خروج تونس من قائمة مجموعة العمل المالي (غافي) .. مصالح المحامين قبل مصلحة الوطن ..!
يبدو أن خروج تونس من قائمة مجموعة العمل المالي (غافي) وبالتالي قائمة الإتحاد الأوروبي صار مرتبطا بشرط وحيد وهو مدى انخراط المهن غير المالية وعلى رأسها قطاع المحاماة في جهود الدولة في مجال مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
فرغم كل الموجودات المبذولة، قرر الإتحاد الأوروبي يوم 13 فيفري 2019، إبقاء تونس في القائمة السوداء لتمويل الإرهاب وتبييض الأموال وذلك بسبب عدم قيام بلادنا بما يلزم للاستجابة للمعايير المطلوبة من قبل مجموعة العمل المالي (غافي) التي سجلت وجود 7 ثغرات وإخلالات لم يبق منها إلا عامل واحد يعيق خروج تونس من قائمة الدول غير المتعاونة والتي حددتها (غافي) وهو أن تقبل مهن غير مالية (محامون، خبراء محاسبون، عدول ...) رفع السر المهني في قضايا محددة تتعلق بتمويل الإرهاب وتبييض الأموال.. لكن عدم الكشف عن المتهربين ضريبيا يبدو أنه خط أحمر بالنسبة إلى هذه المهن وفي مقدمتها المحامون، الذين يفترض بهم أن يكونوا في طليعة الحريصين على احترام القانون وتطبيقه، خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية الوطن من المخاطر التي تتهدده.
حسب المعلومات التي استقاها موقع "بزنس نيوز" فإن إيطاليا التي تترأس مع الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة بحث التعاون الدولي، كانت اقترحت خلال اجتماع لها، إرسال فريق من الخبراء التابعين لمجموعة العمل المالي (منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) من أجل زيارة تونس في ماي المقبل، حتى وإن لم تتم الاستجابة لكل المعايير لغاية الآن.. وقد تم تقديم هذا المقترح خلال جلسة عقدت بباريس وساندت هذا القرار كل من إيطاليا وفرنسا، إلا أن الأمريكان استعملوا حق النقض (الفيتو) وذلك إلى غاية انتهاء الأعمال، معتبرين أن عدم انخراط مهن غير مالية يعد عائقا وأنه لا يمكن أن تشكل تونس الاستثناء مقارنة بباقي الدول الأخرى المعنية بهذا الملف.
حسب مصادرنا فإنه يكفي أن يصادق البرلمان التونسي على مشروع هذا القانون لكي تبرمج مجموعة العمل المالي (منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) زيارة إلى تونس حتى يتم إدراجها في جدول أعمال الجلسة المقبلة لمجموعة (غافي) والتي تعقد مرتين في السنة، الأولى في جوان والثانية في أكتوبر)، حتى يتم سحب تونس من القائمة. من جهته أكد الاتحاد الأوروبي لتونس أنها ستسحب من تلك القائمة السوداء، في الشهر الموالي لقرار مجموعة (غافي).
لا شك أن تونس مطالبة بتحقيق خطوات إيجابية في 7 نقاط، لكن هذه النقطة بالذات تشكل عائقا أمام الحصول على قرار السحب من تلك القائمة، علما أن القانون المتعلق بالسجل التجاري قد وقع تمريره ولم يبق سوى النصوص التطبيقية .. وبخصوص القانون المتعلق بتجميد أموال الأشخاص والتنظيمات الداعمة للإرهاب فقد تم تعطيله في مستوى مجلس نواب الشعب.
الأكيد أيضا أن كون الدينار التونسي غير قابل للتحويل وأن كل التحويلات بالعملة الصعبة تمر حتما عبر البنك المركزي التونسي وبالتالي تتم مراقبتها آليا، كلها عوامل أسهمت بشكل كلير في إقناع مختلف الأطراف المعنية بأنه لا وجود لأي خطر من أن تصبح البلاد مركزا أو نقطة عبور لتمويل الإرهاب وتبييض الأموال .. ما يمكن أن يُعاب على تونس هو حجم الأموال التي يتم تداولها في السوق الموازية وهو أمر يمكن الحد منه بانخراط المهن غير المالية في جهود الدولة التونسية في مجال محاربة التهرب الضريبي والتهريب وهي أنشطة وثيقة الارتباط بتمويل الإرهاب وتبييض الأموال. الخبراء المحاسبون لهم دورهم البارز كذلك في مراقبة التحويلات المالية بين المؤسسات الأم وفروعها للتثبت من أنها ليست قواعد لانتقال المال الفاسد.
خلاصة القول هو أن ما يحدث في تونس اليوم ينطبق عليه المثل الشعبي القائل "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" .. فالأشخاص المسؤولون عن إدراج البلاد في القائمات السوداء، هم أنفسهم الذين ينتصبون اليوم في المنابر الإذاعة والتلفزيونية وعبر البيانات لإدانة ما يعتبرونه جمود الحكومة .. في طليعة هؤلاء، نواب الشعب الذين هم بصدد تعطيل بعض مشاريع القوانين الضرورية لتتمكن البلاد من المضي قدما، إلى جانبهم هناك أصحاب المهن الحرة وعلى رأسهم المحامون الذين انتفضوا ضد الفصل 36 من قانون المالية لسنة 2019، بل إنهم طعنوا في دستوريته وكان لهم ما أرادوا.. المشكل هنا هو أن في كل دول العالم، أو على الأقل في البلدان الديمقراطية التي تحترم ذاتها، فإن مثل هذه الآليات موجودة وينخرط فيها أصحاب المهن غير المالية ليشكلوا حصنا أمام الأنشطة غير المشروعة ويساعدوا بلدانهم على فضح الممارسات التي يدينها القانون، على غرار تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.. لكن الحال في تونس مغاير، فالمواطنون وخاصة المحامون الذي يفترض بهم أن يكونوا قدوة ومثالا يحتذى، ارتأوا أن مثل هذه الأمر مرتبطة بالسر المهني وبالتالي حماية مثل تلك الممارسات الممنوعة.
ما يثير الحيرة بخصوص ما يجري في تونس هو أن الأجهزة الرسمية التي من واجبها أن تتحلى بالشفافية وتعمل على حل هذه القضية، هي نفسها مقصِّرة وليست في المستوى المطلوب.. وهنا نذكر مثالا ملموسا وهو رفض اللجنة التونسية للتحاليل المالية، التموقع في قضية الأخوين عبد المؤمن ومنير الدايمي ، بالاكتفاء بنشر بلاغ غير واضح فاللجنة لم تنف وجود تقرير يدينهما وإنما نفت إصدار هذا التقرير الذي يقيم الدليل على تورطهما في قضايا تبييض أموال وتمويل الإرهاب وعلى أن أموالا طائلة تم تحويلها من حساباتهما البنكية لخدمة أغراض غير الأهداف الإنسانية التي يدعيانها.. لكن لجنة التحاليل المالية فضلت الصمت واتباع سياسة النعامة على أن تفضح تلك الممارسات.
خطوة واحدة فقط تفصل تونس عن الخروج من قائمة مجموعة (غافي) وبالتالي من قائمة الاتحاد الأوروبي .. لكنها خطوة يرفض أن يقطعها المحامون وغيرهم من أصحاب المهن غير المالية الذين يعتبرون أن الدفاع عن تمويل الإرهاب وتبييض الأموال مرتبط بالسر المهني لذلك يجب الإستماتة في الدفاع عنه حتى وإن كان تصرفهم هذا على حساب مصلحة الوطن .. وكم من حماقات ترتكب في حق الوطن من قبل من يتشدَّقون بالوطنية...
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires