أزمة شركة الستاغ قد تُغرق البلاد في الظلام الحالك
على غرار معظم المؤسسات العمومية، تعيش الشركة التونسية للكهرباء والغاز (الستاغ) صعوبات مالية كبرى .. فهذه الشركة قد تنهي سنة 2019 بعجز مالي قدره 5 ملايين دينار، دون اعتبار مبالغ التعويض. فانزلاق الدينار التونسي والفصل بين عمليتي الشراء والبيع بالنسبة إلى الغاز وعدم احترام التزامات الدولة وتعهداتها بتغطية العجز المسجّل والديون المتخلّدة بذمة حرفائها، كلها عوامل أضرّت بالتوازنات المالية للستاغ .. وهو ما قد يُغرق البلاد في ظلام حالك، إذا لم يتم اتخاذ الحلول اللازمة.
الوضعية المالية للشركة التونسية للكهرباء والغاز (ستاغ) تدهورت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة .. عوامل كثيرة مباشرة وغير مباشرة تقف وراء الوضعية الحالية للشركة. في وثيقة مُوجّهة لمجلس إدارة الستاغ تحصلت "بيزنس نيوز" على نسخة منها، حاول منصف الهرابي، المدير العام للشركة تسليط الضوء على الوضعية الراهنة وتوضيح مسبباتها.
حسب هذا المسؤول تعود مشاكل الشركة بالأساس إلى عامل رئيسي وهو أن الستاغ كانت عاجزة على تغطية التكلفة الحقيقية للكهرباء والغاز: معدّل هذا العجز خلال الفترة ما بين 2011 و2017 كان في حدود 30 بالمائة بالنسبة إلى الكهرباء و45 بالمائة بالنسبة على الغاز. علما بأن الشركة تستهلك الغاز بنسبة 95 بالمائة لإنتاج الكهرباء .. كما أن انزلاق الدينار وارتفاع سعر النفط كانت لهما انعكاسات هامة على التكلفة فكل زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط ينجر عنها زيادة ب 47 مليون دينار في فاتورة استهلاك الغاز وكل تراجع ب10 مليمات مقابل الدولار ينجر عنه زيادة ب20 مليون دينار في تلك الفاتورة ذاتها.. بالإضافة إلى ذلك فإن 60 بالمائة من الإحتياجات الجملية للستاغ تتم تغطيتها من الغاز المستورد من الجزائر بسعر تفاضلي، أما الكمية المتبقة فهي متأتية من الغاز المحلي لكن بسعر السوق العالمية جزء منه بالعملة الصعبة.
فماهي العوامل التي تسببت في الإخلال بتوازنات الشركة ؟ بكل بساطة هو قرار لمجلس وزاري منعقد يوم 30 ديسمبر 2014 ينص على الفصل بين شراء الغاز الطبيعي وبيعه وبين المؤسسات العمومية المعنية، مع مساعدة الشركة من خلال ضخ تسبقات لفائدتها. إلا أن هذا القرار الأخير لم يطبّق إلا جزئيا. ففي أوخر ديسمبر 2017 سجلت الستاغ عجزا متراكما يتجاوز 9ر1 مليار دينار وهو رقم كان سيتجاوز الملياري دينار باحتساب الإعتمادات المرصودة بعنوان التعويض وهي في حدود 2ر1 مليار دينار .. لذلك ينتظر أن تنهي الشركة سنة 2019 بعجز يبلغ 5 مليارات دينار، دون احتساب التعويض..
كما ان الديون المتخلدة بذمة حرفاء الستاغ زادت في تعقيد الأمور فالفواتير غير المسددة بلغت قيمتها الجملية ما لا يقنع عن 1,46 مليار دينار من بينها 700 مليون دينار تخص الإدارات والمؤسسات العمومية. تضاف الى ذلك الاستثمارات الواجب على الشركة إنجازها لصيانة شبكتها وتعصيرها. فحتى موفى 2018 كانت شركة الستاغ مطالبة بديون لفائدة مزوديها المحليين والأجانب في حدود 1,2 مليار دينار (بالعملة المحلية والعملات الأجنبية). الى جانب ذلك فإن الشركة بصدد الاستثمار في مشاريع كبرى منها اقتناء تجهيزات جديدة وتطوير وتعصير شبكتها والقيام بمشاريع للطاقة المتجددة.
الكلفة الجملية لهذه المشاريع بلغت في 2018 اكثر من 1,25 مليار دينار، من بينها 65 % ممولة عن طريق قروض أجنبية و30 % عبر التمويل الذاتي. وينتظر ان تستثمر الشركة في 2019 بما قيمته 1,33 مليار دينار بنسب قريبة مما ذكر آنفا بخصوص مقدار القروض الخارجية مقارنة بالتمويل الذاتي.. إلا أن عدم احترام الستاغ لتعهداتها إزاء الأطراف الممولة لها قد يدفع بتلك الأطراف بالمطالبة بمستحقاتها حتى قبل حلول آجالها. في السابق لجأت الشركة لقروض قصيرة المدى ولتراخيص استثنائية من البنك المركزي التونسي لسداد مستحقات مزوديها بالاقساط للتخفيف من تأثير تغير نسب الصرف.
