alexametrics
الأولى

حرية الصحافة والقانون: علاقة جدلية

مدّة القراءة : 4 دقيقة
حرية الصحافة والقانون: علاقة جدلية

 

 

تُعتبر تونس من بين البلدان العربية القليلة التي تتمتع بحق حرية التعبير، وتضمن حرية الصحافة والطباعة والنشر، فبعد إسقاط نظام بن علي وكسر أسطورة الحزب الواحد والرأي الواحد نشأت فكرة الحرية وترعرعت في العقول حتى وجدت موطئها بقوة التشريع القانوني في دستور البلاد الذي يمثل أعلى سلطة في التسلسل الهرمي للقوانين، وتمكن التونسيون من التعبير بكل حرية  ودون قيود، وتدفقت المعلومات بكل حرية فخرجت فسيفساء متنوعة للمشهد الإعلامي من إذاعات وتلفازات ومواقع وصحف من كل الاتجاهات والأفكار، بعد عقود من هيمنة الآلة السلطوية على قطاع الإعلام، حيث كانت السلطة هي التي ترخص لبعث مؤسسات إعلامية ويتم ذلك وفق مقاييس الولاءات والمحاباة.

 

 وكان دستور 2014 مشبعا في تنصيصه على الحقوق والحريات في الفكر والتعبير والمعتقد والضمير ليعلن مرحلة جديدة في حرية الإعلام في تونس. وقد ضمن الدستور في فصله ال 31  حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مع التنصيص على عدم ممارسة أي نوع من الرقابة المسبقة على هذه الحريات، كما أقر الفصل 32 أن الدولة تضمن الحق في الإعلام وفي النفاذ الى المعلومة، وأقر المرسوم عدد 116 بإحداث هيئة مستقلة تعنى بالقطاع السمعي البصري وتم إعلانها رسميا يوم 3 ماي 2013 مع رمزية التاريخ، الذي يتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة وتم إحداث هذا المؤسسة  ذات الدور التعديلي لضمان حيادية السلطة التنفيذية على قطاع الإعلام ولضمان الحرية والتعددية، وتم ضمان حرية الصحافة والطباعة والنشر وفق ضوابط مهنية محددة بتجنب الثلب والشتم والإدعاء بالباطل وانتهاك العرض وكل ما يتعارض مع أخلاقيات المهنة الصحفية.

 

علاوة على ترسانة المعاهدات الدولية التي وقعت عليها تونس لحماية حرية الصحافة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 19 التي نصت على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية".

والقوانين الدولية كالعهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 في مادته عدد 19 التي نصت على أن لكل إنسان الحق في اعتناق ما يشاء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين في أي قالب وبأي وسيلة يختارها، ودون اعتبار للحدود.

وإعلان اليونسكو حول إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية.

فهذه القفزة النوعية التي حققتها تونس في مجال حرية الصحافة شكلت منعطفا جديدا في تاريخ حرية الإعلام في تونس بعد عقود من الزمن ظل فيها الإعلام التونسي تحت سيطرة السلطة التي تتحكم فيه بكافة أجهزتها.

وهذه القفزة النوعية أقرتها عديد المنظمات الدولية ودول أجنبية ثمنت ما حققته تونس في مجال حرية الصحافة، وكانت منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها الأخير قد أعلنت تقدم تونس ب 25 نقطة في مؤشر حرية الصحافة وأصبحت تحتل المرتبة 73 عالميا، وأرجعت هذا التقدم إلى تراجع وتيرة الاعتداءات على الصحفيين أثناء أدائهم لواجباتهم المهنية، لكن حلم حرية الصحافة في بعدها الوردي الجميل كثيرا ما اصطدم في تونس بواقع المفارقات حتى أن أكثر السياسيين الذي يقدم نفسه كحقوقي ومدافع عن حرية الصحافة والتعبير، هو أكثر سياسي قدم دعاوي قضائية ضدّ صحفيين في تونس، فمن الغريب أن يشتكي من قدم نفسه على أساس ابن الثورة والمدافع عن قيمها ودستورها أن يكون أول من يناقض قيمه.

فالرئيس السابق المنصف المرزوقي حطم الرقم القياسي في عدد الشكاوي التي قدمها ضدّ صحفيين في قضية ضدّ كل من الإعلامي حمزة البلومي ورئيسة تحرير برنامجه في 2014 إنصاف البوغديري في قضية فيديو مفبرك، وقضية أخرى ضدّ الصحفية شهرزاد عكاشة حول مقال في موقع الجريدة في جويلية 2015  وقضية ضدّ إذاعة الرباط  لمنعه من دخولها وقضية ضد الإعلامي سفيان بن حميدة على خلفية بقناة نسمة أنذاك ، حتى أنه رفع قضية ضدّ المدون الصحبي العمري بسبب تدوينة حول لقاء المرزوقي بسفير فرنسا.

بغض النظر عن وجاهة الدعاوي القضائية والحق والباطل فيها، فإن الحقوقي لم يراع هشاشة المرحلة الانتقالية وعدم استيعاب فكرة الحرية التي أنعشت البلاد بعد حالة من الجفاف وهو من كان يدافع عن هذه القيم.

فالرئيس السابق ومنذ اعتلائه كرسي قصر قرطاج قد دخل في مواجهة مباشرة مع الصحفيين وكثيرا ما اتهمهم بحملات تحريض ضدّه ولم يكف للحظة حتى بعد خروجه من الحكم، وكل ما أوتيت له الفرصة بالقول إن الصحفيين في تونس قد عادوه وهو من أطلق عليه منذ ولوجه الحياة السياسية في تونس نعته بإعلام العار.

إن حرية الصحافة كثيرا ما اصطدمت بمفارقتها ووجدت نفسها داخل حيز من المساومات وداخل إحراج سياسي وثقافي وديني وقانوني، ففي حالة قطع البث عن قناة نسمة نجد الكثير ممن نسوا أو تناسوا القانون ومنهم من دفعه التضامن القطاعي للدفاع عن انتهاك القوانين، فقطع البث عن نسمة رغم أنه إجراء مطابق للقوانين وتم تطبيق حتى التدرّج في تطبيق الإجراءات لتنفيذه، ودعوة القناة لعديد الجلسات لتسوية وضعيتها إلا أنها أبت وتابعت عملها وتنفيذ قرار غلقها لم يكن مفاجئا.

حتى أن بلاغ نقابة الصحفيين لم يدخل في منطق التضامن القطاعي وأقر بقانونية الإجراء وعبر عن تعاطفه مع الصحفيين.

فمفهوم حرية الصحافة يخضع لضوابط لتنظيمه وهنا تكمن جدلية حرية الصحافة والقانون، ولعل ما يعزز هذا القول أننا وبينما نستعد للإحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة يوم غدّ 3 ماي 2019  ،تمثل الدكتورة في علوم الإعلام والاتصال سلوى الشرفي اليوم أمام الفرقة الأولى لمكافحة الإجرام للحرس الوطني ببن عروس، على خلفية قضية رفعها ضدّها رئيس بلدية الكرم فتحي العوني بسبب تدوينة كتبتها الجامعية ونشرتها على صفحتها بموقع الفيسبوك، شبهت فيها الصراعات السياسية بصراع الصحابة حول الغنيمة مما أغضب الرسول مستندة لبحث تقوم به وفق ما يضمنه الدستور من ضمان للحريات أكاديمية والبحث العلمي، واتهمها المحامي العوني بالاِعتداء على الأخلاق الحميدة والتحريض على الكراهية والفتنة وتعكير صفو النظام العام استنادا للفصل 121 من القانون الجنائي والتعرّض والتشويش على ممارسة الشعائر الدينية .

فالدستور لم يحدد حدود التفكير وضمنها كاملة والقانون لم يحدد طبيعة التشويش على ممارسة الشعائر الدينية وهو ما يظهر جدلية ثانية لحرية التعبير في جدليتها بالقانون، مما يشبه الوضع في مصر وإعاقة التفكير وكل مفكر يخوض في أمور دينية واتهامه بتهمة ''إزدراء الأديان''.

 

وقد كان فتحي العوني أول من عارض تطبيق القانون لما منع عقد قران تونسية من أجنبي رغم تعليق العمل بمنشور 73 وبرر موقفه في ندوة صحفية بأن قراره مطابق للدستور الذي ينّص على الهوية العربية الاسلامية كما أمر بعدم تسجيل أسماء المولودين الجدد إلا بأسماء عربية، فالمحامي العوني يتعامل مع القانون حسب عواطفه، فحرية التعبير لسلوى الشرفي خالفت القانون وعدم امتثاله هو للقانون شرعية، فهو لا يؤمن بالدستور برمته وإنما حسب مصلحته  '' أ تؤمنون ببعض دستور وتكفرون ببعض؟''

يبدو أن حرية الصحافة في تونس لا تزال هشّة وتخضع للمساومة، وتظل حرية التعبير التي هي أساس حرية الصحافة، خاضعة لجدليتها بالقانون وبالسياسة وبالثقافة وبالدين ولعل أخطرها الدين حيث أن الكثيرون يحرضون ضدّ حرية الفكر والتعبير والصحافة من منطلق ديني يمكن أن يكون مدعاة للتكفير والاحتراب الأهلي.

سناء عدوني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter