سحل الشاب عاريا يكشف وحشية وعُنف المؤسسة الأمنية للعلن
فعلا يجب إعلان الحداد على هذه الدولة، سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية وحدادا على كلّ مكوّنات هذه الدولة التي باتت في الحضيض وفي العفن. السلطة التنفيذية باتت اليوم تقتل في شعبها وتقمع في الشباب وتقتُلهم شرّا قتلٍ أمام أنظار السلطة القضائية التي أصبحت أداة يُوظّفها النافذون في البلاد لخدمة مصالحهم الشخصية.
لم يكفِهم قتل عُمر العبيدي، اغتيل غرقا بعد أن رمى بنفسه في واد خوفا من وحشيّة البوليس- فشاهدهُ البوليس بوحشيّة وهو يلفظُ آخر أنفاسه، وفاة أيمن عثماني، عامل بناء توفيّ برصاص الديوانة أثناء مطاردة لمُهربين بمنطقة سيدي حسين، رصاصتان خاطئتان دون عقاب أو اعتذار سرقتا حياتهُ على وجه "التهوّر الأمني". أنور السكرافي، قُتل دهسا جيئة وذهابا تحت عجلات الدولة البوليسية القمئة. هيكل الرّاشدي، أصيب بعبّوة غاز مسيل للدموع أردتــهُ قتيلا- أمام أمان منزله، في النهج الذي احتوى لعبهُ في صباه وخطواته الى المدرسة والمعهد، ثمّ احتوى جثمانهُ البارد في كفن خاطتهُ قوّات الأمن. عبد السلام زيّان، توفي على اسفلت مركز الاحتفاظ بولاية صفاقس من أجل خرق الحجر الصحي، أُلقي بالشاب المصاب بالسُكّري في جحر بارد لا تصله الشّمس ومُنع من حُقن الأنسولين وسط السُخرية والضحكات الشامتة.
مساء يوم الثلاثاء 8 جوان 2021، أوقدت مليشيات حكومة هشام المشيشي من أمنيّين لا يفقهون في الإنسانية ذرّة، النّار في منطقة سيدي حسين السيجومي بالعاصمة تونس بعد أن قتلت بوحشيتها وطغيانها وعنفها شابا في مقتبل العُمر، توفي أحمد بن عمار تحت التعذيب واختلفت الروايات في أسباب إيقافه وتعذيبه وفي مكان وفاته ولكنها تترابطُ في سبب الوفاة المباشر، وهي مناوشات مع قوات البوليس بعد حرق مركز الأمن بالجهة. حاولت بيزنس نيوز استقاء معلومات من الجانب الرسمي، الذي نفى وفاة الشاب في مركز أمن، دون تقديم أي إيضاحات أخرى عن الموضوع، سوى أنّه يُجرى التحقيق فيه حاليا وعُهد الى النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية تونس 2.
في رواية تحصلنا عليها من صديق للشاب المتوفي، أكّد لنا أنه تعرّض للعنف الشديد من قبل أعوان الأمن على مستوى الرأس والصدر بآلة حديديّة بينما كان أهالي الحيّ يشاهدون من منازلهم، وحين رفض الصعود في سيارة الأمن لأنّه لا يوجد سبب لإيقافه، حاولوا جرّه بنفس الطريقة العنيفة وأعادوا الإعتداء عليه مما سبّب له مزيدا من الأضرار الجسدية الخطيرة التي أدت في النهاية للوفاة. الأقوال متضاربة بشأن مكان وفاة الضحية، في الشارع بعد أن تركتهُ قوات الأمن في حالة إغماء، في مركز الأمن بعد أن حملوه بالقوّة للتحقيق معه، أو في المستشفى بعد أن حاول أحد المواطنين أخذه للإستعجالي لإسعافه لكنّه فارق الحياة على سرير الإسعاف؟ الروايات بشأن سبب الإيقاف كذلك متضاربة، حيث يزعم البعض أنه تم ايقافه لأنّه كان يحمل مادة "الزطلة"، وتقولُ روايات أخرى أنه تم إيقافه ضمن مجموعة شباب آخرين من أجل القيام بأعمال شغب- حيث أنّ أبناء الأحياء الشعبية معرضون للأحكام المُسبقة والتمييز والاعتداءات أكثر من غيرهم.
إجرام قوات الأمن في حقّ الشباب التونسي لم تتوقّف عند وفاة أحمد بن عمار، بل قامت في سابقة خطيرة وفاضحة ووحشية مساء يوم أمس الأربعاء بجعل تونس شبيهة تماما ''بسجن أبي غريب'' في العراق، إذ قامت قوات الأمن التي دخلت في شباك مع شباب سيدي حسين المُحتج على صديقهم الذي لفظ أنفاسه الأخيرة جراء التعذيب، بسحل وخلع ملابس أحد شباب منطقة سيدي حسين وتعمّد أعوان الأمن ضربه بقوّة وهو عاريا مُلقى على الطريق ثمّ قاموا باقتياده وهو عاريا إلى سيارة الأمن. هذا الفيديو الذي يُظهر قمّة الوحشية لبوليس حكومة هشام المشيشي مثّل صدمة للرأي العام التونسي وطالب الجميع بضرورة محاسبة الأمنيّين الذين أقدموا على هذه الكارثة اللاّأخلاقية واللاّإنسانية. ''هذه ممارسات دولة ساقطة ومارقة'' كتب البعض على موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك، وأكّد البعض الآخر أنّه حتى وفي عهد الرئيس الراحل المخلوع بن علي لم يُقدم أيّ أمني على خلع ملابس مواطن وسحله في الشارع عاريا.
فيديو السحل والخلع تمّ نشره على أوسع نطاق محليا ودوليا، وتبيّن لكلّ العالم أنّ ما يُروّج على الإنتقال الديمقراطي والأمن والأمان الذي تعيشه تونس بعد ثورة الحرية والكرامة هو مجرّد أوهام تُباع وما أقدمت عليه قوات المشيشي الأمنية وصمة عارٍ على تونس ولن يُمحى من ذاكرة أيّ كان. وأمام حالة الغليان والسخط والغضب، التزمت الجهات الرسمية بعدم تقديم تأيّة توضيحات حول حقيقة وفاة أحمد بن عمار و أسباب سحل الشاب المُحتج غضبا على فقدان ابنه منطقته. وككلّ المرات، نشرت وزارة الداخلية بلاغا، غير آبهة فيه بوفاة الشاب تحت أقدام وعصِيّ قواتها الأمنية، استنكرت فيه احتجاج شباب منطقة سيدي حسين على خلفية وفاة صديقهم بكلّ وحشية واتّهمتهم بالإعتداء على وحداتها الأمنية. ومثل كلّ مرّة تُهان الطبقة المفقّرة أبناء الأحياء الشعبية وتلفّق لهم التُهم كي يصمتون عن حقّهم، إذ أشارت الداخلية في بلاغها أنّ منطقة سيدي حسين شهدت اعتداءات على الأملاك العامة والخاصة واتّهمت الشباب المُحتج بإحداث الهرج والتشويش واعتبرت أنّ ذلك خلّف حالة من الاستياء في صفوف المواطنين.
وأمام هذا الكم من الوحشية والعنف في التصرّف مع أبناء الأحياء الشعبية، دعت الداخلية مواطني المنطقة إلى التعاون مع الوحدات الأمنية حتى تتمكن من القيام بمهامها على الوجه الأكمل في تأمين الأشخاص والممتلكات ودعتهم إلى تجنب الانسياق وراء الإشاعات والمعطيات المغلوطة التي يتم ترويجها عبر صفحات شبكات التواصل الاجتماعي. تقول الداخلية '' التعاون مع الوحدات الأمنية حتى تتمكن من القيام بمهامها على الوجه الأكمل في تأمين الأشخاص والممتلكات ''، هكذا كان تأمينهم للأشخاص بالسحل والضرب حتى الموت. هذا العنف والوحشية واللاإنسانية من قبل قوات الأمن ووزارة الداخلية منذ مُفتتح هذه السنة لم نشهده حتى في عهد بن علي، يُسحل الشاب ويُجرّد من ملابسه ويُضرب ويلطم بالأقدام على الإسفلت، هذه ستظلّ وصمة عار في حكومة المشيشي وعلى بلد يدعي أنه دخل ركب الديمقراطيات الناشئة.
الإدارة العامة نشرت بلاغا أكّدت من خلاله أنّ قواتها الأمنية لم تُجرّد الشاب من ملابسه وإنّما هو من أقدم على ذلك الفعل لذا قاموا بتعنيفه وسحله، ككلّ مرّة يتمّ تلفيق التُهم الكيدية للشباب المهمّش المُفقّر خاصّة أبناء الأحياء الشعبية. كما أنّ الناطق الرسمي باسم الادارة العامة للأمن الوطني العميد وليد حكيمة صرّح أنه وعلى إثر قيام دورية تابعة لمنطقة الامن الوطني بسيدي حسين بالتمشيط، تمّ رصد نفر في حالة سكر مطبق محدثا الهرج والتشويش بالطريق العام متلفظا بكلمات نابية لتتوجّه له الدورية المذكورة قصد التحري معه إلا أنه دخل في حالة هيجان وقام بتجريد نفسه كليا من ملابسه أين تم محاولة السيطرة عليه نظرا للحالة الهستيرية التي كان عليها. وبهذه الطريقة تملّصت قوات الأمن من مسؤولية تعرية الشاب وتعذيبه وسحله ولم تأبه الإدارة العامة للأمن الوطني بالفضيحة والعار الذي لحق تونس بعد عشرة سنوات من الثورة والكرامة ويُسحل فيها شاب عاريا في الطريق العام وإنّما همّها كان الدفاع عن منظوريها.
لنُشر في هذا الإطار أنّ مقاطع الفيديو المتداولة على الفيسبوك تبيّن بوضوح أنّ قوّات الأمن هي من قامت بتعرية الشاب، حيث تعمّد أحد الأعوان جرّه وتجريده من سرواله بينما منعه عون أمن ثان من ارتداء ملابسه وقام برميها بعيدا عنه وركله في منطقة حساسة ثم جرّه مرة ثانية الى سيارة الشرطة وارغامه على المشي عاريا. الناطق الرسمي باسم محكمة تونس 2، فتحي السماتي، أكّد أنه يوجد العديد من الروايات بشأن مقطع الفيديو، وحاليا يتم التحقيق في هل تعمّد الشاب تعرية نفسه أمام أعوان الأمن أم هل قاموا باستخدام العنف المبالغ فيه ضده، وتعهّدت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس 2 بفتح تحقيق وأفاد أنّ التحقيق سيشمل كذلك، الوفاة المسترابة للشاب أحمد بن عمار. أما وزارة الداخلية، قدّ أعلنت أنّها قامت بإيقاف الشاب بتهمة الاعتداء على الأخلاق الحميدة والتجاهر بما ينافي الحياء وأفادت في بلاغ لها أنّ المواطن المذكور كان في حالة سكر مطبق، وعند توجه الدورية إليه للتحري معه تعمّد التجرد من ملابسه في الطريق العام في حركة استفزازية لأعوان الأمن.
نائب رئيس مجلس نواب الشعب، طارق الفتيتي عبّر عن صدمته واستنكاره من واقعة تجريد الشاب من ملابسه وسحله في الطريق العام عاريا بسيدي حسين على مرأى و مسمع الجميع وصرّح قائلا "لم أستطع النوم ..من هول مقطع الفيديو الذي شاهدناه على مواقع التواصل الاجتماعي، مهما كان الجُرم الذي ارتكبه الشاب لا يمكن بأيّة حال أن نرى صورة مسيئة مهينة تسيء للمؤسسة الأمنية وللشعب التونسي ثانيا وللدولة التونسية التي أصبحت صورتها على المحك، هذه المشاهد لم أشاهدها في حياتي بإستثناء في سجون أبو غريب أبان الاعتداءات الهمجية للمارينز الأمريكي تجاه العراقيين''. و دعا الفتيتي رئيس الحكومة هشام المشيشي باعتباره وزيرا للداخلية بتقديم الإعتذار للشعب التونسي ودعا المدير العام للأمن الوطني لفتح بحث تحقيقي لتحميل المسؤوليات، قائلا: "لا نسمح أن تداس كرامة أي مواطن تونسي". النائب سامية عبو اعتبرت أنّ تجريد الشاب من ملابسه وتعريتِه هو بمثابة تعرية تونس بأكملها ودعت باكية إلى إعلان الحداد عن تونس ومؤسساتها التنفيذية والتشريعة وحتى القضائية وأشارت أنّ السلطة التنفيذية استقالت من مهامها وتحولت لمهمة قتل الشعب وشبابه.
مكتب مجلس نواب الشعب، في بيان له اليوم الخميس، دعا السلطات العمومية إلى توفير الحماية الجسدية والقانونية والرعاية الطبية والنفسية للشاب الذي تمّ سحلُه من قبل القوات الأمنية بمنطقة سيدي حسين السيجومي ودعا السلطات العمومية إلى فتح تحقيق جدّي في ملابسات هذه الحادثة الشنيعة، وتحديد المسؤوليات ومحاسبة كل من يثبت تورّطه في هذه الواقعة. واعتبر مكتب مجلس نواب الشعب أنّ ما أقدمت عليه القوات الأمنية ضدّ من اعتداء عنيف وشنيع هو غريب على ثقافة المجتمع التونسي وأشار أنّ هذه الممارسات معزولة ومنافية تماما للقيم والأخلاق ولممارسات أمن تونس الجمهوري.
سحل، ضرب، تمزيق ملابس، عنف، ركل بالأقدام، بكلّ وحشية ودون رحمة أو شفقة، تلفيق تُهم كيدية وافتعال جرائم دون عقاب، صراع سياسي عقيم ولّد أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية ومالية لا حلّ لها، هذه حالة تونس بعد عشرة سنوات من ثورة الحرية والكرامة. تجريد القوات الأمنية للشاب ابن سيدي حسين بالعاصمة من ملابسه وسحله عاريا أمام كلّ الناسّ في الطريق العام وتعنيفه هو تعرية لتونس وحقيقتها وكشف لكذبة المسار الديمقراطي ووهم الثورة أمام كلّ العالم.
يـسرى ريـاحي
تعليقك
Commentaires