جاء في الوثيقة ذاتها إشارة الهرابي إلى عديد الحلول الكفيلة بتحسين وضع الستاغ من ضمنها مراجعة التعريفة والتي ضخت ما قدره 500 مليون دينار من المداخيل الإضافية في 2018. ففي شهر أوت الماضي زادت الشركة في تسعيرتها وهو ما انعكس على فواتير حرفائها بزيادة قدرها 13 % بالنسبة إلى الأشخاص و23 % بالنسبة الى الصناعيين .. هذه الزيادة لم تحل المشكلة لكن إقرارها كان افضل من عدمه.
المدير العام للشركة دعا أيضا إلى تحويل التعويضات اللازمة بعنوان سنتي 2018 و2019 أي ما يقابل 4,7 مليار دينار (دون احتساب تأثير الصرف)، مطالبا بتنفيذ قرارات المجلس الوزاري المنعقد في نوفمبر 2017 وبأن تسدد المؤسسات العمومية ديونها المسجلة بعنوان 2017 أو أن تتولى وزارة المالية تسديدها عوضا عن تلك المؤسسات.
لكن بالتوازي مع كل هذه الحلول فإن شركة الستاغ بحاجة ملحة للسيولة فضلا عن البحث عن خطوط تمويل بالعملة الصعبة تمكنها من مواجهة التزاماتها وتعهداتها ومن اقتناء حاجاتها من الغاز الطبيعي.
هذه الوضعية المتأزمة التي توجد عليها الشركة، دفعته بالأطراف النقابية للدخول على الخط واجراء العديد من التحركات الاحتجاجية آخرها كان الأسبوع الماضي إذ نفذ عمال الستاغ اعتصاما مفتوحا يوم غرة مارس 2019 بالمقر الاجتماعي للشركة، مطالبين بعدم التجديد للمنصف الهرابي الذي بلغ سن التقاعد، فبالنسبة اليهم كانت مدة اشرافه على الشركة (جانفي 2017-فيفري 2019) فاشلة وتفاقمت من أزمة الستاغ وعجزها المالي.
في الواقع فإن التقرير عدد 31 لدائرة الحاسبات لسنة 2018 لم يشر إلى سوء تصرف من قبل الهرابي لكنه في المقابل أثار سوء استخدام في ما يتعلق بمجانية الاستهلاك لفائدة أعوان الشركة والتي بلغت 11,33 مليون دينار في 2014 كما ان حجم التعويض بلغ 3,95 مليون دينار. فهل أن الأعوان مستعدون للتخلي عن جزء من المزايا التي يتمتعون بها أو من الزيادات في أجورهم لإنقاذ شركته؟ لا يبدو الأمر بديهيا.
من جهتها لم تبق الحكومة مكتوفة الأيدي بل هي بصدد وضع خطة لإنتاج الطاقات المتجددة بما من شانه التقليص من العجز الطاقي ومن اللجوء لمصادر الطاقة التقليدية وبالتالي توفير مداخيل لا يستهان بها لفائدة الشركة التي تطمح إلى انتاج 1 جيغاواط في غضون 2020 أي ما يعادل 5 اضعاف الطاقة الحالية.
لا شك في أن التسريع بتركيز إصلاحات هيكلية اصبح حاجة ملحة اكثر من أي وقت مضى من اجل انقاذ البلاد فمعظم المؤسسات والشركات العمومية تمر بصعوبات كبرى مالية بالأساس لم تتمكن من التخلص منها وكانت نتيجة هذا الوضع تفاقم ديون هذه المؤسسات الى درجة استحال معها السير العادي للعمل وتعثر خدماتها .. وهنا يتوجب على الدولة ان تتدخل بشكل عاجل لتسوية الملفات ذات الأولوية. فمنذ الثورة اكتفت الحكواتي المتعاقبة بإخماد النيران المشتعلة هنا وهناك. لكن المطلوب هو إقرار إصلاحات هيكلية عبر إصدار حزمة من القوانين في الوقت الذي مازالت فيه بعض مشاريع القوانين ترقد في رفوف البرلمان.. كيف نطلب من نواب الشعب أن يجتهدوا في النظر في مشاريع لفائدة البلاد قد تفقدهم كراسيهم في الانتخابات المقبلة في حين أنه بإمكانهم الاكتفاء بأنشطة وخطابات شعبوية تضمن لهم إعادة انتخابهم ؟...
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires