بخطى ثابتة نبيل القروي نحو الرئاسية
ما يزال البعض يتهكم ويعتبر أن ترشّح نبيل القروي للرئاسية مجرّد ظاهرة عابرة، لكن أمام تصدره لنوايا التصويت في أكثر من مناسبة وجب التهيّؤ وعدم انكار جديّة حظوظه بعد أن تراجعت نسبة رضا التونسيين على رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.
إذا تمّ اجراء الانتخابات البرلمانية الآن فإن قائمة نبيل القروي ستتصدر المشهد بوضوح بنسبة 29 فاصل 8 بالمائة من الأصوات التي تم الادلاء بها وفقا لاستطلاع "سيغما" الذي أجري في الفترة الممتدة من 1 إلى 8 جوان ووقع نشره يوم أمس الأربعاء 12 جوان، وتم الاستطلاع بين عينة تمثيلية من المسجلين في تونس وفقا لبيانات حديثة من هيئة الانتخابات تم اختيارها وفقا للتوزيع حسب الدوائر الجهوية والفئات العمرية والجنس عبر الهاتف وبنسبة خطأ لا تتجاوز 2 بالمائة. وفي المقابل تحصلت قائمات حركة النهضة على 16 فاصل 8 بالمائة وتحيا تونس بنسبة 8 فاصل 6 بالمائة ونداء تونس 5 بالمائة.
أمّا فيما يتعلق بنوايا التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، تصدر نبيل القروي المشهد بنسبة 23 فاصل 8 بالمائة مقابل 7 فاصل 4 ليوسف الشاهد و1 فاصل 8 للباجي قايد السبسي.
وبنفس الطريقة، تحصلت قائمة نبيل القروي على 40 بالمائة من الأصوات من النساء، 21 فاصل 5 بالمائة من الرجال، 46 بالمائة من بين الطبقات الفقيرة، و 34 بالمائة هي نسبة الناخبين من الفئة العمرية 18-35 سنة، و 60 بالمائة من الناخبين الذين لم يسبق لهم الذهاب إلى المدرسة، وفقط 12 فاصل 2 بالمائة من ذوي المستوى الجامعي.
ولئن أثار هذا الاستطلاع دهشة العديد من متابعي الساحة السياسية شخصيات كانت أو أحزاب أو مواطنين، إلاّ أنّه فضح الواقع الرديء وحقيقة "الزواولة" الذين مثّلوا وسيمثّلوا جزءا هاما من قاعدة نبيل القروي بالإضافة إلى "المليون مرا" التي كان يحظى بها السبسي في الانتخابات الماضية وغيرهم ممن خاب ظنهم بالنخبة السياسية الحالية وهو ما وسّع شعبية القروي ليشمل خليطا حضريا ريفيا بعد أن اخترق أغلب الجهات الداخلية للبلاد.
عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري ندّد بدخول أطراف "لا علاقة لها" بالحياة السياسية عبر بوابة "التحيل وشراء الذمم والاستثمار في الفقر والمعاناة" وأبدى استيائه من نبيل القروي وقال إنه مواطن له كامل الحق في الدخول للسياسة لكنه اختار طريق التحيل واستغلال وسيلة اعلامية للفساد الانتخابي، مستنكرا استغلال العمل الخيري مؤكدا أن العملية السياسية مؤطرة بالقانون وقانون الجمعيات يحجر استغلال الجمعيات لأغراض حزبية أو سياسية وشدّد في نفس السياق على ضرورة ردع هذه الأطراف التي "تستقوى على القانون"، وفق تعبيره.
وبعد نتائج استطلاعات "السباق الانتخابي" فقد أصبح القروي رقما أساسيا في الانتخابات الرئاسية المقبلة لينافس المرشحين الرئيسيين والأحزاب الممثلة في البرلمان، ما اضطر عددا من الكتل النيابية من بينها تحيا تونس ونداء تونس والنهضة والجبهة الشعبية إلى اعداد مشروع قانون لمنع عدد من المرشحين من الترشح للانتخابات المقبلة.
ويتعلق مشروع هذا القانون ببلورة نص قانوني يمنع ترشح المشرفين على الجمعيات الخيرية أو الذين يستعملون مؤسساتهم الإعلامية لأغراض دعائية للترشح للانتخابات. وتأتي هذه الخطوة، لمنع الأساليب الملتوية التي يستعملها البعض لتلميع صورهم والانطلاق في حملاتهم الانتخابية قبل الانطلاق الفعلي لها وبهدف ضمان نفس الحظوظ لجميع المرشحين، حسب رأيهم.
ويتزامن الاعداد لهذا القانون مع الصعود الكبير لنبيل القروي في سبر الآراء وبعد تصريحه الرسمي يوم 27 ماي 2019، الترشح للانتخابات الرئاسية وأنّه معني كذلك بالانتخابات التشريعية كما هو متوقّع.
ما تزال ردود الأفعال تتواتر بخصوص تصدّر نبيل القروي لنتائج سبر الآراء في الانتخابات الرئاسية، وعلّقت المحامية سنية الدهماني قائلة إنّ الشعب يعاقب السياسيين على ما فعلوه على امتداد سنوات باختيار نبيل القروي، وهذا ناتج من الفراغ وحالة اليأس التي وصلت لها البلاد بسبب الطبقة السياسيّة، وأدانت غياب نداء تونس واليسار مقابل صعود القروي الّذي "لا علاقة له بالحكم ولا بالسلطة"، بل قام بـ "اللّعب" بمشاعر الفقراء بخطاباته الشعبويّة.
الناشط السياسي برهان بسيس قال إنّ نتائج سبر الآراء مفهومة وهي عبارة عن صفارة إعلان العد التنازلي لانهيار السّلطة الموجودة منذ سنة 2011، وبالتالي انهيار شبكة المصالح والإمتيازات التي تفرّدت بها المنظومة الحاكمة على حساب الشعب التونسي الّذي لم يرى سوى "البؤس والحيرة وسقوط الأحلام الاجتماعيّة" على حدّ تعبيره.
وللمتمعّن جيّدا أن يدرك أن نبيل القروي ليس له أي برنامج جدّي للانقاذ ولا هو البديل ولا المهدي المنتظر، باستثناء تكراره أن "معركته ضدّ الفقر" و"مع بعضنا باش نقطعوا تسكرة الفقر" وأنه "دار تونس دشرة دشرة"...
وقد يدعم الرئيس الباجي قايد السبسي الحملة الخيرية لنبيل القروي عبر شبكة معتمدين موالين له وبعض مصالح الوزارات القريبة منه، فنبيل القروي صديق مقرّب للسبسي وهو من صنعه إعلاميا منذ ولادته الجديدة وسوّقه كبديل في 2011 و 2014، وهو الذي سيكون الآن ورقة ثأر السبسي من صنيعته الشاهد لكن الثابت أن القروي الآن أكبر من السبسي حظوظ وشعبيّة.
وفي ظل انعدام ثقة الناخب في السياسة وفي الوجوه السياسية التي طغت على المشهد منذ الانتخابات الفارطة والتي خيبت آمالهم، ترى فئة هامة من التونسيين بأن نبيل القروي مخلّصها من الأزمة الخانقة التي تمرّ بها ومنقذها من بطش حكومة صاحبة وعود جوفاء وهو ما يعكس استماتتها في اختياره للانتخابات.
فشل الخيارات الحكومية في تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية طيلة سنوات كانت ورقة القروي في كسب شعبية عبر مشروعه السياسي-الاجتماعي "خليل تونس" المبرمج منذ فترة، ومن المتوقع أن يكوّن كتلة هامة في البرلمان القادم بمشروعه المربح الذي جعله يتقدّم بخطى ثابتة قد تحدث مفاجأة كبرى في الانتخابات القادمة.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires