حرائق الشمال الغربي- سننهض من الرماد..
حريق بالكاف: تضرر 50 هكتارا من الحبوب
لا يمكننا القول أننا بلد فلاحيّ - لا يمكننا القول أننا بلد سياحيّ. لكننا نُحاول، أن ننهض بعد نكسةٍ كلّفتنا إستقرار الإقتصاد، ماإستطعنا. عرّت الحرائق المُستعرة الأخيرة هكتاراتٍ من أراضينا، مُلتهمةً خيراتِ موسم يُقال أنّه الأحـسن منذ 10 سنوات، في موجةٍ هي الاولى هذه السنة بعد فاجعة جندوبة السنة الفارطة.
على امتداد الأيام التي تلت عيد الفطر عرفت اراضي زراعية في كل من سليانة والكاف في الشمال الغربي حرائق طالت مساحات شاسعة من الأراضي قبل أن تمتد إلى غابات زيتون وأشجار مثمرة. بعد أيام، انتقلت موجة الحرائق الى زغوان، نابل، بنزرت، وأغشت موجة من الريبة على انتظارات التونسيين- الفلاحين خوفا على محاصيلهم في ظل ضعف الامكانيات المحلية والجهوية المرصودة للفلاحة. عضو منظمة الفلاحة محمد رجايبية، صرح أنه يوجد أياد خفية تريد العبث بقوت التونسيين، في اشارة الى أن هذه الحرائق مفتعلة من أجل تقليل المحاصيل والاضطرار للاستيراد من الخارج. وتابع، أن التأمين على الاراضي ليس عادة متداولة لدى الفلاحين، فقط 30 في المائة من الأراضي المزروعة تحت قيد التأمين. أما من الجانب الرسمي، وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحير سمير الطيب، أكد أنه سيتم التعويض للفلاحين المتضررين من موجة الحرائق التي التهمت العديد من هكتارات الأراضي الفلاحية مشددا أن مصالح المندوبيات الجهوية للفلاحة ستتنقل على عين المكان وستقوم بالمعاينات اللازمة للأضرار التي خلفتها الحرائق، وأن الموضوع سيحال فيما بعد على مجلس وزراء بعد تقييم الأضرار لتحديد نسب التعويضات.
عموما، القطاع الزراعي يساهم بنسبة 9 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي وبنسبة 10 في المائة في التصدير وبنسبة 18 في المائة في التشغيل ويوفر الدخل لـ 516 ألف فلاح و60 ألف بحار ويستقطب 8 في المائة من الاستثمارات على الصعيد الوطني. وهذه السنة، تعلق الدولة-والتونسيون امالا كبيرة على صابة القمح والشعير، اذ أفاد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار، أن صابة الحبوب لسنة 2019 ستكون في دائرة 11 و12 مليون قنطار أي ما يمثل حوالي نصف الإنتاج، متابعا أن الحرائق تمثل ضربا لجهود الفلاحين، ووجب التصدي لها والمحافظة على الثروة الوطنية من الحبوب لما لها من انعكاس على تحقيق الإكتفاء الغذائي الذاتي.
ورغم جهود الحماية المدنية والسيطرة على أغلب الحرائق، الا أن الأضرار خطيرة نسبيا وقد تدفع الفلاحين الى الحصاد مبكرا هذه السنة من أجل تجنب الأضرار المستقبلية وبالتالي ستنخفض جودة المحاصيل، وسينخفض سعرها في السوق. الخسائر في ولاية باجة تجاوزت 44 هكتار، كما طالت النيران مقبرة اليهود بالجهة. في ولاية سليانة أضرت الحرائق 200 هكتارمن مزارع الحبوب، كما تضررت أراض في كل من زغوان ونابل. الخسائر الأشد حدة كانت في ولاية الكاف التي تكبدت خسارة 50 هكتاربمعتمدية الدهماني و200 هكتار بمعتمدية السرس. الوحدات التابعة للديوان الوطني للحماية المدنية قامت بمجهودات جبارة في فترة قصيرة، حيث أجرت 472 تدخلا تضمنت 201 إطفاء حرائق في أقل من أسبوع. تختلف الروايات حول أسباب هذه الحرائق، بين من يعتقد أن الأسباب بشرية ومتعمدة من اجل افشال الموسم الفلاحي وتهديد الأمن الغذائي، وبين من يزعم أن مرد هذه الحرائق هو ارتفاع درجات الحرارة.
الفرضية الأولى ان صحت، تثبت أنه توجد جماعات جريمة منظمة تهدد- لا فقط أمننا العام، بل أمننا الفلاحي والاقتصادي وتعتبر ارهابا من نوع اخر، الفرضية الثانية مستبعدة، لأن درجات الحرارة تتجه نحو الانخفاض والمعدلات العادية ومع ذلك مازال توتر الحرائق في مناطق قربص وبنزرت في ارتفاع. ترقى الفرضية الاولى الى كونها الاصح، ويذهب المنطق الى كون الفعل متعمدا واجراميا، وتظل سجلات التحقيق ضد مجهول.
أسطورة طائر الفينق، الذي ينتمي الى تاريخانية هذا البلد مختلط الاعراق والذي ساهم الفينيقيون في تشدييه، تقول أن الاصرار وتحد كارهي هذا البلد، هو السبيل الى اعادة اعمار ماتلف والنهوض من الرماد. بعد حريق اتى على غابة النحلي في 2016، اهلك حوالي60 هكتارمن الثروة النباتية والحيوانية، عادت غابة النحلي في ولاية أريانة خضراء- متنفس للجهة. بعد حرائق 2017 و2018 عادت سهول جندوبة الى سابق عهدها- رئة لكامل البلاد. أعمال كراهية كهذه يجب أن لا تثني التونسيين عن العمل والانتاجية في سبيل تحسين أوضاع الاقتصاد، فهم بهذا يتركون مجالا لأعداء الاستقرار والازدهار، ليكون انتصارا لعم، ولو معنويا.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires