أزمة الغذاء : تونس تلجأ الى الحلول "الترقيعية "
كما كان منتظرا أثرت الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد التونسي بشكل كبير وهو ما يثبته ارتفاع اسعار المواد الغذائية خلال الأشهر القليلة الماضية . وهكذا ، وعلى الرغم من نقص العرض لبعض المنتجات القائمة على الحبوب (الدقيق ، والسميد ، والخبز ، وما إلى ذلك) ، و هو الحال بالنسبة للسكر والزيوت النباتية ، انفجرت تكلفة المواد بشكل رهيب . و ارتفعت قيمة الواردات الغذائية بنحو 40.7 بالمائة لتسجل 5.9 مليار دينار . من جانبها ارتفعت قيمة الصادرات بنسبة 30.6 بالمائة لتسجل 3.8 مليار دينار الامر الذي أدى الى تسجيل عجز في المبادلات بلغ 2.1 مليار دينار لتنخفض نسبة التغطية بنسبة 63.8 بالمائة .
و بحسب ارقام المرصد الوطني للزراعة التي نشرها اليوم الخميس 29 سبتمبر 2022 ارتفعت فاتورة الحبوب و بصفة خاصة بالنسبة للقمح الصلب. وزاد الإنفاق على هذه المادة ، التي تمثل 54.3 بالمائة من الواردات الغذائية ، بنسبة 48.9 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية .
و للاشارة تعد أوكرانيا ثاني مصدر للحبوب بجميع أنواعها بعد الولايات المتحدة الأمريكية . و في سنة 2020 قامت أوكرانيا بحصاد 65.4 مليون طن من الحبوب في مساحة 15.3 مليون هكتار ، و في موسم الحصاد سنة 2020/2021 . و صدرت أوكرانيا حوالي 27.57 مليون طن من الحبوب موزعة كالتالي : 12.75 مليون طن قمح ، 3.89 مليون طن من الشعير ، 10.52 مليون طن من الذرة ، و 81.2 ألف طن من دقيق القمح .
و تحتاج تونس الى حوالي 30 مليون قنطار سنويا من الحبوب أي ما يعادل 3 مليون قنطار شهريا تتوزع تقريبا كالتالي : 1,07 مليون قنطار قمح صلب ، 1 مليون قنطار قمح ليّن و0,95 مليون قنطار من الشعير ، في المقابل تقوم تونس بإنتاج ما يقارب 10 مليون قنطار فقط سنويا ما يدفعها الى استيراد حوالي 70 بالمائة من حاجياتها من الحبوب .
و تتوجه تونس الى استيراد الحبوب وسط ارتفاع في قيمتها السوق العالمية اذ تضاعفت قيمة واردات الحبوب من قمح لين ، قمح صلب و شعير خلال ال 10 سنوات الأخيرة ، ففي الوقت الذي بلغت فيه سنة 2010 ، 727.300.207 دينار و 1.536.342.301 دينار سنة 2019 ، وصلت قيمة الواردات من الحبوب الى حدود 1.998.807.934 دينار سنة 2020 .
و بلغت كمية الحبوب الموردة سنة 2010 2.103.559 طن و 2.119.474 طن سنة 2019 و سجلت ارتفاعا طفيفا سنة 2020 وبلغت 2.783.853 طن ، و للإشارة يكلف قنطار واحد من القمح المستورد الدولة التونسية 110 دينار .
في نفس السياق ارتفعت قيمة واردات السكر والزيوت النباتية بنسبة 109.5 بالمائة و 65.6 بالمائة على التوالي مقارنة بنفس الفترة الفترة من عام 2021. و يذكر أن ميزان تجارة المواد الغذائية سجل في نهاية شهر اوت 2022 عجزا قدره 2154.4 مليون دينار ، بنسبة تغطية 63.8 بالمائة ، و بانخفاض 2.2 نقطة مئوية مقارنة بشهر جويلية 2022.و تفاقم عجز الميزان التجاري الغذائي بنحو 17 بين شهري جويلية وأوت و وصل الى حدود إلى 2.1 مليار دينار .
بالإضافة إلى ذلك ، ووفقًا للمرصد الوطني للزراعة ، انخفض إنتاج الحليب في نهاية شهر جويلية 2022 مقارنة بالعام السابق بنسبة 1.2 بالمائة ، بينما انخفض التحصيل في نهاية أوت 2022 إلى 4.9 بالمائة . نفس الشيء بالنسبة لإنتاج البيض الذي انخفض أيضًا بنسبة 1.2 بالمائة في نهاية شهر اوت الماضي . من جانبه ، زاد إنتاج الدواجن بنسبة 2.6 بالمائة في نهاية شهر اوت 2022. وتجدر الإشارة في هذا الاطار الى تحديد المرصد لمساحة المقررة لزراعة الحبوب لموسم 2022/2023 بحوالي 1.27 مليون هكتار منها 850 ألف هكتار في الشمال و 419 ألف هكتار في الوسط والجنوب.
و امام تفاقم أزمة الغذاء صادق رئيس الجمهورية قيس سعيد على اتّفاق قرض بين الجمهورية التونسية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية و هو القرض المسند لديوان الحبوب بمبلغ قدره مائة وخمسون مليون وخمسمائة ألف أورو للمساهمة في تمويل مشروع الاستجابة لصمود الأمن الغذائي.
و سبق و ان أعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ، منذ شهر أوت الماضي ، إلى أنه "وقع قرضا سياديا مضمونا بقيمة 150.5 مليون يورو مع ديوان الحبوب لتمويل واردات القمح اللين والقمح الصلب" والشعير ، وهو ما يمثل 15 بالمائة من احتياجات الاستهلاك السنوي لتونس.
وأوضح البنك في بيانه الصحفي أن "الحرب ضد أوكرانيا قللت بشكل كبير من قدرة البلاد على تصدير الحبوب وتسببت في حدوث اضطرابات في إمدادات الحبوب في العالم ، فضلاً عن ارتفاع الأسعار العالمية. أثرت بشكل مباشر على بلدان جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط ، وبعضها من بين أكبر مستوردي الحبوب في العالم ".
قد يكون الاقتراض حلا لأزمة الغذاء لكنه حل وقتي ، و لا يساعد في حل الازمة بل يؤدي الى تفاقمها بسبب كثرة الديون و التي سيكون على تونس سدادها ، و في الوقت الذي كان من الاجدر اللجوء الى أسواق جديدة على و ايجاد حلول بديلة عبر دعم الانتاج التونسي تلجأ السلط التونسية الى الاقتراض مجددا .
رباب علوي
تعليقك
Commentaires