أزمة الحليب في تونس تكشر عن أنيابها
لم يعد قطاع الألبان مورد رزقٍ للفلاحين و لا قطاعا جاذبا للمستثمرين ، فهو اليوم يعيش صعوبات من كل الجوانب بداية من الإنتاج وصولا الى البيع و التوريد. و قد تبدو أزمة قطاع الحليب جديدة للبعض في سياق أزمة اقتصادية شاملة ، لكنها في الأصل أزمة متجذرة و تعود إلى سنوات مضت و هي نتيجة اما لقرارات خاطئة أو لغياب القرارات.
قبل الحديث عن أزمة الألبان في تونس ، وجب التذكير أن بلادنا تستورد منذ التسعينيات الابقار من فصيلة هولستين ، يعود أصل هذه الفصيلة من الأبقار الى شمال غرب ألمانيا و هي تُنتج حوالي 30 كغم يومياً من الحليب ، الا ان انتاجها في تونس لم يصل الى هذا المعدل وهو لا يتجاوز بضع العشرات من الليترات لدى عدد هام من الفلاحين . و يعود ذلك بالأساس الى نقص في الاعلاف و غياب البيئة الملائمة لتربية الابقار و بالتالي لا توجد ظروف تسمح بدعم انتاجيتها . وهذه من أبرز الاسباب التي أدت الى تراجع المخزون الاستراتيجي من الحليب في تونس خلال شهري جويلية و أوت 2022 من 50 الى 20 مليون لتر ، مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021 .
و تراجع إنتاج قطاع الألبان خلال هذه السنة 2022 بشكل ملحوظ ، فبحسب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري نور الدين بن عياد، يعمل قطاع الألبان دون هامش ربح منذ 4 سنوات وتراجع الإنتاج فيه بنسبة 40 بالمائة هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية.
و أوضح مدير الإنتاج الحيواني بإتحاد الفلاحة منور الصغيري في تصريح اعلامي يوم 6 سبتمبر 2022 ، أنّ كلفة الإنتاج في مادة الحليب ارتفعت بسبب غلاء أسعار الأعلاف ، حيث أصبح الفلاح ينتج لتر الحليب بـ 1600 ملم بينما لا يتجاوز سعر البيع 1140 ملم مما خلق إشكالية كبرى، مشيرا الى أنّ تونس قد تضطر لتوريد الحليب من الخارج بأسعار مرتفعة بسبب الأزمة.
في نفس السياق قال حمدة العيفي ، رئيس الغرفة النقابية الوطنية لمراكز تجميع الحليب في تصريح إعلامي يوم الثلاثاء 13 سبتمبر 2022، أن منظومة الألبان تمر حاليا بمرحلة صعبة جدا بسبب إرتفاع أسعار الأعلاف وجميع مستلزمات القطاع ومتطلباته من أدوية ويد العاملة. وأفاد العيفي خلال الندوة الحوارية الإقليمية التي انتظمت بسيدي بوزيد حول المنظومات الفلاحية بالوسط الشرقي والغربي ، أنّه بالإمكان تخطي الصعوبات والعراقيل التي تهدد منظومة الألبان بواسطة فرض مبدأ تعديل الأسعار على مستوى الأعلاف والترفيع في منحتي تجميع وتخزين الحليب.
كما أشار العيفي إلى أنّ الوضع الحالي لمنظومة الألبان ينذر بالخطر ويمكن بلوغ مرحلة اليأس وفقدان مادة الحليب لو يتواصل صمت الجهات المسؤولة وعدم الاكتراث بإصلاح المنظومة ومحاولة النهوض بها.
وحول فقدان مادة الحليب ، قال رئيس الغرفة النقابية الوطنية لمراكز تجميع الحليب '' على الرغم من تراجع المخزون التعديلي لمادة الحليب من 45 الى 20 مليون لتر فقط فإن الحليب متوفر بشكل يومي لكنه يستوجب تدخلا عاجلا من الجهات المسؤولة مركزيا لتنظيمه وإنقاذه من خطر محقق ''.
من جانبها نبهت كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية من امكانية نفاذ المخزون الوطني للحليب الذي لا يتجاوز حاليا ما يعادل 15 يوما استهلاك، مشيرة الى إمكانية توريد الحليب من الخارج بالعملة الصعبة وبأسعار مرتفعة جدا بالمقارنة مع أسعار السوق التونسية خلال نهاية سنة 2022 " توريد الحليب وارد جدا إذا لم تتخذ السلطات المعنية القرارات اللازمة في الابان".
ودعت منظمة كونكت في بلاغ لها ، الحكومة التونسية للتحرك السريع لإنقاذ منظومة الالبان، إذ أن أسعار الحليب على مستوى الإنتاج لم تتغير منذ شهر أفريل 2021 رغم الارتفاع غير المسبوق في أسعار الأعلاف ومستلزمات التجميع والتصنيع مما انجر عنه في الاشهر الأخيرة تراجع في كميات الحليب المقبولة على مستوى المصانع بنسبة تقدر بين 20 و 30 بالمائة .
و أطلق أمين المال الغرفة الوطنية لمراكز تجميع الحليب عثمان العجرودي في تصريح لإذاعة موزاييك اف أم ، صيحة فزع أمام ما يعيشه قطاع الالبان من تدهور . و قال في تصريحه الإذاعي اليوم الثلاثاء 18 أكتوبر 2022 ، أن قطاع الألبان يعيش أسوأ حالاته خلال هذه السنة مؤكدا ان هذا الامر كان متوقعا " سبق وان نبهنا الى تراجع القطيع و الإنتاج و اليوم جزء من الأبقار يذهب الى الدول المجاورة و جزء يذهب إلى المسالخ هذا النقص كان في العادة يحدث في شهر ديسمبر" . و بحسب العجرودي ستلجأ تونس حتما إلى التوريد " لا يمكن تغطية حاجيات تونس من الحليب الى شهر ديسمبر و سبق و ان حذرنا من هذا الامر " . و ذكر عثمان العجرودي في تصريحه بمطالب الغرفة المتكررة بخصوص تكريس زيادة لفائدة المنتجين والمصنعين " الزيادة شملت جميع القطاعات الا قطاع الالبان و اخر زيادة للقطاع تعود الى سنة 2020 " .
يبدو أن أزمة الحليب ستتواصل لأشهر وسط صمت حكومي و غياب الإصلاحات ، و يبقى الفلاح الحلقة الضعيفة في هذه الدوامة ، الامر الذي دفع البعض منهم الى بيع منتوجاتهم و ابقارهم الى دول مجاورة . و ستُلقى أزمة الألبان بظلالها على قوت المواطن الذي سيجد نفسه امام ارتفاع منتظر في سعر الحليب و سيُلقي اللوم على الفلاح و على المنتجين لكن المسؤول الاول في هذه الازمة هي السلطة التي لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الإنتاج مع مراعاة قوت المواطنين .
رباب علوي
تعليقك
Commentaires