صراع النهضة والشعب - التضامن الحكومي، من مؤجل الى مُهدد
تأجل "التضامنُ" الحكوميّ، وبدأت سرديات استبدال طرف بأخر في حكومة الياس الفخفاخ تطفو على السّطح، وكأنّ جميع من في هذا الائتلاف الحكومي الهشّ مؤقت وقابل للاستبدال.
ما لم يقله راشد الغنوشي من منبر قناة نسمة، قالهُ عبد الكريم الهاروني دون حرج. ان كان رجل الحزب الاسلامي الأوّل ملزما بالتحفّظ كونه رئيس البرلمان فان الناطق باسم شورى النهضة- نطق فعلا، حرّا من ثقل المُجاملات.عكس راشد الغنوشي، الذي بدا ثابت الانفعالات رصين الاماءات، كان عبد الكريم الهاروني في حواره على الاذاعة الوطنية صبيحة اليوم 9 جوان 2020 في موضع هجوم واضح، يُترجم للعلن وللفرقاء السياسيين ما امتنع زعيم الحزب الاسلامي عن قوله صراحة- حان وقتُ استبدال حركة الشّعب، هذا الحليف غير الثابت الذي "لم يحترم التضامن الحكومي" على حد تعبير الهاروني. رئيس الحركة الاسلامية الذي يعيشُ أيّاما حافلة بالذمّ في برلمان مُعارضيه، لم يسقط في المباشرتيّة وفضل أن تكون رسائله بيّنة فقط لمن يفهمها، حيث لم يذكر الحزب القومي الشّعب بل التزم التعويم.
راشد الغنوشي أكد أنه " في السياسة هناك إكراهات" واصفا المشهد السياسي بأنه غير طبيعي ولا يجب أن يستمر على هاته الشاكلة. " نحن نطالب بتغييرات تفرض توافقا بين مجلس نواب الشعب والحكومة وبين الحزبين الأول والثاني وبين ما يليهم من أحزاب''. مُقابل مطالبته بالتغيير- جاء تصريح الهاروني معتبرا أنّ على من أخطأ أن ينسحب من الحكومة. الخطأ الذي يقصده الرجل، هو تصويت حركة الشعب لصالح لائحة الدستوري الحر. وتجاوز الهاروني ساحة اللوم الى الاتهام الواضح لحركة الشعب بأنها تعادي الثورة لا في تونس فقط بل في كلّ من مصر وسوريا وليبيا باعتبارها تدعم الأطراف المعادرية للثورة في هذه الأقطار متمركزة بذلك ضدّ "قوى الخير" اللفظة التي استخدمها الهاروني سابقا لتوصيف الأطراف المتدخلة في الصراع الليبي (تركيا) ضد أطراف أخرى تسعى لخراب ليبيا وصفها "بقوى الشرّ" (الامارات). يبدو أنّ الحركة الاسلامية، ستحول مُحاكمتها الرمزية أثناء جلسة 3 جوان الى أزمة حكومية جديدة تستثمرها لتذليل المعارضة وزيادة حُلفاءها في الان ذاته ; جارّة قلب تونس من سجل "المناضلين الجدد" الى الفريق الحكومي الجديد ومهددة استقرار الكتلة الديمقراطية الثانية عدديا في البرلمان (الشعب والتيار) . النهضة لا تحاول تخريب حكومة لها فيها النصيب الأكبر من الحقائب، ولا تحاول توسعة ائتلاف حكوميّ يحمل كل أطياف العائلة السياسية، هي فقط تحاول مُوازنة حضورها على الجبهتين البرلمانية والتنفيذية عبر تصدير أزمة للحكومة حتى تعيد النظر في مكوناتها وتستبدل الطرف الذي سبب بالأزمة بطرف جديد تضمن النهضة "وداعته".
ظهور الغنوشي على شاشة حزب قلب تونس، هو نبأ ببداية زمن توافقي جديد بين أعداء بنوا حملاتهم الانتخابية حول شيطنة بعضهما- النهضة أقسمت على عدم التحالف مع "الفساد" وقلب تونس أقسم على عدم التحالف مع "الاسلام السياسي" ومع ذلك- لا يمانعان التحالف، هو شر لا بد منهم ليخرج كلّ منهما عن عزلته السياسية. يقول الغنوشي "اغلبية الحكومة ليست اغلبية البرلمان وهو ما يجعل الوضعية مهتزة والاستقرار محدود ونحن (حركة النهضة) نأمل أن نصل إلى توافق. المطلوب اليوم هو الوصول إلى حكم توافقي مفتوح لكل من يريد أن يشارك لأن الانتخابات أفرزت وضعا سياسيا متذررا يستدعي إبعاد القضايا الأيديولوجية عن الإئتلاف وأن يتم التشارك حول برنامج تجتمع فيه الأحزاب المحافظة التي تؤمن بالديمقراطية''. وهكذا، تحول خطاب زعيم النهضة من الدفع الى حكومة "ثورية" الى الالتفاف حول "الأحزاب المُحافظة".
القيادي بحركة الشعب خالد الكريشي، يعتقد أنّ بقاء الشعب في الحكومة ليس رهين نزوات الغنوشي، معتبرا محاولة النهضة لتهديد الحزب القومي مجرد ردّ فعل سياسي هو وليد العديد من المحطات : تمسك حركة الشعب بحكومة الرئيس، هزيمة النهضة وسقوط حكومة الجملي، وأخيرا موقف الشعب من لائحة رفض التدخل التركي والقطري في ليبيا. كلها محطات يؤكد الكريشي أن راكمت لدى النهضة رغبة في ازاحة حركة الشعب من منظومة الحكم.
"حركة الشعب لم ولن تغادر الحكومة. هذه الحكومة في الطريق الصحيح وليس هنالك من داع لتغييرها وهي حكومة الرئيس وليست حكومة حركة النهضة. من يريد إسقاط الحكومة عليه استعمال الآليات القانونية الدستورية التي تكفل ذلك. هذه الخطوة هي اقرار للنهضة بفشلها ".
حركة الشعب، تعتبر أن تعلل النهضة بجلسة 3 جوان وعدم تجسيد التضامن الحكومي في نتائج الصويت، هي تعلات واهية تحجب رغبة الحزب الاسلامي في ضم قلب تونس للحكومة حتى على حساب الاستقرار الحكومي والوطني في فترة أزمة.
هيكل المكي النائب عن الشعب أكد أن النهضة تتعامل مع المشهد بعقلية 2011 و2014 مراهنة على استبدال أعضاء الحكومة بشركائها وحلفائها، المكي انتقد سلوك الحزب الاسلامي المبني على جلب شركاء ضعفاء تتحكم بهم، مؤكدا أن النهضة تعرف أن حركة الشعب لا يمكن ان تكون ذلك الحليف الذي يبحثون عنه.
تصريح المكي هذا، يشترك مع تصريح قديم لنبيل القروي (أكتوبر 2019) في شيئين، الأول أن النهضة تريد شريكا ضعيفا تتحكم به، والثاني أن الحركة تتعامل مع المشهد السياسي بعقلية 2011 و 2014. القروي انذاك نفى قطعيا نية التحالف مع الاسلام السياسي معتبرا أنّ أي حزب تحالف مع النهضة منذ 2011 انتهى سياسيا مثل المؤتمر، التكتل ونداء تونس وأنه لا يريد لحزبه قلب تونس أن يكون له نفس المصير حيث ستستغله النهضة ثم تُخلق داخله صراعات تنتهي بازاحته من المشهد. اذا كان نبيل القروي يدرك نوايا النهضة، فلم بدا خلال حواره على قناة حنبعل مستعدا للتعالف مع "الرجل الوطني" على حد تعبيره في احالة للغنوشي يبدو أن لقلب تونس حساباته أيضا فبعد خسارة نوعية في كتلته البرلمانية بعد الاستقالات الأخيرة، سيبحث عن سبيل جديد للبروز، ربما من بوابة القصبة.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires