تزايُد خطر كورونا أمام الخلل في منظومة إيفاكس ونقص الأكسجين
"المواطنون يئنّون تحت وطأة الفيروس والوفيات بالآلاف والمستشفيات ممتلئة، ورئيس الحكومة يضحك فرحا لأّنه تلقى التلقيح، هذه فضيحة أخلاقية وجريمة دولة في حقّ الشعب، تلقوا التلقيح سرا بتعلة أنهم موظفو دولة.. هذه حكومة سفلة وكذبة أساءت ادارة الأزمة وأغلقت موارد رزق الفقراء لتحافظ على المحلات التجارية الكبرى لأصحاب النفوذ.. هذه الحكومة لا نية لها في إنقاذ التونسيين''، كان هذا تصريح زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب مندّدا بسوء تعامل الحكومة مع الوضع الوبائي.
تلقي هشام المشيشي وأعضاء حكومته ومُستشاري القصبة للتلقيح المضاد لكورونا، خلق موجة غضب وسخط من كلّ الأطراف السياسية والوطنية على الحكومة، حيث وصف المغزاوي الأمر بالمثير للاحتقار والاشمئزاز مؤكدا أنّه للرأي العام كامل الحقّ في الغضب ضد حكومة هشام المشيشي التي لقحّت سرا وخرج مستشارها الإعلامي مفدي المسدي ليبرر الأمر بتعلات واهية. ولم يفت المغزاوي أنّ يؤكّد أنّ هذه المنظومة خيّرت التضحية بآلاف التونسيين من أصحاب الأولوية في التلقيح، لاستغلال النفوذ والتلقيح لمستشارين ومديرين عامين في عقدهم الثالث وصحتّهم جيدة.
لم يُصرّح به المغزاوي ليس افتراء على الحكومة ولا حتى على المنظومة الحاكمة بل هو أمر واقعي وحقيقي ملموس، هناك العديد من الأشخاص والشخصيات والتي لا علاقة لها بأي فئة من ذوي الأولوية في التلقيح قد تمتّعوا بالتلقيح ضدّ كورونا عن طريق المحاباة ومن بين هؤلاء النائبة عن الحركة الإسلامية النهضة أروى بن عباس التي تلقت لقاح سبوتنيك في 13 أفريل الجاري خارج منظومة ''إيفاكس''. هذه النائبة النهضاوية لا تقطن في منوبة ولكنّها عن طريق المحاباة تحصّلت على التلقيح وساهمت في إقالة المديرة الجهوية للصحة بمنوبة الدكتورة نبيلة قدور وتمّ فتح تحقيق في الغرض وكانت بذلك النائب الوحيد الذي تحصّل على التلقيح من ضمن نواب البرلمان. حركة النهضة كعادتها وبسهولة أرادت أن تدارك الأمر، ونشرت ظهر اليوم بلاغا عبّرت فيه عن رفضها لأي تجاوز مهما كان مأتاه واعتبرت أنّ ما قامت به النائبة خطأ وطالبتها بالاعتذار.
مستشار رئيس الحكومة المكلف بالإعلام مفدي المسدّي، أعلن يوم 28 أفريل الجاري، أنه تم الانطلاق في التلقيح لمستشاري رئيس الحكومة هشام المشيشي وعدد من أعضاء الحكومة والمديرين العامين للمؤسسات العمومية في إطار استراتيجية وزارة الصحة التي تنص على أن يكون المسؤولون الذين ترتبط وظائفهم بسير الدولة ضمن أولوية التلقيح وسيتم قريبا التلقيح لبقية لأعضاء الحكومة، هذا الإعلان أثار جدلا كبيرا لدى الرأي العام التونسي واتهموا الحكومة بتضحيتها بالشعب التونسي من أجل الحفاظ على سلامتهم. مستشار رئيس الحكومة المكلف بالاعلام مفدي المسدي، أكّد اليوم أنّ كل الوزراء الذين تلقوا التلقيح سجلّوا أسماءهم مثل بقية المواطنين على منظومة إيفاكس وتلقّوا ارساليات قصيرة تعلمهم بأن دورهم حان لتلقي التلقيح، وتابع أنه لم يتلقّ اللقاح المضاد للفيروس بعد وأنّه ينتظر دوره كأيّ مواطن بعد أن وصلته رسالة نصية تتضمن تاريخ التلقيح والمركز نافيا بذلك وجود أيّ محاباة أو تقديس للحكومة وأعضائها ونفى أيضا تلقّي أصهار وعائلات الوزراء التلقيح، كاشفا أنه سيتم المرور تدريجيا في الأيام القادمة للولاة والمعتمدين والعمد.
من جهته، أكّد رئيس لجنة قيادة الحملة الوطنية للتلاقيح ضد كوفيد-19 الهاشمي الوزير، أنّ عملية تلقيح أعضاء الحكومة تأتي في المرتبة الثالثة بعد مهني الصحة وكبار السنّ حسب سلم الأولويات الذي وضعته وزارة الصحة منذ انطلاق حملة التلقيح يوم 13 مارس الفارط. متفاعلا مع الجدل المُثار بشأن تلقيح أعضاء الحكومة سرّا، كشف وزير الصحة فوزي مهدي أن التلقيح للوزراء ونواب البرلمان أمر عادي يتنزل ضمن المرحلة الثالثة للاستراتيجية الوطنية للتلقيح التي تضم "حماية القيادات العليا" على حد تعبيره، كاشفا أن رئيس الحكومة هشام المشيشي هو من أعطى الاذن بالانطلاق للتلقيح لأعضاء الحكومة.
''كيف يمكن تفسير قلب الأوليات والمرور إلى تلقيح اشخاص ينتمون الى الاولوية الثانية وحتى الثالثة، قبل دعوة الأشخاص من الاولوية الاولى المسجلين في منظومة ايفاكس منذ بداية التسجيل؟ كفوا عبثا بأرواح العباد والتزموا القانون الذي وضعتموه بأنفسكم'' كان هذا تعليق أستاذ القانون العام رضا جنيح على الخروقات التي وقعت في المنظومة الخاصة بحملة التلقيح حيث اعتبر أنّ تمتّع الحكومة والوزاراء بالتلقيح هو بمثابة فضيحة وعنون تديونه بـ ''منظومة ايفاكس ترتقي الى كذبة دولة تتحمل مسؤوليتها الحكومة''. من جهته أوضح اليوم الهاشمي الوزير رئيس لجنة قيادة الحملة الوطنية للتلاقيح ضد كوفيد-19، حقيقة قلب الأولويات في التلقيح وبيّن أنّ منظومة ''إيفاكس'' للتلقيح طرأ عليها عطب تقني مما ساهم في تسجيل عملية تداخل بين الفئات المعنية بأولوية التلقيح. 60 ألف مسجّل في ''إيفاكس'' لم توجّه لهم الإرساليات القصيرة للتلقيح بسبب ذلك العطب في حين أنّ 80 ألف شخص مسجّلين بعدهم في المنظومة أرسلت لهم الإرساليات القصيرة للتلقيح بعد تدارك العطب، هذا الخلل في منظومة التسجيل أدى الى استنكار عدد من التونسيين خاصة منهم ذوي الأمراض المزمنة والكبار في السن عدم دعوتهم للتلقيح، وفي المقابل تم تطعيم عدد من الوزراء و كبار المسؤولين في الدولة.
الوثيقة الخاصة باستراتيجية التلقيح ضد فيروس كورونا ضبطت سلّم الأولويات وشروط التطعيم حسب القطاعات والحالة الصحية والسن للحفاظ على هدفين وهما الإبقاء على الخدمات الأساسية والتقليل من الإصابات الخطيرة والوفيات. تخص عملية التلقيح في مرحلتها الأولى والثانية الأطباء العاملين في أقسام الكوفيد-19 والعاملين في أقسام كورونا بصفة عامة بمختلف تفرعاتها والعاملين في مراكز الحجر الصحي والذين يختصون بنقل المرضى ثم الأطباء بمختلف اختصاصاتهم وباقي العاملين في القطاع الطبي مع مراعاة السن. أما المرحلة الثالثة، فهي تعنى بالقطاعات الحيوية التي تؤمن السير العادي للدولة على غرار الأمن و الجيش والوزراء والمسؤولين بالوظائف العليا.
الوضع الوبائي خطير جدا وأكبر دليل على ذلك ما جدّ ليلة البارحة في ولاية صفاقس حيث قامت مصالح الإدارة الجهوية للصحة، بنقل ثلاثين مريضا من المقيمين في قسم "كوفيد أكسيجين" بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر إلى المستشفى العسكري الميداني في إطار "عملية منظمة ومخطط لها"، بسبب نُقص مخزون الأكسيجين، حيث عبّرت النقابة الأساسية لأطباء الإختصاص بالصحة العمومية بصفاقس عن استنكارها للامبالاة الحكومة وتخاذلها في الحرب على الوباء وخاصّة التأخير الكبير في اتخاذ التدابير اللازمة للإحاطة بالجيش الأبيض. كما أنّ وزير الصحة أكد أن الحالة الوبائية بجهة صفاقس خطيرة بسبب تزايد عدد المرضى والضغط على المستشفيات ما إنجر عنه النقص في الأكسجين في مستشفى الهادي شاكربصفاقس مما استوجب، نقل المصابين إلى المستشفى العسكري الميداني.
مدير الهياكل الصحية بوزارة الصحة نوفل السمراني صرّح اليوم قائلا "قد يجد التونسيون أنفسهم أمام كارثة صحية في حال عدم القدرة على توريد الاوكسجين من الخارج بعد نفاذ الكميات المتوفرة من الانتاج الوطني للاوكسجين". ونبه السمراني في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء الى أن المستشفيات تواجه وضعية صعبة نتيجة ارتفاع استهلاك الاوكسجين استجابة للطلب المتزايد في إطار التكفل بمرضى كوفيد-19، مشيرا الى ان المزودين الخواص للمستشفيات بالأوكسجين بلغ انتاجهم منذ مدة طاقته القياسية ولم يعد بإمكانهم الاستمرار في التزويد. وأفاد ان هؤلاء المزودين شرعوا مؤخرا في استيراد الأوكسجين من الخارج ليقوموا ببيعه الى وزارة الصحة، لافتا إلى أن هذه الوضعية حتمت أمس اقتناء كمية من الأوكسجين من الجزائر بصفة استعجالية عن طريق مزود تونسي. وحذر مدير الهياكل الصحية من أن توريد الأوكسجين من الخارج يواجه تحديات في ظل تفضيل عدد من البلدان الإبقاء على إنتاجها من اجل تأمين طلبات المرضى من مواطنيها، كما أن الطلب العالمي تزايد مقابل انخفاض المعروض من الأوكسجين في ظرف الجائحة.
منذ شهر فيفري 2020، سجّلت تونس 309119 حالة إصابة بفيروس كورونا وبلغ عدد الوفيات 10722 حالة وفاة، هذه الأرقام لم تعُد تتحمّل حصول أخطاء في منظومة التلقيح لتنقلب الأولويات في تلقي التلقيح ضدّ كورونا، كما أنّ الوضع الوبائي لم يعُد يتحمّل المناكفات والمشاكل السياسية بين الرئاسات الثلاثة بل على وجب على الجميع في هذه المرحلة رصّ الصفوف لتفادي انقطاع الأكسجين على التونسيين وحصول كارثة وبائية في تونس يُسجّلها التاريخ.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires