إستراتيجيّة روني الطرابلسي المثمرة في السياحة التونسية
ذهل كلّ المواطنين بعدم تأثّر السيّاح وتواصل توافدهم على تونس وملئهم لكلّ النزل بعد العمليّة الإرهابيّة الأخيرة الّتي جدّت بقلب العاصمة تونس، يوم الخميس 27 جوان 2019، إذ توقّع البعض أنّ هذه العمليّة الفاشلة ستُدخل الخوف في قلوب السيّاح الأجانب وتعود بهم إلى بلدانهم، لكن هيهات بين ما توقّعوا وبين حقيقة تمسّك السيّاح بالبقاء في الأراضي التّونسيّة لقضاء العطلة الصيفيّة. أكثر من ذلك فإنّ السيّاح يوم الحادثة توافدوا صحبة وزير السياحة روني الطرابلسي إلى مركز نبض البلاد، شارع الحبيب بورقيبة، وعبّروا عن مساندتهم للشعب التّونسي وأثبتوا إنّ يد الإرهاب فاشلة ولن ترهب التونسيين ولا الأجنبيين.
في مبادرة شجاعة يوم الخميس 27 جوان 2019، الخميس الأسود، كما لقّبه معظم النّاس على خلفيّة العمليتين الإرهابيتين، نزل وزير السياحة روني الطرابلسي، إلى وسط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس وبعث برسالة طمأنة إلى كلّ السيّاح المتواجدين بالبلاد. وحرصا منه على ضمان توافد السيّاح الفرنسيين إلى تونس وغيرهم من الأجانب، توجّه الطرابلسي صبيحة يوم الجمعة 28 جوان 2019، إلى فرنسا إذ أجرى لقاء صحفي في القناة الفرنسية CNEWS.
وأكّد الطرابلسي في حواره، إنّ الإرهاب الفاشل لن يرهب السّياح من زيارة تونس التي أصبحت وجهة سياحية عالمية، وإنّ السيّاح في تونس لم يصبهم أيّ أذى. كما أعلن عن إمتلاء كلّ النزل بالسيّاح الأجانب في كلّ ولايات تونس، وإنّ نسبة 28 بالمائة من عمليات الحجز بالنزل التونسيّة هي من السياح الفرنسيين. كما استشهد الطرابلسي في حواره مدافعا على تونس، بالعمليات الإرهابيّة التي طالت أيضا فرنسا، وقال إنّ تونس مثل باقي الدّول الأوروبيّة بما فيها فرنسا تعرّضت لعمليات إرهابية ولكن هذا لم يكن حاجزا على إستمرار القطاع السياحي وازدهاره.
منذ تولّيه منصب وزير السياحة في تونس سنة 2018، أثار روني الطرابلسي نقلة نوعيّة في القطاع السياحي، نظرا لمسيرته الحافلة في هذا المجال. رسم الطرابلسي إستراتيجية واضحة لإستقطاب السيّاح وتحسين مداخيل القطاع في تونس، باعتبار أنّ عائدات القطاع السياحي في تونس من أهمّ الموارد الداعمة لإقتصاد البلاد، حيث تتجاوز مساهمتها ثمانية في المئة من الناتج المحلي، كما سجّلت العائدات السياحية في تونس هذه السنة 2019، ارتفاعًا بنسبة 42 فاصل 5 بالمائة، وبلغت العائدات خلال الستّة الأشهر الأولى من العام الجاري، 1982 مليون دينار أيّ ما يناهز 649 فاصل 74 مليون دولار، مقارنة بالسنة الفارطة 2018. بلغت العائدات السياحيّة 1391 مليون دينار أيّ 456 مليون دولار، كما تطوّرت نسبة السياح المغاربة الوافدين على تونس بـ 18 فاصل 3 بالمائة وسجّلت تونس زيادة بنسبة 22 بالمائة في عدد السياح الأوروبيين، وتضاعف عدد السياح البريطانيين مرتين مقارنة بالعدد المسجل العام الفارط أي بزيادة بنسبة 119 بالمائة مع ارتفاع عدد السياح الفرنسيين بنسبة 26 فاصل 2 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها سنة 2018، وفق ما أوردته وزارة السياحة التّونسيّة.
انتهج وزير السياحة إستراتيجيّة تنصّ على إعادة تهيئة النزل المغلقة وتحسين جودة خدماتها وفتحها. أيضا إقتناعا منه بأنّ الفنّ هو الجامع الوحيد بين كلّ الدول والمساهم في إدخال الفرح على قلوب السيّاح سوى على مستوى محلّي أو دولي، قام الطرابلسي بلفت النظر إلى المهرجانات الصيفيّة، خاصّة التي تقام في الأماكن الأثريّة مثل مهرجان قرطاج وفي الأماكن الساحلية في الحمامات وغيرها، وإلى ضرورة إدخال تحسينات على تلك الأماكن من ناحية البنية التحتية والجدران وتهيئة الفضاءات التي تقع بجانبهم والتي تمثّل قبلة للسيّاح.
أيضا تضمّنت إستراتيجيّة وزير السياحة روني الطرابلسي للنهوض بالقطاع السياحي، العمل على التنويع في المنتوج السياحي الذي تقدّمه تونس، كالاستثمار في اختصاصات متعددة كالسياحة البيئية والطبيعية التي تمثّل صورة ومرآة لإشعاع تونس. وأفاد في جلّ حواراته الإعلاميّة إنّ المحافظة على نظافة البيئة من دورها أن تحافظ على إستمرارية توافد السيّاح إلى تونس ودعا كلّ المواطنين التونسيين أن يتحلّوا بعقليّة النظافة وأن يساهموا في مساعدة أعوان النظافة لإعطاء صورة مميّزة عن البلاد، معتبرا إنّ التلوثّ البيئي يمثّل اليوم عدوا للسياحة في تونس. كما عمل الطرابلسي على دعم المستثمرين في مجال "منازل الإقامة" maisons d'hôtes، التي يحبّذها أغلب السيّاح.
وفي تصريحه يوم أمس الخميس 11 جويلية 2019، في برنامج ميدي شو، قال روني الطرابلسي إنّ عدد السيّاح بلغ في أواخر شهر جوان 2019، قرابة 3800 مليون سائح وإمكانية وصول هذه النسبة إلى حدود 9 مليون سائح في أواخر هذه السنة. وأفاد إنّه تمّ فتح قرابة 30 نزل بعد أن تمّ إغلاقهم في جربة والمنستير وتمّ إضفاء تغييرات عليهم وتحسينات على مستوى جودة الخدمات، وبيّن الطرابلسي إنّه على عكس ما تمّ تداوله بامتلاء كلّ النزل بالسيّاح الأجانب فقط، أكّد إنّ النزل بها سيّاح تونسيين أيضا وبأرقام متفاوتة، واعتبر أنّ المواطن التونسي سائح ذو أولويّة في بلاده، وفسّر إنّ نسبة التفاوت بين السياحة المحليّة والأجنبيّة موجود في كلّ الدول بطريقة موسميّة، وإنّ السوق الفرنسيّة تحتلّ المرتبة الأولى في قطاع السياحة في تونس وتليها في المرتبة الثّانية، السوق الرّوسيّة.
ما انفكّ وزير السياحة روني الطرابلسي عن البحث في سبل الارتقاء بالقطاع السياحي في تونس، ولم يتوان في زيارة أغلب ولايات الجمهوريّة التونسيّة والوقوف على معالمها الأثريّة السياحيّة واتّخاذ الإجراءات اللاّزمة في أغلب المناطق لدعم السياحة الداخليّة والأجنبيّة، أيضا لم يقبل الطرابلسي أن يمسّ أيّ أحد من مكانة السياحة في تونس سوى كان من جهات تونسيّة أو أجنبيّة، وهو مستميت دائما وأبدا في الدّفاع عن هذا القطاع الذّي يقوده ويمثّل داعم أساسي وحيوي في الإقتصاد التونسي.
في هذا الإطار قال السفير الأوروبي بتونس باتريس برغاميني في تصريحاته التي أدلى بها لمراسل صحيفة لوموند في تونس فيريديريك روبن، إنّ تونس تعرف صعوبات إقتصادية وسياسية، وإنّ بعض العائلات والمحتكرين في تونس يحاولون عرقلة المنوال الاقتصادي ومنع كل المحاولات الرامية لإرساء الشفافية والحوكمة في هذا المجال، وإنّ تونس تمرّ بمشاكل أمنيّة على شريطها الحدودي و هي في حاجة إلى الدعم الأمني خاصّة من الإتحاد الأوروبي، وهي على أبواب إنتخابات، قائلا أنّ الإتحاد الأوروبي يساهم بإعتمادات ضخمة في تونس تتجاوز 300 مليون يورو سنويا ،إضافة إلى عرض الأليكا الذي يتم التفاوض حوله في الوقت الراهن.
أثارت هذه التصريحات حفيظة وزير السياحة روني الطرابلسي، واعتبر إنّ تصريحات السفير الأوروبي مبالغا فيها، وعبّر عن إستغرابه منها. وكالمعتاد ذكّر الطرابلسي برغاميني إنّ فرنسا أيضا فيها عائلات كبيرة تمارس سياسة الإحتكار في بعض القطاعات الرّائدة، تتحكّم في بعض القطاعات ولا يقتصر الموضوع فقط على تونس. وأكّد الطرابلسي على الرّغم من صغر تونس إلاّ أنّها تزخر بكفاءات ورجال أعمال يعملون بجدّ ويشغّلون المئات من اليد العاملة وهم مساهمون في إدخال العملة الصعبة إلى تونس، وقال إنّ السفير الأوروبي لا حقّ له كأجنبي في إبداء رأيه في تونس وإقتصادها.
وزير السياحة روني الطرابلسي في نظر أغلب الشعب التّونسي هو وزير واع بمدى أهميّة المهمّة التي يمارسها، وإنّ مجهوداته في الإرتقاء بالسياحة في تونس حقّقت الرضاء لديهم، وهذا جلّي وواضح بالأرقام.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires