خطّة قيس سعيّد: إختراق الدستور وتركيز نظام حُكم رئاسي وتعيّين وزير أوّل
تاركا المنابر الإعلامية المحلية التونسية، قدّم المستشار لدى رئيس الجمهورية وليد الحجام حوارا تلفزيا لقناة ''سكاي نيوز عربية'' يوم أمس الخميس دام قرابة 28 دقيقة، وذلك في تجاهل تامّ للصحافة التونسية. حوار الحجام مع الصحافة الأجنبية كان للإعلان عن ما يجول في خاطر ساكن قرطاج، رئيس الجمهورية قيس سعيّد وما ينوي القيام به في الفترة القادمة.
ماذا يُريد رئيس الجمهورية من خلال هذا التصرّف؟ كيف يُمكن أن تعلم الأطراف الأجنبية بمصير البلاد في هذه الحالة الإستثنائية قبل أن يعلم التونسيين أوّلا؟ لما لم يستعن الحجام بالمنابر الإعلامية المحلية للإعلان عن خارطة الطريق التي ينوي قيس سعيّد تطبيقها؟ أليس من حقّ التونسيّين أن يتوجّه لهم رئيس الجمهورية بخطاب يوضّح فيه للشعب رؤيته واستراتيجيته المقبلة؟
تجاهل الإعلام التونسي والتوجّه للإعلام الأجنبي
هذه الأسئلة وأكثر منها بذلك، طرحها الرّأي العام التونسي والعديد من القيادات السياسية التي استنكرت تصريح مستشار رئيس الجمهورية وليد الحجام لقناة سكاي نيوز والتي ظهر فيها وكأنّه الناطق الرسمي باسم قصر قرطاج. وأكثر من ذلك، صرّح الحجام في تصريحه الإعلامي أنّ نقابة الصحفيين في تواصل دائم مع قصر قرطاج ولها لقاءات مع ديوان الرئيس.
''نحن على تواصل مستمرّ مع النقابة وهم أصدقاء شخصيّين ولكن أصدقاء أيضا لمؤسسة الرئاسة ويتمّ استقبالهم في العديد من المرات على مستوى رئيس الدولة أو على مستوى ديوان رئيس الجمهورية وهناك تنسيق متواصل معهم وحديث عن مشاغلهم''.
نقيب الصحفيّين محمد ياسين الجلاصي في تصريح لـ بزنس نيوز عربي اليوم، لم ينفي العلاقة الطيّبة والمتواصلة مع قصر قرطاج ومع رئيس الجمهورية الذي استقبله في العديد من المناسبات. ولكنّه أشار في المقابل أنّ ذلك لا يعني عدم توجيه ملاحظات لمؤسسة رئاسة الجمهورية للتحسين في سياستها الإتصالية. الجلاصي استنكر عدم توجّه مستشار رئيس الجمهورية وليد الحجام لوسائل الإعلام التونسية على غرار التلفزة الوطنية أو وكالة تونس إفريقيا للأنباء ليُفصح عن رؤية قيس سعيّد المقبلة لبناء مسار البلاد وتوجّهه لوسائل إعلام أجنبية.
وأشار نقيب الصحفيّين أنّ هناك مشاكل يعاني منها الصحفيين في تعاملهم مع قصر قرطاج وذلك من حيث النفاذ إلى المعلومة وعدم الشفافية ودعا مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى الإنفتاح على الصحفيين وعلى وسائل الإعلام المحلية التي لها دور كبير ومهم في إنارة الرأي العام التونسي ودحض كلّ الإشاعات والأكاذيب التي باتت تُروّج في هذه الفترة الأخيرة.
تغيّير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي
منذ يوم 25 جويلية الفارط، وبعد اتخاذه للتدابير الإستثنائية تطبيقا منه للفصل 80 من الدستور، لم يتوجّه رئيس الجمهورية قيس سعيّد بخطاب طمأنة للشعب التونسي ولم يُفصح عن توجّهاته وخارطة الطريق التي سيعتمدها خاصّة بعد مرور شهرٍ ونصف عن تلك التدابير. في المقابل واصل في اعتماد أسلوب التعتيم والخطاب المُبهم الذي تتمّ فيه توجيه التُهم ''لهؤلاء'' ولا أحد اليوم يعرف من "هؤلاء'' ونتيجة لعدم وضوح الرئيس الكلّ خمّن أنّ ''هؤلاء'' هم الطبقة السياسية الحزبية التي قام بتجميد نشاطها وبعض رجال الأعمال الفاسدين ولا أحد يعلم هويّتهم والمحتكرين.
قيس سعيّد ندّد في العديد من المرّات بإستقواء بعض ممثلي الأحزاب بالجهات الأجنبية لعودة نشاط البرلمان مؤكّدا أنّ تونس ذات سيادة ولا أحد يحقّ له التدخّل في الشأن الداخلي ، وفي ذات الوقت يسمح لمستشاره الإعلامي بتقديم حوار تلفزي في قناة أجنبية ويُعلن فيها عن مستقبل تونس ونوايا رئيس الدولة. أن تعلم الأطراف الأجنبية بما يحدث في تونس وما ينوي الرئيس القيام به في الأيام القليلة القادمة، قبل أن يعلم التونسيين بذلك، هو إساءة للشعب التونسي وإهانة له ولكلّ المنظمات والجمعيات الوطنية التي مدّت يد العون للرئيس لرسم خارطة طريق واضحة، اعتبر ذلك الرأي العام التونسي.
وليد الحجام مستشار رئيس الجمهورية في حواره مع سكاي نيوز كان قد قدّم مجموعة من الأجوبة عن تساؤلات التونسيين والطبقة السياسية وكان لهذا الحوار أثرا مُدويا خاصّة على بعض الأحزاب. حول تأخّر رئيس الدولة في تعيّين رئيس للحكومة، أوضح الحجام أنّ قيس سعيد لم يتأخّر بل هو يعتمد سياسة التريُث والتأنّي لإختيار الشخصية الوطنية التي في مقدورها أن تكون قادرة على رئاسة حكومة في تونس جديدة بعد 25 جويلية.
وكشف الحجام برنامج قيس سعيّد المقبل قائلا ''المسار الذي اختاره رئيس الدولة والذي هو الآن بصدد العمل عليه هو العمل على أن يكون هناك رئيس حكومة في أقرب وقت ممكن وحكومة تونسية مُقتدرة قادرة على تلبية تطلّعات الشعب التونسي وأيضا إعادة النظر في النظام السياسي القائم في تونس لأنّه أصاب تونس والعملية الديمقراطية بالشلل باعتبار وأنّ دستور 2014 أثبت العديد من الهنّات خاصّة على مستوى إدارة السلطة التنفيذية وعلى مستوى السلطة التشريعية ''
بهذا التصريح، اعتبر المحلّلون السياسيون أنّ الحجام سمح لنفسه بالإساءة إلى تونس وديمقراطيتها وإلى ثورتها وذلك بترذيل كافّة الطبقة السياسية وليدة 2011، وتعمّد تقزيم دستور 2014 الذي سيّر البلاد منذ سنوات. وأكثر من ذلك لم يُفصح مستشار رئيس الجمهورية عن موعد الإعلان عن الحكومة واكتفى بالتأكيد أنّ قيس سعيد له خطّة على مشارف الإنتهاء لإرساء نظام سياسي جديد وتعيّين رئيس حكومة.
تغّير الحُكم من نظام برلماني إلى نظام رئاسي كان نادى به قيس سعيد قبل 25 جويلية الفارط وكان منذ توليه رئاسة الجمهورية ينتقد كافة الأحزاب والبرلمان دون استثناء في خطاباته. الكلّ يعلم أنّ البرلمان المجمّدة صلاحياته بات حلبة صراعٍ بين النواب وأصبح يُصدّر للعنف بكلّ أنواعه اللفظي الجسدي وحتى منبرا للتكفير والإرهاب. لهذا نادى بعض السياسيّين أيضا بإصلاح نظام الحكم ومعالجته وإنّما الإنقلاب على الدستور والتغيّير الكلّي للنظام السياسي أمر لم يكُن ينتظره التونسيون.
في هذه الحالة، وإن صحّ تصريح الحجام أنّ الرئيس ينوي تغيّير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، فإنّ رئيس الدولة قيس سعيّد يكون قد انتهك الدستور الذي أقسم على احترامه وذلك في مناسبة أولى بتطبيقه للفصل 80، حيث لم يستشر رئيس البرلمان ولم يعلم رئيس المحكمة الدستورية نظرا لعدم تركيزها، والفصل 80 ينص على أنّ التدابير التي يتخذها رئيس الدولة '' يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة''، ولكنّ قيس سعيّد لم يحترم هذا الفصل.
والآن يسعى قيس سعيّد إلى انتهاك فصل آخر من الدستور الذي أقسم على احترامه، وهو الفصل 144، والذي ينصّ على أنّ ''كلّ مبادرة لتعديل الدستور تعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور. ينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة على مبدإ التعديل. يتم تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس أن يعرض التعديل على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترعين''.
تغيّير الدستور وتعديله يجب أن يمرّ عبر مجلس نواب الشعب والمحكمة الدستورية، ولكن في هذه الحالة البرلمان مجمّدة مهامه والمحكمة الدستورية لا أثر لها بعد سنوات من محاولات تركيزها لم تنجح الطبقة السياسية في ذلك.
تغيّير نظام الحُكم من برلماني إلى رئاسي، وتعيّين رئيس حكومة برتبة وزير أوّل ينفّذ أوامر رئيس الجمهورية ولا يُمكنه عقد أيّ مجلس وزراء دون علم رئيس الدولة، خطّة تؤكّد قطع قيس سعيد نهائيا مع النظام السياسي ما قبل 25 جويلية الفارط ورغبته الكبيرة في إدارة البلاد بمفرده دون الإكتراث بالمنظمات والجمعيات الوطنية ولا حتى بمؤسسات الدولة.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires