ممكنة و كل السيناريوهات قابلة للحدوث في ضل فراغ دستوري واضح و غموض سياسي أوضح و تشتت كبير في مجلس نواب الشعب يجعل من الصعب على أي طرف تشكيل حكومة بمفرده دون تحالفات قوية و حقيقية و هو ما ذهبت إليه حركة النهضة من خلال رغبتها في تعديل القانون الانتخابي و الترفيع في العتبة ب5 في المائة لضمان وجود تكتلات قوية في المجلس قادرة على تشكيل تحالفات قوية.
لكن الشيء الوحيد الذي ربحناه من حكومة الياس الفخفاخ هي أنها جعلتنا نرى ائتلاف الكرامة و حركة النهضة و الحزب الدستوري الحر يتفقون لأول مرة ، في قرار مشترك هو معارضة الحكومة و و رفض الياس الفخفاخ.
حسام بن أحمد
تعليقك
Commentaires