alexametrics
الأولى

ائتلاف الكرامة والدستوري الحرّ، وجهان لعملة واحدة ؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة
ائتلاف الكرامة والدستوري الحرّ، وجهان لعملة واحدة ؟

هلّ تُطّل الحرب الأهلية برأسها، فيما تترادفُ أسبابها وتظهرُ الدولة متفككة ضعيفة ككيان رخو لا يسعهُ منع العنف؟

  

مشاهد مُخزية شاهدها التونسيون أمس من اعتصام الدستوري الحر بمقر اتحاد العلماء المسلمين حيثُ قدم نواب الكتلة الاسلامية المارقة ائتلاف الكرامة يستعرضون الكراهية كأنّها مدعاة للفخر!

بين الفاشية الصريحة والفاشية الكامنة واستعداد كلا الطرفين للتصادم والتقاتل ان لزم الأمر- يضيعُ الكثير، الوقت، المنطق، الثقة في الطبقة السياسية والأهم، هيبة الدولة التي تتعامل بمعايير مزدوجة مع "اثارة الشغب" فكأن السياسيين كيان أسمى من المواطن العادي لا ينطبق عليهم القانون، اثارةُ الشغب تهمة قد تودعك السجن اذا كنت مواطنا وقد تجعلك بطلا اذا كنت سياسيا.


الائتلاف الاسلامي الكرامة هو كتلة فاشية لا وجود لها دون اثنتين: تتغذّى من صراعها مع عبير موسي -رأسا- لتُثير حماس قاعدتها الانتخابية التي لا تملك ماتقدم لها غير ذلك، وتدعم الحركة الاسلامية النهضة عبر لعب دور عازل الصدمات الذي يقي الحزب الاسلامي شرّ القتال، وهو الحزب الديبلوماسيّ "المسالم" الذي وجد سيستام مناولة يهاجم عبر خصوهم دون أن يلوث يديه. لا وجود فعلي للكتلة المارقة خارج هذه الدائرة المثيرة للشفقة. من جهة أخرى، فانه لا يمكن تصوير كتلة الدستوري الحرّ المحافظة على أنّها الضحية فيما حدث.


الدستوري الحرّ يغذي العنف بخطابه الاستئصاليّ والاستفزازيّ، الذي يسعى منه لكسب التعاطف والظهور في عباءة مُحاربي الاسلاميين، لأنّ هذا الحزب هو الاخر لا يملك ما يقدّم غير حلم نوستالجي يسوّق له على انّه الخلاص. مُقتحمين بصفة محيط جمعية ذات وجود قانوني في ساعة متأخرة من الليل وتحت حظر تجول، مهددين ومحاصرين أعضائها، ومغلقين شارع رئيسي وعابثين بالوثائق الموجودة داخل مقر الجمعية وموثقين ذلك عبر مقاطع مباشرة على فايسبوك: ارتكب الدستوري الحر نوعا اخر من العنف، بغضّ النظر عن عمل الجمعية المشبوه والذي يحق للقضاء وحده البحث فيه، فانه لا يوجد مبرر للعبث بمحتويات مقر خاص ونشر وثائق شخصية على الشبت الاجتماعية وأخذ كتب ومناشير ودراسات خارج مقر الجمعية دون ذن اصاحبها مما يعتبر سرقة موصوفة. هذه جريمة خطيرة يعاقب عليها القانون، خاصة بعد أن خسر الحزب القضية الجزائية التي قدمها ضد اتحاد علماء المسلمين وسمح القضاء للجمعية مواصلة عملها القانوني.


هل ائتلاف الكرامة والدستوري الحرّ وجهان لعملة واحدة ؟ نعم. لكن الفرق هو أنّ ائتلاف الكرامة مرّ الى ممارسة العنف دون حياء، ودون حساب، بمنطق متطرّف ولا أخلاقيّ وسلوك عدوانيّ يستبطنُ شحنة مكبوتة من العنف قادرة على الانفجار في أي لحظة، في وجه صحافيّ، نائب اخر، أمنيّ بالمجلس، نقابيّ، ناشطات نسويّات... مواطن.. الفرق أن ائتلاف الكرامة له حاضنة تبررّ له العنف وتسمح له بالافلات من العقاب وتُصدر له البيانات في منتصف الليّل وتبارك رعونته وتتخذّه ذراعا أيمنا للمهام القذرة، بينما لا يتمتع الدستوري الحرّ بهذه الامتيازات. الفرق أيضا، أن الائتلاف هو تعبيرة ممتازة عن الذكورية الهشّة التي تُخفي عقدا لا متناهيّة، ومن ذلك فانّ هذا الكيان الرجعي، يمارسُ العنف أيضا من منطلق الهيمنة- الأحقيّة المريضة، وليس فقط دفاعا عن وجوده السياسي.


هزيمةُ الاسلام السياسي لا يمكنها أن تكون عبر صعود هيمنة فاشية أخرى. العنف الذي تتعرضُ له كتلة الدستوري الحرّ مدان في كل الحالات ولا يمكن تبريره تحت أيّ ظرف، ولكنّ ما تقوم به هذه الكتلة من تخريب داخلي للديمقراطيّة مُدان من جهة أخرى- انها فاشيات تتغذى على بعضها وكلاهما في حاجة للاخر لأنّ طرحهُ السياسي مرتهن به- باقصاءه.


ائتلاف الكرامة هم مجموعة من المختبئين وراء الحصانة، ووراء الشيّخ. الفرق أنّ الكرامة جماعة لا تؤمن بالقانون والدولة، شرذمة من "ممارسي العنف". لكن من جهة أخرى فان الدستوري الحرّ هم جماعة من "موّلدي العنف" يُساهمون في تكثيف التواجد الكميّ والنوعي للعنف السياسي. هي معركة استئصال، بين ضديدين كلاهما يدّعي أنه يريد أن يُلغي الاخر ولكن الواقع أن كلاهما أكبر مستفيد من الـ"show" (العرض) ويسعى لتواصله بأيّ ثمن وهذا أكبر مؤشر على حالة الانهيار الأخلاقي لدى الطبقة السياسية الشعبوية التي يمثلها الدستوري الحر والكرامة.


العنف السياسي هو نتيجة عادية جدا لما أفرزته الالية الانتخابية لسنة 2019، انتخابات بُنيت على النزعة الاقصائية وخداع الناخبين، انتخبونا لأننا سنُقصي الاسلاميين، انتخبونا لأننا سنقصي الفاسدين، انتخبونا لأننا سنقصي اليسارـ سنقصي مرشحي السيستام، سنقصي الأحزاب، فقط انتخبونا لأننا سنقصي الاخر.


السلوك العدواني للنواب ليس مرده هنّات فردية بل هي خيار استراتجي: معركة الاسلاميين والدستوري الحرّ هي تعبيرة أخرى عن الاستقطاب الثنائي وهذا العنف ليس فعلا وردّة فعل بل هو لُغة تواصل استراتيجية- حين تصفُ عبير موسي الائتلاف بالدواعش والارهابيين هي تعلم جيدا ماذا تفعل، وحين يصف سيف مخلوف عبير موسي بالتجمعيّة و(الزغراطة) فهو يعلم جيدا ماذا يفعل، كلاهما يستحضر الصورة النمطية المكروهة لدى الاخر ليرسخها في أذهان التونسيين ويوهمهم بأنه يحاربها! كلاهما يحترفُ شرعنة العنف لغايات سياسية، ويراهن على العنف اللفظي وتشنج خصمه حتى يلعب دور الضحيّة. لا يوجد ضحيّة في حادثة الأمس.

 عبير قاسمي

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter