أزمة البعث العقاري في تونس .. المؤشرات والأرقام تغني عن كل تعليق
كل المؤشرات والأرقام تؤكد ان 2018 كانت سنة كارثية بالنسبة الى قطاع البناء والبعث العقاري.. من ذلك ان مؤشر قطاع مواد البناء سجل تراجعا ب 12,23 بالمئة خلال العام الماضي كما ان مداخيل الباعثين العقاريين الثلاثة المدرجين في البورصة تراجعت الى مستوى النصف وهو ما تعكسه الأرقام التالية
فالأداء على القيمة المضافة المفروض في 2018 على القطاع العقاري وهو غير خاضع للاسترجاع (طوال سنة 2018 والى غاية تعديله بالمصادقة على قانون المالية الجديد لسنة 2019) مثل ضربة قاضية للباعثين. ففي حين كان القطاع يشكو ارتفاعا في مختلف المدخلات، تم إقرار أداء ضريبي جديد صدرت الأوامر التطبيقية المتعلقة به بعد 3 أو 4 اشهر من ذلك القانون، بالإضافة إلى الزيادات المتتالية التي شهدتها نسبة الفائدة في السوق النقدية وهو ما زاد الطين بلة وشل القطاع.. وخير دليل على ذلك الأرقام التي سجلتها الشركات المدرجة في البورصة الى موفى سبتمبر 2018 الا ان الحكومة بسبب جشعها خسرت على كل الأصعدة إذ ان المداخيل تراجعت في ظل الازمة الحادة التي يمر بها قطاع البناء.
من ذلك ان الأرقام التي حققتها الشركات الثلاث المدرجة في البورصة خلال 2018 تقف خير شاهد ودليل على هذا الاستنتاج .. فمداخيل شركة "السكنى" العقارية تراجعت من 20,96 مليون دينار في أواخر 2017 الى 10,56 مليون دينار في موفى 2018 .. كذلك الشأن بالنسبة الى شركة سينبار التي تقهقرت من 15,60 م د الى 7,88 م د وهو المصير ذاته الذي عرفته الشركة العقارية التونسية السعودية التي تراجعت مداخيلها من 5,51 م د الى 2,49 م د خلال الفترة ذاتها أي ان رقم معاملات هذه الشركات قد تراجع بنسبة 50 بالمئة تقريبا.
خلال الإعداد لصياغة قانون المالية لسنة 2018 كان البعثيون العقاريون نبهوا الى عواقب هذا الفصل من القانون لكن تحذيراتهم لم تجد اذانا صاغية .. يكفي العودة الى أرقام معاملات الشركات العقارية المدرجة في البورصة وباجراء عملية حسابية بسيطة جدا بخصوص مداخيل هذه الشركات (42,07 م د) كانت تأمل الحكومة في حصد مداخيل بعنوان الأداء على القيمة المضافة في حدود 5,47 م د في 2018 لتصل الى 7,99 م د مع سنة 2020 .. والحال انه بإقرار هذه الضريبة وتراجع مداخيل تلك الشركات العقارية (20,93 م د) فان الحكومة لن تجني في افضل الحالات اكثر من 2,7 م د في 2018 و3,97 م د في 2020 هذا في صورة ما لم تستفحل أزمة القطاع اكثر وهو ما قد يهدد جزءا لا يستهان به من الاقتصاد الوطني.
قد يذهب العديد من الملاحظين الى القول بأن هذه الأرقام تمثل رغم ذلك مداخيل إضافية للدولة .. لكن بشكل ملموس وبالنظر الى انخفاض المداخيل، فان الجباية ستخسر الأداء على مرابيح تلك الشركات والتي قد تتقلص بشكل ملحوظ .. بعض الأصوات من داخل القطاع تتحدث عن ان العديد من شركات البعث العقاري قد تسجل عجزا خلال هذا العام.
كما ان الدولة خسرت من مداخيلها بعنوان معالم التسجيل .. فتراجع البيوعات يعني بالضرورة تقلص المداخيل وبذلك فان إقرار هذا الأداء الضريبي الجديد بالإضافة الى تأخر صدور النصوص التطبيقية وارتفاع نسبة الفائدة في السوق النقدية وتضخم أسعار مختلف المدخلات كلها عوامل زادت من تأزيم وضعية القطاع.
منذ ثلاثة شهور كانت Business News تطرقت الى بعض التسريبات مفادها أن الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية (سنيت) لم تبع سوى شقتين اثنتين بكلفة 160 الف دينار. أواخر شهر ماي 2018 اعلن فهمي شعبان رئيس الغرفة النقابية الوطنية للباعثين العقاريين ان 24 شقة فقط بيعت منذ بداية العام والى غاية تاريخ هذا التصريح.
قطاع البعث العقاري يعيش أزمة حادة وهو امر واقع لا ريب فيه .. أزمة شملت أيضا قطاع البناء بمختلف مكوناته المترابطة على غرار الخشب ونجارة الاليمنيوم ومجال الربط بالماء والكهرباء والرخام.. فضلا عن الخدمات العمومية مثل الستاغ والصوناد والبلديات والولايات وديوان التطهير والحماية المدنية .. وهي خدمات ستتأثر حتما بهذه الازمة وهو ما سينعكس عاجلا أم اجلا على سوق العمل بحذف عدد من مواطن الشغل .. ومن هنا تأتي حتمية اتخاذ قرارات عاجلة لإنقاذ هذا القطاع ومواطن الشغل تلك من أزمة ممنهجة قد تمس من الاقتصاد الوطني برمته.
ومن بين الحلول المقترحة للخروج من هذه الازمة دعا بعض الباعثين العقاريين الى فرض أداء على القيمة المضافة في حدود 7 بالمئة تشمل الجميع أي الباعثين والخواص الى جانب إقرار معلوم بعنوان التسجيل قدره 25 دينارا عن كل صفحة وكل نسخة عند اقتناء عقار من الباعثين مع الغاء كل الاداءات الأخرى بما ان القطاع اصبح خاضعا للاداء على القيمة المضافة.
وهو ما ذهب اليه التقرير الصادر عن مجلس التحاليل الاقتصادية الذي يراسه عفيف شلبي ويتضمن 100 اجراء لانعاش القطاع للفترة 2019-2020 .. فقد اوصى التقرير بمراجعة مسالة الأداء على القيمة المضافة بعنوان بيع المساكن بإقرار معالم قارة في حدود 100 دينار بالنسبة الى المساكن الجديدة ومعلوم التسجيل بالنسبة الى المساكن القديمة.
إجراءات أخرى يمكن اتخاذها للغرض من بينها على سبيل الذكر لا الحصر الغاء ترخيص الوالي لاقتناء العقارات من قبل الأجانب على الأقل انطلاقا من بعض المبالغ الهامة .. كما يقترح بعض الباعثين العودة الى العمل بالقروض السكنية بنسب فائدة مدروسة وتفاضلية.
كما ان غرفة الباعثين العقاريين ووزارة الإشراف بإمكانهما دراسة سبل تعصير مواد البناء بما من شانه التخفيض في كلفة بناء العقار الى جانب التفكير في النهوض بالتكوين المهني الموجه لليد العاملة.
لا يختلف اثنان في ان قطاع البعث العقاري هو مؤشر لمدى تطور اقتصاد أي بلد ففي ازدهار قطاع البناء انتعاش كل القطاعات الأخرى والعكس صحيح .. وبالتالي فان أزمة القطاع تعد مؤشرا خطيرا يجب عدم إهماله أو التغافل عنه وهو ما يحتم على الحكومة اتخاذ إجراءات وقرارات شجاعة لفائدة هذا القطاع الهام والحساس.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires