alexametrics
الأولى

رئاسية 2019- لماذا انتصر نبيل القروي

مدّة القراءة : 6 دقيقة
رئاسية 2019- لماذا انتصر نبيل القروي

في النهاية وكما كان متوقعًا، لم تكذب مؤسسات سبر الآراء، حصل نبيل القروي على المركز الثاني في الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها 2019، على عكس  ما روجه العديد من خصومه، وحتى جزء من الصحافة الوطنية والدولية. 

قلبت العاصفة الموازيين  وكان الفوز حليف نبيل القروي، وهذا الفوز كان واضحا بالنسبة للّذين كانوا قادرين على تقدير النتائج النهائيّة للإنتخابات الرئاسيّة في هذا المشهد السياسي، وكان موقع بيزنس نيوز من ضمن هؤلاء.


هذه النتيجة كانت متوقّعة منذ أشهر، بالأخص بداية من شهر فيفري الفارط، من قبل الذّين هم متمكّنين من وقائع وتطوّرات المشهد السياسي، وخلال شهر ماي باتت هذه النتيجة واضحة للمراقبين  الذين يملكون أقلّ دراية بهذا المشهد. منذ ثلاث سنوات، قام نبيل القروي بالتحضير لهذا الفوز بكلّ هدوء وخفاء، بعد وفاة إبنه خليل القروي يوم 21 أوت 2016، تقبّل مدير قناة نسمة، القناة الخاصّة الأولى في نسب المشاهدة في تونس، التعازي من قبل القادة السياسيين ومن قبل رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي.


نبيل القروي في تلك الفترة كانت ملامج وجهه لا تفسّر من شدّة الألم والحزن على إبنه، كذلك أخيه غازي القروي. في ذلك اليوم انطلق نبيل القروي في استراتيجيته لبدء الطريق السريع المؤدي إلى قصر قرطاج، وبالتالي لم يكن القروي هو الوحيد الذي بكى إبنه الراحل ولكن حسب استراتيجيته سيبكي ابنه الملايين من الناس، وقد أخفى حزنه ليشعر به الآخرون، وكان خليل إبنه الراحل فقط أداة ليحقّق نبيل القروي فكرة قديمة وطموح قديم. 


هذه الفكرة إستوطنت عقل نبيل القروي منذ سنة 2014 وحتى منذ سنة 2011، القروي كان مقتنعا بأمر واحد وهو من يملك القدرة على توجيه الرّأي العام، قادر كذلك على تحمل مسؤوليّة السلطة، وهذا ما كرّره وقاله العشرات من المرّات. سنة 2013، كان لدى نبيل القروي طموح في رئاسة الحكومة مكان علي العريض، وفي سنة 2014، كان في الصف الأوّل خلال الحملة الإنتخابية للراحل الباجي قائد السبسي، وكان أكثر من ذلك من ضمن المساهمين في نجاح الرئيس الراحل، وكان يتساءل القروي كيف يمكن لبعض الأشخاص أنّ يتقلّدوا مناصب في الحكم، كأن يكونوا وزراء أو نواب أو مستشارين وهو غير قادر على ذلك؟ وفي حقيقة الأمر، نبيل القروي لا يتمنى أن يكون مستشار أو وزير.


نبيل القروي هو شريك سيلفيو برلسكوني والشخص الذي يعتبر من أعلى قادة العالم بدءاً من بيل جيتس (رب عمل زوجته سلوى سماوي التي  تديرالفرع الإقليمي لشركة Microsoft)، مرورا إلى هيلاري كلينتون وفرانسوا فيون وآخرين. على مستوى ميداني، الرجل يعرف ماذا يفعل.


تمكّن نبيل القروي من تأسيس حزب سياسي، وهذا ليس بالغريب عنه، فهو كان من الأوائل الذّين أسّسوا حزب نداء تونس سنة 2012، من الناحية السياسية هو متمكّن من الفعل وبطريقة متميّزة، أيضا هو كان في الصفّ الأوّل سنة 2013، عندما ساهم في إبرام إتّفاقية صلح بين الراحل الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، هذا  الاتفاق الذي جعل البلاد تتجنب حرب أهلية صغيرة، ومن الناحية الإتّصاليّة، يعتبر نبيل القروي هو الأفضل، وفي التلفزة، أثبت القروي أنه لا يهزم، لذلك قام بتجميع كل مهاراته، وبالتالي لا يمكنه في هذه الحالة إلاّ النجاح، وبقيت تنقصه الاستراتيجية التي قام برسمها سنة 2016.


كل الطرق تؤدي الى روما، بدون شك، كان نبيل قروي يستوحي الكثير من شريكه سيلفيو برلسكوني ، رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، نبيل القروي سيطبّق نفس الرؤية والتي تنصّ على أنّ كل الطرق تؤدّي إلى قرطاج، وسيختار الأبعد، والقروي كان بمثابة شخص قام برسم خارطة طريق بعيدة المدى، وذهب إلى حيث لم يذهب أي سياسي من قبل، لتوزيع "الطعام والمقرونة" على المحتاجين، شعار واحد ''يرحم خليل'' قام بجولة كاملة في كامل الأراضي التونسيّة، شعار تكرّر مئات المرّات في ستوديو خليل  بقناته التلفزية ''نسمة''، من هذا الأستوديو قام بنداء إلى كلّ المتبرّعين ليقدّموا إعانات لكلّ المحتاجين، وكلّ هذه الإعانات قام بتصويرها، من المتبرّعين إلى المحتاجين، هؤلاء الفقراء يتقبّلون إعانات ومساعدات تقريبا كلّ يوم وكلّ ليلة يجيدون مشالكهم تُبثّ على القناة الأولى في تونس، هذا شيء لم يصل من قبل. 
 
هناك الملايين من التونسيين الذين يعرفون أن خليل توفي وأن نبيل أب جيد،  ولا يمكن للمرء أن لا يتعاطف مع الأب الذي مات ابنه الوحيد، ولم يتبقى له في هذه الحالة سوى إغواء غالبية الناس حتى يتعاطفوا معه ويحولوا هذا التعاطف إلى نية للتصويت ثم يصوّتوا له.
في فيفري 2019، كان نبيل القروي على رأس استطلاعات الرأي التي قامت بها المعاهد الخاصّة بسبر الآراء بطريقة تحفّظيّة، إلى هذه اللّحظة يمكننا القول أنّ الشعبويّة أتت أكلها، والمهمّة تمّت بنجاح، دون حساب أو وعيّ من منتقدي القروي الذّين لا يمكلون من الثقافة السياسيّة سوى القليل.
إنّ الأوائل الّذين شاهدوا عمل  نبيل القروي  هم الأمريكيون، ولكن هم رعاة البقر مشجعو اليانكييز لجورج سوروس الذين وضعوا أصابعهم في الثورة الأوكرانية ، الاضطرابات الجورجية أو المظاهرات الروسية. إنّ الاستعمار الجديد الخالص، تمثّل في تكليف جورج سوروس، مكتبه التونسي بالقيام بالأعمال القذرة، تحت شعار "مكافحة الفساد".
هذا المكتب يسمّى ''منظّمة أنا يقظ''، وهو رسميًا فرع تابع لمنظمة الشفافية الدولية في تونس، سنة 2016،  قدمت هذه المنظّمة شكوى رسمية إلى القطب القضاء المالي ضدّ نبيل القروي بسبب التهرب الضريبي وغسيل الأموال، وبقي عليها إثبات ذلك، بينما أنّ القروي دافع عن نفسه ضدّ هذه التّهمة ودعّم ذلك بالأدلّة، ووفقا للعناصر التي بحوزتنا سيتمّ محاكمته فقط على التهرّب الضريبي، في حين أنّه لدينا مرشّحان للرئاسية لديهم تتبّعات من قبل  السلطات الضريبية ، ولكنهما لم يكونا موضع أي شكوى ، لا من قبل النيابة العامة ولا من جانب منظّمة ''أنا يقظ''.
كان القروي محميا من قبل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، فقط الوحيد هو رئيس الحكومة يوسف الشاهد  أحسّ بالخطر القادم وفي نهاية شهر أفريل 2019، أي بعد شهرين من خروج أول استطلاعات الرأي التي بيّنت إحتلال نبيل القروي الصدارة، ولمواجهة الأسد (هو شعار حزب نبيل القروي، قلب تونس)، سخّر يوسف الشاهد القوّة العامّة للهيئة العليا المستقلّة للإتصال السمعي البصري لتنفّذ قرار قديم يتمثّل في  قطع البث على قناة نسمة بالقوّة، قناة نبيل القروي، وتمّ إغلاق القناة لمدّة أيام قليلة، وسرعان ما عادت للبثّ بعد ما أثارت جدل كبير جدا، وهكذا تراجع الشاهد واعتمد إستراتيجيّة أخرى. 
في ماي 2019، ظهر نبيل قروي علانية لأوّل مرّة في نتائج إستطلاعات الرّأي، وعندما بدأ يوسف الشاهد في استراتيجيته الثانية، وجد معارضة قوية من جانب الرأي العام ومن جانب رئيس الجمهورية، حيث أراد تعديل القانون الإنتخابي بإضافة فصل جديد يمنع نبيل القروي من الترشّح للرئاسيّة وبالتالي يقطع عليه الطريق إلى قصر قرطاج، وهذا ما لم يقبله الغيورين على الديمقراطيّة وعلى دولة القانون.
هذه الإستراتيجيّة التي اتّخذها الشاهد سقطت في الماء، حين رفض رئيس الجمهوريّة الراحل الباجي قائد السبسي الإمضاء على تلك التعديلات في القانون الإنتخابي، الحملة الإنتخابيّة بدأت، وقطع النرد ألقيت، ولا شيء يذهب مثلما يقال في الكازينو، خاصّة وأنّ هذه القضيّة أصبحت علانيّة وواضحة وهو ما زاد عقّد الأمور ضدّ الشاهد، الذّي نجح بلباقة في تقسيم عائلته السياسيّة وفقدان التعاطف الذّي جمعه خلال فترة توليه رئاسة الحكومة لمدّة ثلاث سنوات، وإنّ هؤلاء الذّين ينصحونه بتغيير التكتيكات، يُطلق عليهم اسم الباعة أو البلهاء،هذا التصرّف كلّفه أن يدفع الثمن غاليا، لأن أصدقائه المقربين رفضوا رفضًا قاطعًا الاشتراك في هذا الهجوم الرسمي على العملية الديمقراطية.
يوسف الشاهد لا يملك  الكثير من الثقافة السياسية ، ولا يعرف الكثير عن الكازينو ، لكنه لا يعرف كيف يقرأ أيضًا، علاوة على هذا، فإنّ الشاهد  في لحظات الراحة الخاصة به ، لا نراه أبدًا مع كتاب ، ولكن مع هاتف محمول يشاهد ما يحدث في الفايسبوك، ومن الصعب تصديق أنه قرأ ذات مرة "فن الحرب" لـ سون تزو ، الكتاب المقدس لأي محارب يحترم نفسه، إنّه يجهل في هذه الحالة أنّ الأسد يجب قتله وليس جرحه، فيوسف الشاهد لم يقتل نبيل القروي ولكنّه جرحه فقط، وبدلا من النظر بعيدا إلى أمر آخر، استمرّ الشاهد في طعن القروي، والكلّ ينهيه عن ذلك وينصحونه بالتوقّف.
اعتمد يوسف الشاهد في جولته الثالثة ضدّ نبيل القروي، النظام القضائي، بوسائل نجهلها عن طريق إعادة إحياء قضيّة منظمّة ''أنا يقظ'' ضدّ القروي، في هذا السياق لم يرد قاضي التحقيق المتعهّد بالقضيّة من أن يمسّ من إستقلاليته، ولم يهن نبيل القروي، بل قام بتركه حرا خارج أسوار السجن وعلى ذمّة التحقيق شريطة أن لا يغادر حدود الوطن، كان هذا الإجراء غير كاف بالنسبة للشاهد الذّي أراد أكثر من ذلك، وتمّ عرض ملف القروي على دائرة الإتّهام للنظر فيه بناء على طلب هيئة الدّفاع، وفي سابقة غريبة أولى بالنسبة للقضاة، بدلاً من رفض طلب رفع التجميد والحظر تمّ إقرار  إصدار حكم إيداع بالسجن في حقّ نبيل القروي، والمعروف في العادة، أنّ هذا النوع من الاستئناف يؤدّي فقط إلى قرارات تخدم مصلحة المتهم وليس العكس، وحسب العديد من الأقوال بين القضاة فإنّ القضاة الذّين أصدروا حكم الإيداع بالسجن على القروي، هم ليسوا مختصين في ذلك ولا ينتمون لدائرة الإتّهام التي تتعيّن من قبل مجلس القضاء العدلي.
والباقي كلّه مثير للسخريّة، فقد تم إيقاف نبيل القروي يوم 23 أوت 2019، بالقوّة العامّة من قبل قوات الأمن على مستوى محطة الاستخلاص بمجاز الباب بولاية باجة، حتى أنّ الصحفيين المرافقين للقروي منعوا من تصوير الإيقاف العنيف لنبيل القروي وهذا فيه تعدّي صارخ على حرّية الإعلام، وحسب رسالة لنبيل القروي من السّجن فإنّ قد تمّ إغلاق الطريق السريع لهذا الاعتقال وتعرض للاعتداء اللفظي والجسدي دون تقديم مذكرة توقيف. هل من الضروري رؤية يد رئيس الحكومة / المرشح في كل هذا؟
نتيجة السباقات، كسب  "الأسد الجريح" تعاطف  جمهوره الشعبي الأصلي، ولكنه الآن كسب كذلك  شريحة واسعة من المجتمع والمراقبين.
في حين أنّه كان رجل عصابات، فهو الآن ضحية. والأفضل من ذلك ، كما تقول زوجته سلوى سماوي، إنه سجين سياسي لأنه يفي بالتعريف التقني للمصطلح. فالمسألة لم تعد مسألة تعاطف ودفاع عن الجمهورية وسيادة القانون ، إنه الدفاع عن عدالة تونس. من دون أن يفعل أي شيء، لمجرد أنه ضحية عصابة سياسية قضائية غير عادلة أطلقها الأمريكيون ونفّذتها الحكومة التونسية لأغراض شخصية، تمكّن نبيل القروي من جمع مئات الآلاف من الأصوات يوم الأحد 15 سبتمبر 2019.
خسر يوسف الشاهد وخرج من الباب الصغير، على امتداد هذه الأشهر الأخيرة، كان في حالة إنكار تامّ رافضا كلّ النصائح الصادقة  التي قدّمها له أصدقائه وأقاربه الحقيقيون، أصيب يوسف الشاهد بأعراض التغوّل والسلطة، بسبب الأنا المفرطة وانفصاله التّام عن الواقع. ولا شك.. أنه كان له دور كبير في فوز نبيل القروي!
نزار بهلول - ترجمة يسرى رياحي 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter