إعادة تشكل المشهد السياسي في تونس .. أحزاب جديدة بوجوه قديمة
أقل ما يمكن ان يقال بشان المشهد السياسي في تونس هو انه في حالة غليان قصوى .. تشكله وتحوله التحالفات والائتلافات والوافدون الجدد والخلافات القديمة التي تبرز فجأة هنا وهناك .. وحركة "تحيا تونس" هذا المولود السياسي الجديد هزت، بمجرد الإعلان عنها، هذا المشهد الحزبي لتحيلنا الى معركة قادمة الا محالة، معركة يبدو انها ستكون حامية الوطيس.
اذا سارت الأمور على ما يرام فانه لم تعد تفصلنا سوى بضع شهور عن الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة (أواخر 2019) .. الصيغة الافتراضية هنا ليست اعتباطية باعتبار ان بعض الأصوات بدأت تتحدث عن امكانية تأجيل هذه المحطة الانتخابية، كما انه لم يتم بعد انتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في اطار التجديد الثلثي لعضوية الهيئة، فضلا عن ان المسار برمته لم تتضح معالمه بعد .. لذا فإننا قد نشهد إجراء ثاني انتخابات تشريعية ورئاسية حرة في تاريخ البلاد اذا غابت المفاجآت السيئة. لكن قبل حلول ذلك الموعد لا شك ان هذه السنة ستكون ساخنة سياسيا وهي سنة انتخابية قد تشهد كل ما يمكن ان يتصوره المرء من تقلبات ومكائد وأشكال الضرب أسفل الحزام .. وفي انتظار ذلك الكل يستعد للمعارك السياسية التي تلوح في الأفق.
يوم الاحد 27 جانفي 2019 تشكلت الساحة السياسية من جديد، بعد الإعلان عن اطلاق الحركة السياسية الجديدة لرئيس الحكومة، يوسف الشاهد، تحت مسمى "تحيا تونس" .. ولعل موجة الانتقادات التي رافقت الإعلان عن هذا المولود الحزبي الجديد، تعكس نوعا ما خشية الأحزاب السياسية الأخرى التي تدرك جيدا ان هذا الحزب سيفتك منها بعض الأصوات الانتخابية الثمينة خاصة وان "تحيا تونس" تصنف في خانة الأحزاب "الديمقراطية، الحداثية، الوسطية" وهي كثيرة بما يعني المزيد من التشتت والتشرذم في صفوف هذه العائلة السياسية.
فحركة "تحيا تونس"، هذا الاسم الذي ازعج الكثيرين لاعتبارات لا تخفى على أحد، يهدف الى ان يكون حزبا يجمع ولا يفرق .. حزب منفتح على كل المقترحات والتحالفات مادامت ستضمن له الحصول على 109 مقاعد في البرلمان ولم لا الفوز بالمنصب الرئاسي.. يقول قادة هذا الحزب الجديد وهم مزيج وخليط من الشخصيات القادمة من مشارب مختلفة، انهم لا يريدون إعادة الأخطاء والهفوات السابقة وتجارب الماضي الفاشلة .. هؤلاء كانوا ينتمون الى أحزاب آفاق تونس والمشروع والجمهوري والبعض من أفراد العائلة الدستورية ليكونوا جميعهم جبهة حول يوسف الشاهد، قائدهم ومرشحهم المحتمل للسباق نحو منصب رئاسة الجمهورية بقصر قرطاج.. الشاهد الذي كان دخل في مرحلة أولى في مواجهة مباشرة مع حافظ قايد السبسي قبل ان تتحول الى مواجهة مع مؤسسة الرئاسة في شخص الباجي قايد السبسي، كشف أخيرا عن أوراقه وطموحاته السياسية.. لكن هل ينجح حزبه الجديد بوجوه قديمة في اقناع التونسيين الذين سئموا الخدع السياسية.
اشهر قليلة تفصلنا عن الانتخابات المقبلة جعلت مختلف التشكيلات الحزبية والسياسية تكثف من نسق اجتماعاتها وجلساتها وظهورها الإعلامي .. أشكال الاستعداد تتجلى لدى كل حزب في بلورة استراتيجيته الخاصة ومحاولة الدخول في تحالفات، مع تجاهل خلافات الماضي ولو الى حين .. فالكل يسعى الى التقرب من الشعب والى اسماعه ما يحلو له من خطب وشعارات ووعود مفادها انهم لن يخذلوه وسيكونون عند ثقته فيهم .. ولبلوغ أهدافهم فإن كل الأسلحة تصبح متاحة ومشروعة .. انطلاقا من الخطابات والشعارات الرنانة لإقناع المترددين وصولا الى شن الهجومات على المنافسين لتشويههم الى اقصى قدر ممكن.
وفي هذا الصدد يحاول المنصف المرزوقي العودة الى الساحة السياسية بأساليبه الخاصة .. فهاهو يصبو طلقاته على من يعتبرهم "أعداء الشعب"، سعيا منه الى الرجوع من جديد الى قصر قرطاج .. حتى انه لا يتورع لتحقيق هدفه عن مغازلة حركة النهضة بالتأكيد على ان مسالة الجهاز السري التابع للنهضة امر ملفق ولا أساس له من الصحة.
بدوره كثف آفاق تونس من لقاءاته وهو الذي عبر عن استنكاره للممارسات الكارثية الصادرة عن جماعة الحزب الجديد "تحيا تونس" كيف لا وقد استقطبت هذه الحركة السياسية الفتية البعض من قيادات سابقة في آفاق تونس ومن بينهم وزراء .. آفاق اتهم حزب الشاهد بإدخال البلبلة في صفوف الأحزاب الأخرى معتبرا ان تونس في حاجة اليوم الى أحزاب مهيكلة عقدت مؤتمراتها وليس كيانات هامشية تحوم حول اشخاص فشلوا في الحكم.
ردة فعل "نداء تونس" جاءت عبر صفحات على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك كلها تمجد النداء "الحزب التاريخي" و"منقذ البلاد في 2014". لكن نداء تونس قد تخلى عن مركزه الثاني من حيث عدد المقاعد في البرلمان لفائدة كتلة الائتلاف الوطني، النواة الصلبة للمشروع السياسي الجديد. حتى امينه العام سليم الرياحي غادر ارض الوطن وقد لا يعود في المنظور القريب وهي وضعية محرجة باعتبار ان النداء بصدد التحضير لمؤتمره الانتخابي .. وفي هذا الضخم يعلن من بقي في الحزب حول حافظ قائد السبسي ان المرشح الأوحد للرئاسية في نظرهم هو الباجي قايد السبسي الذي لا احد يعلم اليوم ان كان يعتزم فعلا الترشح ليخلف نفسه في منصب الرئيس.
رئيس الدولة لم يستبعد هذه الامكانية في الحوار الصحفي الذي خص به صحيفة العرب التي نشرته على اعتمدتها في عددها الصادر بتاريخ 29 جانفي معتبرا ان مصلحة تونس ستكون هي المحدد الوحيد لاتخاذ قراره النهائي خاصة وان القانون يسمح له بمدة ثانية.. قايد السبسي صوب سهامه بالمناسبة نحو رئيس الحكومة ملاحظا ان الشاهد يرغب في البقاء في الحكم لذلك دفعته حركة النهضة الى تشكيل حزب سيكون حليفا وشريكا لها في الحكم بعد انتخابات 2019 كما ان راشد الغنوشي سيدعم يوسف الشاهد للترشح للرئاسية، حسب ما ادلى به رئيس الجمهورية في هذا الحديث الصحفي.
الأكيد ان الساحة السياسية في تونس ما انفكت تتشكل وتتغير ملامحها وستواصل ذلك الى غاية موعد الانتخابات موفى 2019 .. هذه الفوضى الحزبية أنتجت مشهدا سياسيا ومفككا ومتشرذما. فالبلد يعد اليوم 216 حزبا معظمها تشكل على اثر انشقاقات داخلية وحركة "تحيا تونس" افضل مثال على ذلك .. وفي خضم هذه الفوضى يجد الناخب التونسي نفسه في وضعه عليه ان يختار فيها من سيحكمه للسنوات الخمس القادمة.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires