alexametrics
الأولى

أزمة التعليم العالي بين "إجابة" والوزارة

مدّة القراءة : 4 دقيقة
أزمة التعليم العالي بين

 

لئن انطفأت قليلا شعلة مواجهات نقابات التعليم الثانوي والأساسي ضد وزارة التربية، حتى شهدت السّاحة التعليميّة أزمة حادّة داخل منظمة التعليم العالي والبحث العلمي، وهنا راح الطّلبة ضحيّة مزاجيّة القرارات التي تسنّها وزارة التعليم العالي وبين رفض اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين"إجابة" لهذه الأخيرة.

اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين، ويعرف اختصارا باسم إجابة هو نقابة تتجه إلى الأساتذة الجامعيين التونسيين من مختلف الرتب والأصناف، وظهرت إجابة بعد الثورة، وتمركزت في بعض الجامعات الداخلية وأساسا منها جامعة سوسة وجامعة المنستير وجامعة قفصة وصفاقس.

 

 قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بعدم تطبيق اتفاق 7 جوان 2018 مع إتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين"إجابة" ، الذي كان يجب أن يصدر في الرائد الرسمي منذ ديسمبر 2018، وينص هذا الإتّفاق على إحداث قانون أساسي جديد وإصلاح نظام “أمد” وغيرها من المطالب المهنية، كما تعمّدت الوزارة على إثر الإضرابات المتتالية لإجابة، القيام  بالتجميد الكامل لأجور الأساتذة الجامعيين  لمدّة شهرين، وأوقفت  التغطية الصحية والاجتماعية عليهم.

أثار هذا التصرّف حفيظة اتحاد إجابة، ووصفوا هذه القرارات بالغير دستوريّة والغير أخلاقية وحتى غير إنسانيّة في حق الأساتذة رغم أدائهم لكل المهام الموكّلة إليهم من تدريس وتأطير وبحث، واعتبر  عضو المكتب الوطني بنقابة "إجابة" عبد القادر بوسلامة، إنّ قطع الأجور بصفة كاملة وقطع التغطية الصحيّة عن أساتذة إجابة من قبل وزارة التعليم العالي هو بمثابة  عمل صهيوني بامتياز، مبرزا  إنّ هذه  الأساليب العدائيّة والقرارات الدكتاتوريّة التي استعملتها وزارة التعليم العالي ضد إتحاد إجابة لم يحصل مثلها في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وهذه سابقة خطيرة منذ الاستقلال، الهدف منها التنكيل والتجويع والتركيع لضرب الأستاذ الجامعي والجامعة العمومية.

وقام الأساتذة الباحثين بمجموعة من الإضرابات والإعتصامات المتواصلة في مقرّ الوزارة يوم 25 مارس 2019، على خلفيّة هذه القرارات وعدم تفعيل الإتفاق، وامتنعوا عن تقديم مواضيع الامتحانات والأعداد للطلبة واعتبروا  أنّ هذا حقّهم الدستوري والقانوني تحت نقابتهم القانونية "إجابة"، وأشاروا إلى أنّ مجلس الجامعات استشاري ولا سلطة له على الأساتذة الجامعيين الباحثين وهو فقط مجلس يتخفى وراءه الوزير لتمرير قراراته التعسفيّة، إذ ندّدوا في إعتصاماتهم بلغة التهديد والترهيب والوعيد التي يستعملها المجلس، معتبرين مثل هذه القرارات  لا تجدي نفعا مع الجامعيين الباحثين وأن أسهل طريق للوصول إلى حلول هو التفاوض الجدّي مع نقابة "إجابة".

حضي  إضراب اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثيين "إجابة" بالمساندة والدعم من قبل  اتحاد الأطباء العامين للصحة العمومية، واعتبروا أن هذا الإعتصام هو تحرّك إيجابي لنيل حقوقهم وضمان امتيازاتهم داخل الحرم الجامعي، أيضا عبّر إتّحاد الأطبّاء عن إستنكاره لقرار قطع الأجور ، مشدّدا على أنّ التعدّديّة النقابيّة هي حق دستوري، ولقيت هذه المساندة إستحسان إتحاد "إجابة" وتقدّم ببرقية شكر لإتحاد الأطبّاء مبينا فيها إنّ قضية الجامعة العمومية والصحة العمومية هي قضية واحدة.

أيضا رفع إتحاد "إجابة" قضية إستعجاليّة إلى المحكمة الإدارية في 22 مارس 2019، ضدّ القرار الوزاري القاضي بتجميد الأجور وإيقاف التغطية الاجتماعية، وحسب تصريحات المنسق العام الوطني لاتّحاد الأساتذة الجامعيين الباحثيين ''إجابة'' نجم الدين جويدة، فقد تطوّع  حوالي 20 محاميا للدفاع عن الجامعيين لإيقاف الإجراءات التعسفية ولتطبيق إتفاق 7 جوان الذي انقلبت عليه الوزارة على حد تعبيره، ولكن المحكمة رفضت هذه القضيّة.

 

بعد تصاعد وتيرة الإضرابات وتشنّج داخل صفوف الطلبة والخوف من المرور بسنة بيضاء، وجّه وزير التعليم العالي والبحث العلمي سليم خلبوس إستدعاء إلى إتحاد "إجابة" للحوار والتفاوض يوم 27 مارس 2019، ولكن جوبهت هذه الدعوة بالرفض، ونفى خلبوس في تصريحاته الإعلاميّة وجود خلاف في الجامعة بين الوزارة واتحاد "إجابة"، مبيّنا أنّ الخلاف الجوهري هو نقابي بالأساس، واكّد على تحيّزه للطالب وإنّ إرتهان الطلبة خط أحمر، موضّحا  أنّ الإضراب الإداري غير قانوني وغير موجود في النصوص القانونية التونسية، وقرار إقتطاع الأجور قانوني في الوظيفة العمومية بما أن العمل لم ينجز.

كما نفى المستشار لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي المكلف بالاتصال ادريس سايح، ما يتم تداوله حول رفض سليم خلبوس وزير التعليم العالي مقابلة اتحاد "إجابة"، مأكّدا  أنّ الوزارة قامت باستدعاء اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين يوم 21 مارس 2019، للحوار لكنّه رفض وأصرّ على مواصلة الاعتصام، وأوضح إنّ الوزارة قامت بتخصيص قاعة للأساتذة المضربين في  مرحلة أولى، لكن عددهم فات حجم القاعة وقامت بتوفير فضاء آخر محاذ للوزارة في مرحلة ثانية، لكنهم لم يوافقوا، وشدّد على  أنّ الإضراب الإداري الذي ينفذه اتحاد "إجابة" غير قانوني ولا يوجد إضراب مفتوح، وعدم الإيفاء بجزء من العمل يترتب عنه إيقاف صرف الأجر .

 أيضا دفع تعنّت الأساتذة الجامعيين الباحثين بمواصلة الإضراب داخل معظم الجامعات التونسيّة، إلى قيام  وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في 20 ماي 2019، بإصدار بيان عن رؤساء الجامعات، فيه ندّدوا واستنكروا لتصرّفات الأساتذة  المعتصمين، وفيه اتهام بتهديد  رئيسة جامعة قرطاج ونائبتها من قبل ممثلي "إجابة" بعد تنظيمهم لوقفة احتجاجية يوم 17 ماي 2019، واعتبر رؤساء الجامعات إضراب "إجابة" تعدّي صارخ على حرم الجامعة التّونسيّة وتعطيل لسير إمتحانات الطلبة وتعكير صفو التعليم العالي والعزم على المضي في سنة بيضاء والتي تضر بصفة كبيرة الطالب التونسي.

في هذا الإطار وبعد إنعقاد المجلس الوطني للمعتصمين، تمّ إقرار رفع اعتصام الجامعيين بمقر وزارة التعليم العالي بعد حصولهم على أجورهم، ولكن تقرّر أيضا التمسّك بالإضراب الإداري إلى حين تطبيق اتفاق 7 جوان 2018 الذي كان يجب أن يصدر في الرائد الرسمي منذ ديسمبر 2018.

 

وعلى خلفيّة أحداث جامعة صفاقس، في 31 ماي 2019، حيث نشرت على صفحتها  فيديو رصدته كاميرا المراقبة بالمدرسة العليا للتجارة بصفاقس، إذ يظهر اقتحام عدد من الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين "إجابة"،للمؤسسة الجامعية مع تعنيف وشتم حارسها الذي منع بالقوة عددا من الأساتذة بالمدرسة من الدخول لمدّ زملائهم المعتصمين بوجبة الإفطار، جاء الإعتصام داخل المؤسّسة على خلفيّة عدم احترام إدارة المدرسة العليا للتجارة بصفاقس حق أستاذة تنتمي لاتحاد "إجابة" في ممارسة الاضراب، وامتناع الإدارة من تسليم امتحان هذه الأستاذة للطلبة، هذا وفق تصريح المنسق العام الوطني لاتحاد "اجابة" "نجم الدين جويدة،  في هذا الإطار، تدخّل مجلس الجامعات التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وأصدر يوم 04 جوان 2019، بيانا يستنكر فيه كل أشكال العنف والشغب واللامبالاة  من قيادات ومنخرطي نقابة إجابة على مسؤولين وأساتذة وموظفين وأعوان بعدد من المؤسسات الجامعية، وشجّع المجلس كل من تعرّض للعنف اللّفظي أو المادي من قبل إتّحاد "إجابة" أن يتقدّم بشكوى قضائيّة، على غرار ما حصل في مدرسة المهندسين بسوسة وجامعة قرطاج والمدرسة العليا للتجارة بصفاقس، وبعد جلسة عمل طارئة  عقدها مجلس الجامعات بمقر الوزارة، تمّ الإتّفاق على ضرورة تسليم مواضيع الامتحانات المتعطلة قبل تاريخ 12 جوان 2019 حتى تنتهي السنة الجامعية في آجالها بالمؤسسات التي شهدت اضطرابات في سير إجراء الإمتحانات.

هذا وعقدت يوم  السبت 8 جوان 2019،  جلسة تفاوضية  بين وفد من المكتب التنفيذي لإتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين "إجابة" ووفد ممثل عن وزارة التعليم العالي برئاسة رئيس الديوان،  وشدّد إتّحاد إجابة  عن حسن نيته ورغبته في التفاوض من أجل تطبيق اتفاق 7 جوان 2018 على أرض الواقع وصدوره في الرائد الرسمي، وبيّن إنّ الإضراب متواصل، كما دعا الوزارة للقيام بكل الإجراءات من أجل التوقف الفوري عن محاولات ضرب الحق الدستوري للاضراب وهرسلة المضربين، وأوضح إتحاد إجابة بعد جلسة التفاوض انّه سيتم عقد 3 جلسات مقبلة مقرّرة مع وزارة التعليم العالي للتفاوض حول مختلف مطالب اتحاد إجابة.

 

تبقى أزمة التعليم العالي مفتوحة وغامضة في نتائجها في ظلّ تمسّك إتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين "إجابة" بمطالبهم الشرعيّة، ومماطلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تطبيق إتّفاق 7 جوان 2018 وإدراجه في الرائد الرّسمي، وهنا يضيع الطالب التّونسي الذّي لا دخل له في هذه الحرب بين الطرفين.

 

يسرى رياحي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter