اتحاد الشغل يخلق بؤرة وباء بإصراره على مؤتمره الإستثنائي
سجّلت تونس بتاريخ يوم الإثنين 5 جويلية 2021، رقم قياسي في عدد الإصابات اليومية بفيروس كورونا منذ بداية انتشار الجائحة في فيفري 2020. 7930 حالة إصابة جديدة، أيّ قرابة ثمانية آلاف إصابة، تُقابلها بذات اليوم 119 حالة وفاة، أرقام مفزعة توحي بمدى خطورة هذه المرحلة الوبائية التي تتطلّب الإحترام الجدّي للإجراءات الصحية التي أقرّتها الحكومة ورئاسة الجمهورية مهما كانت نجاعتها وبساطتها.
وفقا لآخر الإحصائيات الخاصة بنسبة الضغط على أسرة الاكسجين وأسرة الإنعاش في المستشفيات العمومية إلى حدود يوم 4 جويلية الجاري، وبحسب هذه الإحصائيات بلغ المعدل العام لنسبة الضغط على أسرة الاكسجين في المؤسسات الاستشفائية العمومية 79.60 بالمائة ، فيما بلغ المعدل العام لنسبة الضغط على أسرة الإنعاش 91.8 بالمائة. بالنسبة لأسرة الانعاش يتركز الضغط بنسبة 100 بالمائة في كل من ولاية بن عروس ، أريانة ، منوبة ، نابل زغوان ، باجة ، الكاف القصرين، سوسة ، القيروان و سيدي بوزيد . فيما بلغت نسبة الضغط في ولاية المنستير 95 بالمائة في ولاية المنستير و 94 بالمائة في ولاية تونس و بنزرت و في ولاية صفاقس أيضا و بلغت نسبة الامتلاء في ولاية سليانة 88 بالمائة ، تورز 80 بالمائة. أما في ولاية جندوبة وولاية تطاوين فقد بلغت 75 بالمائة . و في خصوص الضغط الحاصل على اسرة الإنعاش والذي يبلغ معدله 91.8 بالمائة ، فهو كالتالي : 100 بالمائة في ولاية بن عروس منوبة و زغوان ، 97 بالمائة في ولاية المنستير ، 96 بالمائة في ولاية اريانة و ولاية باجة ، 93 بالمائة تونس و ولاية سوسة ، 89 بالمائة في ولاية القيروان ، 86 بالمائة في ولاية سيدي بوزيد ، 76 بالمائة في كل من ولاية صفاقس و سيدي بوزيد و ولاية جندوبة 70 بالمائة و ولاية بنزرت 68 بالمائة.
أمام هذه الأرقام الخطيرة الذات المؤشر المرتفع جدا، تحتل تونس المرتبة الخامسة عالميا في عدد الوفيات والإصابات لكل مليون ساكن، وتحتل المرتبة الأولى إفريقيا. الوضع الوبائي في ولاية تونس خطير حيث يتم تسجيل 400 إصابة جديدة من جملة 1200 تحليل و12 وفاة جراء فيروس كورونا بصفة يومية. جرّاء هذه الكارثة الوبائية أكثر من 13 ولاية في تونس أعلنت الدخول في الحجر الصحي الشامل للحدّ من حالات العدوى، أمام التجاوزات التي يُمارسها الشعب اللامبالي. ولاة تونس الكبرى (أريانة، بن عروس، منوبة، تونس) قرّروا على خلفية اجتماع لهم للنظر في الوضع الصحي بالبلاد، ليلة البارحة، العديد من الإجراءات التي لا تُعدّ في مجملها صارمة ولكن من بين تلك الإجراءات إقرار منع تنقل العربات بجميع أصنافها بولايات تونس الكبرى بداية من يوم السبت 10 جويلية الجاري، على الساعة الخامسة صباحا وإلى غاية يوم الإثنين 12 جويلية على الساعة الخامسة صباحا.
رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد ارتفاع حالة الطوارئ الصحية، ولتجاوز النقائص الفادحة في سياسته الدبلوماسية لجلب التلاقيح وفي التفاعل مع الوضع الوبائي الكارثي في تونس، عقد السبت الفارط وليلة الإثنين الفارط اجتماعين عاجلين وكان الأوّل مع قيادات عسكرية والثاني مع رئيس الحكومة هشام المشيشي والعديد من الوزراء وكان قد أقرّ أنّ الإجراءات التي تمّ اتخاذها في المدّة الأخيرة غير ناجعة بالقدر المطلوب وفاشلة مؤكّدا أنّ الأمر يتعلق بمسؤولية الجميع ويتعلق برئاسة الدولة وبالحكومة ويتعلق بكلّ الأطراف المتدخلة الأخرى. وقرّر مجموعة من الإجراءات التي كان من المفترض أن يتمّ اتخاذها قبل الدخول في ذروة الجائحة، على غرار تكثيف العمل الدبلوماسي للتسريع في عملية جلب التلاقيح ضد كورونا وتقسيم البلاد إلى أقاليم بحيث يضم كل إقليم ولايتين أو أكثر على حسب حدوث حالات العدوى لكل 100 ألف ساكن خلال 14 يوما الفارطة، وإحداث فرق عمل متكوّنة من القوات المسلحة العسكرية والأمنية والإطارات الصحية تكون تحت قيادة موحدة بإشراف المدير العام للصحة العسكرية للتكثيف من عمليات التلقيح حسب توصيات اللجنة العلمية للتلاقيح. كما أنّ رئيس الحكومة هشام المشيشي على خلفية اجتماعه بقيس سعيد، عقد يوم أمس الثلاثاء، مجلس وزاري مضيّق قام من خلاله باتخاذ مجموعة من القرارات الاضافية العاجلة لمواجهة جائحة كورونا على غرار الترخيص في 840 عقد خدمات إضافي للمستشفيات الميدانية والتوقيع على صفقة اقتناء ألف مكثف اوكسيجين concentrateur d'oxygène.
أمام هذه المؤشرات الوبائية الخطيرة، غامرت المنظمة الشغيلة العريقة التي تتبنى الدفاع عن حقوق الشعب والعاملين، الإتحاد العام التونسي للشغل بأرواح أكثر من 400 شخص وذلك بعد أن قرّر دون تراجع عقد مؤتمره الاستثنائي غير الانتخابي بولاية سوسة يومي 8 و 9 جويلية على الرّغم من كلّ الأصوات والدعوات التي نادت برفض إجراء هذا المؤتمر نظرا إلى الظرف الصحي الخطير خاصّة أنّ ولاية سوسة تشهد حجر صحي شامل. ومن بين من عارضوا انعقاد المؤتمر النائب ياسين العياري الذي رفع قضية في الغرض وراسل الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي ، وأكد أنّ القضية التي قدّمها لإيقاف أشغال المؤتمر تندرج في إطار دفاعه عن النظام العام ولكن تمّ إعلامه اليوم بأنّه خسر هذه القضية الأمر الذي استنكره العياري ودوّن قائلا '' القضاة اختاروا الاتحاد والسياسة على حساب الصحة العامة و القانون''. كما أنّ المكتب الجهوي للجامعة العامة للبلديات التونسية بسوسة في بيان له يوم أمس الثلاثاء عبّر عن رفضه القاطع لإنعقاد المؤتمر ودعا المكتب هياكل الإتحاد العام التونسي للشغل إلى تأجيل هذا المؤتمر والالتزام بالقرارات الصادرة عن السلطات الجهوية والمحلية ومراعاة الظرف الإستثنائي الخطير وإعطاء المثال للتونسيّيات والتونسيين في الالتزام الجدي والحقيقي في مجابهة هذه الجائحة وتغليب المصلحة العامة خاصة.
قبل يومين من توجّه المؤتمرين لولاية سوسة، صرّح الأمين العام المساعد باتّحاد الشغل سماي الطاهري أنّ الإتحاد سيعتمد بروتوكولا صحيا مشددا خلال أشغال المؤتمر، وسيكون على المؤتمرين، وفق هذا البروتوكول، الاستظهار بتحليل سلبي قبل الحضور إلى المؤتمر فضلا عن اخضاعهم الى تحاليل سريعة قبل دخول النزل وعند الخروج منه في نهاية الأشغال. هذا بالإضافة إلى منع خروج المؤتمرين من النزل، لمدة يوميْن، حيث سيلتزم جميع الحضور بإرتداء الكمامة والتباعد الجسدي خاصة وأنّ القاعة المخصصة للمؤتمر تتجاوز طاقة استيعابها 2500 شخص في حين أن عدد نواب المؤتمر لا يزيد عن 580 شخصا. كما تمّ تكوين لجنة طبية تضمّ عددا من الأطباء والممرضين ستتابع عن قرب مدى الالتزام بالإجراءات الصحية بما يضمن شروط النجاح والصحة والسلامة لكل النواب والحاضرين بمن فيهم الصحافيين. وشدد الطاهري على أن الاتحاد قد تحصل على موافقة السلطات الصحية لعقد المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي مشيرا إلى أن قرابة نصف نواب المؤتمر قد تلقوا التلقيح في إطار الأولويات التي وضعتها لجنة قيادة الحملة الوطنية للتلقيح.
في حين أنّ ''الكارثة حصُلت'' وذلك من خلال تسجيل 6 إصابات بفيروس كورونا في صفوف المشاركين في هذا المؤتمر. وكان المؤتمرين قد توجّهوا اليوم إلى النزل المخصّصة لهم بولاية سوسة وتمّ القيام بالتحاليل السريعة لعدد منهم حيث تمّ ثبوت إصابة شخصين وفق ما صرّح به سامي الطاهري اليوم والذي أوضح أنه تمّ التفطن للحالتين لدى وافدين اثنين حاملين للفيروس من مكان قدومهما وأشار أنّه تمّ التنسيق مع الجهات الصحية لنقلهما إلى مركز العزل ومن المرجح أن يكون في ولاية المنستير وفق قوله.
المدير الجهوي للصحة بسوسة بعد معاينة ميدانية للنزل المزمع فيها إيواء المشاركين في مؤتمر اتحاد الشغل، أفاد في مراسلة توجّه بها إلى والية سوسة أنّ اللجنة المشتركة بين الصحة والأمن السياحي والحماية المدنية عاينت تسجيل 6 إصابات بفيروس كورونا واحدة في صفوف الإطار الأمني وحالة أخرى في صفوف المؤتمرين و 4 إصابات في صفوف أعوان التنظيم وهو ما يشكّل وفقا لنصّ المراسلة بداية لبؤرة تفشي فيروس كورونا. وكشف أنّ المعاينة أثبتت عدم وجود ضمان للتجمهر داخل قاعة المؤتمرات والمطعم بالإضافة إلى عدم الإستظهار بالبروتوكول الخاصّ بنقل الحالات الإيجابية والمشتبهة لعزلهم ونقلهم إلى مقرات العزل الصحي الإجباري. وذكّر بالحجر الصحي الشامل بولاية سوسة ظهور الطفرة الهندية بالمنطقة مؤكّدا أنّ النتيجة السلبية للتحليل السريع لا تُعدّ ضمانا كافيا للسلامة من الإصابة بكورونا. وطالب بعد كلّ هذه النقاط، والية سوسة إلى تأجيل مؤتمر اتحاد الشغل لحين تحسّن الوضع الوبائي بالمنطقة.
النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية سوسة 2، تفاعلت بسرعة أمام تسجيل هذه الإصابات التي من شانها أن تُساهم في حدوث كارثة وبائية بسوسة، وأذنت عشية اليوم بمنع أعمال المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي للاتحاد العام التونسي للشغل، وفق ما أفاد به الناطق الرسمي باسم المحكمة هيثم بوبكر. وأوضح أن النيابة العمومية أذنت بهذا القرار بعد أن ثبت لديها إصابة 6 أشخاص على الأقل بفيروس كورونا من ضمن عينة بـ 100 مشارك في المؤتمر الوافدين على النزل اليوم.
وكشف الناطق الرسمي باسم المحكمة هيثم بوبكر أنّ النيابة العمومية أذنت من تلقاء نفسها منذ يومين بفتح محضر مباشرة وذلك على ضوء ما تم تداوله في وسائل الإعلام بخصوص توافد أعداد هامة من المشاركين في المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي وما يشكله ذلك من خطر على سلامة المتساكنين في ظل انتشار جائحة كورونا بولاية سوسة التي تشهد حجرا صحيا شاملا من 4 الى 11 جويلية الجاري. وأردف أن النيابة العمومية أذنت في هذا الإطار للشرطة العدلية بحمام سوسة بمتابعة البحث الأمني حيث استمعت اليوم الى ممثل النزل الذي سيحتضن اشغال المؤتمر والذي أدلى بتراخيص قديمة سلّمها له ممثلو الاتحاد العام التونسي للشغل. وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية سوسة 2 أن النيابة العمومية بذات المحكمة أذنت لمختلف الفرق الأمنية بمنع تواصل توافد المشاركين في المؤتمر من الدخول الى ولاية سوسة وتطبيق إجراءات البروتوكول الصحي بطريقة حازمة.
بعد أن أصبح مؤتمر اتحاد الشغل بؤرة وباء لفيروس كورونا، عبّر الرأي العام التونسي عن غضبه من اللاّمسؤولية التي تحلى بها الأمين العام لإتحاد الشغل وهو الذي من المُفترض أن يكون من بين الساهرين على حماية حياة التونسيين ووقايتهم من انتشار وباء كورونا ولكنّه على الرّغم من الظرف الصحي الصعب، تعمّد عقد هذا المؤتمر الإستثنائي الذي سجّل إلى حدّ الآن إصابات متفاوتة في صفوف المشاركين فيه.
تهوّر اتحاد الشغل بإجراء مؤتمر استثنائي في ظرف وبائي صعب وخطير جدا في ولاية سوسة التي تشهد حجرا صحيا شاملا، خلق موجة غضب من قبل الرأي العام التونسي خاصّة بعد أن تمّ تسجيل إصابات بفيروس كورونا في صفوف المؤتمرين واعتبر البعض أنّ نورالدين الطبوبي مثله مثل بقية السياسيّين الذين لا تهمّهم سوى مصالحهم وقال البعض الآخر أنّ اتحاد الشغل بعد هذا التهوّر بات ''انتحار الشغل ''.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires