استشارة شعبية : قيس سعيد على خطى مارك زوكربيرغ
تنطلق '' استشارة الفاتح من جانفي''، بداية من 1 جانفي 2022 وإلى غاية 20 مارس من نفس السنة. كلّ التونسيين مدعوّون لشحن هواتفهم، أو حواسيبهم بالأنترنت للدخول إلى المنصة الإلكترونية التي تمّ إعدادها تحت إشراف رئاسة الجمهورية للمشاركة في الإستشارة الشعبية التي أعلن عنها قيس سعيد منذ أشهر.
بماذا تتعلق هذه الإستشارة ؟ بمجرّد دخول كلّ مواطن للمنصة الإلكترونية بهوية مخفية، يمكنه إبداء رأيه وتدوين مقترحاته حول ستّة مجالات وهي كالآتي: الشأن السياسي والإنتخابي، الشأن الإقتصادي والمالي، الشأن الإجتماعي، التنمية المُستدامة ، صحة وجودة الحياة، الشأن التعليمي والثقافي، بالإضافة إلى الأجابة عن 30 سؤال ، حتى يكون لدى الرئيس قيس سعيد فكرة دقيقة عما يريده التونسيون.
"هذا الحوار سيكون نوعاً جديداً من الاستفتاء، ولن يكون استفتاءً بالمعنى التقليدي، إذ سيتم الاستماع إلى مقترحات الشعب ثم يتم تجميع وتوليف المقترحات الصادرة من الشعب عبر نوع من الاستمارة، وسيصدر كل ذلك في أمر رئاسي''. وفق ما صرّح به الرئيس قال قيس سعيد عندما استقبل وزير التكنولوجيا نزار بن ناجي في 22 أكتوبر الفارط ليُكلّفه بإعداد المنصة الإلكترونية.
بعد تجميع كلّ المقترحات والإجابات على الأسئلة المتعلقة بتلك المجالات ، ستتولى لجنة التأليف بين مختلف المقترحات والإجابات على أن تنهي أعمالها قبل موفى شهر جوان 2022 ويتم عرض مشاريع الإصلاحات الدستورية وغيرها على الإستفتاء يوم 25 من جويلية 2022 إلى جانب عدد من الإصلاحات الأخرى التي تتعلق بتنظيم الانتخابات وبكيفية الإشراف عليها ويتمّ تنظيم انتخابات تشريعية وفق القانون الإنتخابي الجديد يوم 17 من ديسمبر 2022.
ورداً منه على الذين انتقدوا هذا الإستفتاء الإلكتروني 2.0 ، ووصفهم ''بالذين يدّعون المعرفة''، أوضح الرئيس قيس سعيد في اجتماع له أمس الأربعاء بقصر قرطاج حضرته رئيس الحكومة نجلاء بودن ، أنّ هذا النوع من الإستفتاء موجود ويُمكن أن يوجد عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي واستشهد الرئيس في هذا السياق ببعض الدول على غرار بحالة بلجيكا وبعض الدول الاسكندنافية وصرّح قائلا '' عِلما وأنّ بعض الدول مثل بلجيكا وبعض الدول الأسكندنافية تعمتد الإقتراع عن طريق الإنترنت''.
وشدّد قيس سعيد أنّه وبعد انتهاء الإستفتاء ، وتنقيح القانون الإنتخابي ، سيتمّ '' إجراء انتخابات تشريعية بناء على ما يريده الشعب ومن إرادة الشعب ، لا من إرادة من أراد أن يحرف بها ''.
منذ توليه هذه المهمة، عمل وزير تكنولوجيات الإتصال نزار بن ناجي بجدّ لتكون المنصّة الإلكترونية جاهزة ليوم 1 جانفي 2022 ، وهو الموعد النهائي الذي حدده رئيس الجمهورية. تمّ تسخير كلّ وسائل وموارد الدولة الضرورية على ذمّة عشرات المهندسين الذين تم تسخيرهم للعمل ليلاً ونهارًا لتلبية مطالب قيس سعيد ولتأمين المنصة ضدّ أي اختراق أو اقتحام ضارّ.
نزار بن ناجي خلال اجتماع أمس الأربعاء، قدّم أمام الجميع لمحة عن طريقة عمل المنصّة وكيفية التسجيل وبيّن أنّ كلّ مجال من الستّة مجالات يتضمّن خمسة أسئلة أيّ في المجمل 30 سؤالا مع مساحات للتعبير الحرّ. وكشف أنّ المشاركة ستكون بطريقة مخفية لحثّ المواطنين على المشاركة.
وأوضح أنّ طريقة المشاركة تتمثل في إدخال هذا الرمز *1712* ثمّ رقم بطاقة التعريف # وستصل المواطن إرسالية قصيرة تتضمّن رقم المشاركة السرّي ومن خلاله يمكنه الدخول عبر المنصة والمشاركة في الإستفتاء. ووفقا لوزير التكنولوجيا بن ناجي فإنّه '' لضمان خصوصية المشاركة يتمّ في ظرف ثلاثة أشهر فسخ الأرقام السرية من قاعدة البيانات ويتمّ الإحتفاظ فقط بالآراء".
هل يمكننا تصديق هذه الكلمات الجميلة؟ مع العلم أنه بالإضافة إلى بطاقة التعريف الوطنية التي يتمّ إرسالها لتلقي الإرسالية، فإنّ المنصة الإلكترونية تطلب من المواطن تعمير خانة تتضمن بريده الإلكتروني. وهذا ما يفتح مجال للشكّ، وبالتالي الإجابات لن تكون ولا يمكن أن تكون مجهولة ولا يمكننا تصديق الوزير على الرغم من صدقه.
لماذا لا يُمكننا تصديقه ؟ لأن الذي أعطاه الأوامر ، هو رئيس الجمهورية الذي لا كلمة له أيّ أنّه يعِد ولا يفِي ! أليس هو الذي أقسم على القرآن أن يحترم الدستور حرفيا قبل أن يحنث بنفسه؟ ألم يكن هو الذي وعد بالكشف عن الأسماء ووقف هؤلاء المحتالين الذين سرقوا المليارات من الشعب التونسي ولم يذكر الأسماء بعد؟ ألم يكن هو الذي تحدث عن مخطط لإغتياله من قبل خونة ودول أجنبية دون الكشف عن هوية خائن واحد ، ولا الكشف عن اسم دولة واحدة؟ باختصار ، الرئيس لم يعد يتمتع بأي مصداقية ولا يجب أن نصدقه عندما يقول وزيره إن الاستشارة الشعبية ستكون مجهولة المصدر ومخفية.
إلى أيّ مدى تتمثل خطورة عدم اعتماد البيانات المخفية ؟
اليوم تدور أكبر المعارك في جميع دول العالم حول البيانات ، أي البيانات الشخصية للأشخاص. الشركات العالمية العملاقة Google و Amazon و Facebook و Apple و Microsoft (Gafam) ، تسعى إلى معرفة ما يستهلكه المُستخدم وما يبحث عنه دائما وما يُحبه.
بصفة عامة ، باعتماد البيانات التي تمّ إدخالها على المنصة الإلكترونية الخاصة بالإستشارة الشعبية، يمكن للرئيس قيس سعيد الحصول على توجّهات التونسيين مع تصنيف حسب الجهة وحسب الجندر والفئة العمرية. عندئذٍ سيكون قادرًا على توجيه وتعديل برنامجه الانتخابي وفقًا لهذه البيانات ، وكلّ هذا تمكّن منه بإستغلاله لوسائل الدولة.
ألا يذكرنا هذا بفضيحة كامبريدج Facebook-Cambridge Analytica التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية سن 2018؟ إذ تم سرقة البيانات الشخصية لـ 87 مليون مستخدم على الفيسبوك للتأثير على التصويت لصالح السياسيين.
بهذه المنصة الشعبية ، يستعد قيس سعيد بمساعدة وزيره نزار بن ناجي ، لإختراق البيانات الشخصية لعدة ملايين من التونسيين ، سواء كانت هذه البيانات مجهولة أم لا. في غضون شهرين وعشرين يومًا ، ينوي القيام بعمل أفضل من جميع شركات استطلاعات الرأي على هذا الكوكب وحتى أفضل من فيسبوك.
على الرغم من أن وزير التكنولوجيا نزار بن ناجي يقول الحقيقة وأنّ البيانات التي سيتمّ تجميعها ستكون مجهولة الهوية ، فإن ما هو على وشك القيام به خطير للغاية ويخضع للقانون في بلد عادي. إذا أضفنا الخطر (الحقيقي) المتمثل في أن البيانات ليست مجهولة الهوية ، فستكون هذا أخطر. وبالتالي يُمكن للرئيس قيس سعيد أن يعرف بالتحديد ما هي التوجهات السياسية أو الدينية أو غيرها من التوجهات لأي فرد. كل ما عليه فعله هو أن يطلب من نزار بن ناجي أن يمدّه بمعطيات أيّ شخصٍ والوزير بالطبع لن يرفض له طلب. لقيس سعيد سابقة في مسائل سرقة البيانات الشخصية ، إذ أمر بمصادرة جميع الوثائق من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. حتى يومنا هذا ، ما زلنا لا نعرف ما فعله بمئات الآلاف من القضايا المرفوعة في هذه الهيئة. ومع ذلك ، يجب أن نذكر أن عدم الكشف عن الهوية مضمون بالكامل بموجب القانون في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وعلى الرغم من خطورة هذه الاستشارة الشعبية ، فإن الطبقة السياسية صامتة بشكل غريب. في حين أنّ رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي هي الوحيدة التي ندّدت بارتكاب هذا التجاوز ، وكانت بتاريخ 23 نوفمبر الفارط ، قد أرسلت عدل منفذ إلى الوزير نزار بن ناجي لتحذيره من خطورة الأفعال التي يوشك على ارتكابها والتي تشكل انتهاكًا صارخًا للفصل 96 من المجلة الجزائية.
لعدم مصداقية السلطة القائمة وانعدام الثقة ومناخ الثقة والغياب التام لأي مناخ ديمقراطي وشفافية في إدارة الأموال العامة (يكفي أن نرى كيف تم وضع قانون المالية) ، إن إنشاء هذه المنصة أمر خطير بكل بساطة وينتهك القانون وحقوق التونسيين.
تعليقك
Commentaires