alexametrics
الأولى

''احفظ ولا حيل" .. الوجه الشعبي للمحاماة

مدّة القراءة : 4 دقيقة
''احفظ ولا حيل

 

 8 فيفري 2013 كانت لحظة فارقة في سردية الثورة، بأفق شعبي تلقائي باحث عن العدالة. جنازة شكري بلعيد كانت تشييعا مليونيا لمحام شعبي، ولم تكن تشييعا بروتوكوليا لسياسي متعال. يومها كان السؤال أثقل من الموت وأوضح من الشمس، "شكون قتل شكري''، لم تكن علامة استفهام واحدة من النخبة ، بل كانت علامات الاستفهام تثقب هواء فيفري اللافح، من دار الثقافة بجبل الجلود الى مقبرة الجلاز.

 

يبدو أن الصبغة الشعبية التي اكتستها قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومجمد البراهمي منذ 2013، انسحبت على المسار القضائي المعقد كذلك. هيئة الدفاع عن الشهيدين، والتي تبلغ عاما وبعض عام من الوجود، قررت أن تستغل فرادة الموقف واختارت "التحقيق الشعبي" كوسيلة ضغط مشروعة. في الواقع، ثقافة "الحملات" وخاصة المواطنية منها كانت مفهوما غريبا عن التونسيين قبل 2011 تحت نير نظام يحرم الرفض. بعد الثورة، صار الواقع التونسي الجديد ساحة خصبة تستوعب كل أشكال الاحتجاج، وصار التونسيون أكثر ليونة وتقبلا لطرق العالم الجديد في ترجمة لفظة "لا".

 

حملة "احفظ ولا حيل، اي تقضي لا تقضي" تتنزل ضمن السجل الحديث من الاحتجاج الناعم، حتى لا تحمل هيئة الدفاع تهم الهمجية والاقتحام والبلطجة دونما حق. هي الخطوة "أ" في أبجدية تحقيق شعبي تنوي الهيئة اطلاقه في الواقع الافتراضي الذي يعد 6 ملايين تونسي يملكون حسابات على فايسبوك وغيره من منصات التواصل. فايسبوك نفسه، الذي كان أداة لاطلاق ثورة، أداة لاسقاط نظام، وأداة لصنع رئيس مستقل في رئاسية 2019 السابقة لأوانها. اختار المحامون اذن استغلال فايسبوك لاقامة محاكمة ما، دون قاض، حيث نشرت هيئة الدفاع وثائق من ملف البحث في قضية الجهاز السري، وستحمل الأيام القادمة المزيد من "التسريبات" التي تدين حسب رأي هيئة الدفاع حركة النهضة الاسلامية بالتخابر مع أطراف أجنبية وبتخطيط وتنفيذ اغتيالات سياسية عبر جهازها العسكري/الاستعلاماتي السري.

 

تسمية الحملة، تستمد معناها من روح القانونن تحديدا الفصل 20 من مجلة الاجراءات الجزائية. القانون يقتضي أن التعامل مع الشكايات يكون عبر منزلتين، اما حفظ القضية من طرف وكيل الجمهورية أي رفضها أو قرار الإحالة على البحث وانطلاق مسار التقاضي الفعلي. وفي كلتا الحالتين هناك تمشي واضح، بينما تعتبر هيئة الدفاع أن الوضعية الحالية لملف الشهيدين والشكاوي المتعلقة بالجهاز السري ومصطفى خذر لم ترتقي الى احدى المنزلتين.

اضافة الى نشر الوثائق وجعل الملف علنيا، تقوم الحملة -في مفهومها- على مبدأ ضمان حزام المساندة، الذي تترجم في مثال "احفظ ولا حيل" في مقاطع فيديو لشخصيات عامة (فنانون، نقابيون، مثقفون ومحامون) على صفحة الهيئة يساندون فيها الحملة بطريقتهم.

 

 

 

خطورة الوئاثق المنشورة من محادثات ورسائل الكترونية وصور، هي مرد التفاعل الذي تلقته الحملة على فاسيبوك على وجه الخصوص، لكن التفاعل بقي أسير المهتمين بقضية شكري والبراهمي من الانتلجنسيا والمختصين في القانون والصحفيين، ولم يتجاوز هذه الدائرة الضيقة. أيمكن احتساب هذا منحى "شعبي"، الاجابة نعم في هذا الظرف الدقيق من تاريخ تونس والسياق الانتخابي الذي يشغل الرأي العام. لعل التوقيقت لم يكن موفقا، لكن الهيئة لا تملك رفاهية الخيار، عام بعد الشكاية الرسمية، الأمر لا يتحمل تأخيرا اضافيا.

خارج فايسبوك، لم يكن الأمر هادئا كذلك. رافق بداية الحملة قرار اعتصام محامي هيئة الدفاع في المحكمة الابتدائية بتونس 1 أين انطلق الجدل الأوسع الذي فاق تأثيرا الحملة ذاتها. اعتصام المحامين داخل مكتب وكيل الجمهورية ورفع شعاراتهم المعتادة، ارتقى حسب رأي النيابة العمومية الى اقتحام وعبث بمكونات المكتب واعتداء على حرمة المكتب. كان الاعتصام ذا رجع عكسي، غير متوقع، فانتهى الأمر الى فتح تحقيق ضد 6 من محامي الهيئة من قبل النيابة العمومية، مقابل تجاوز المسألة الاصلية ذاتها من قبل الراي العام الذي ألهاه اضراب القضاة لمدة عشرة ايام احتجاجا على سلوك هيئة الدفاع.

 

المحامون من جهة أخرى، مصرون بطريقة مثيرة للاعجاب مبدأ التضامن المهني، التي تدل على قطاع واع ومتماسك. أصدرت الهيئة الوطنية للمحامين بيانا أعلنت فيه عن تنفيذ يوم غضب وطني يوم الجمعة 27 من الشهر الجاري يتضمن وقفات احتجاجية بالزي الرسمي بقصر العدالة بتونس وبكافة المحاكم التونسية تحت شعار "لا للاعتداء على المحاماة، حق الدفاع ضمانة أساسية لاستقال القضاء". المحامون قرروا مقاطعة وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس1 وتحميله كامل المسؤولية لما آلت إليه الأوضاع وتقديم شكايات ضدّه لدى المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل. كما قرروا اعلام المنظمات الدولية والإقليمية والمقرّر الخاص لدى منظمة الأمم المتحدة المعني باستقلال القضاء والمحاماة ولجنة حقوق الانسان بها، بالاعتداءات المذكورة على المحامين وانتهاك حق الدفاع. وأعلن المجلس رفضه القطعي لدعوة المحامين أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، للحضور لدى قلم التحقيق. تأتي هذه الخطوات بعد إحالة زملائهم من هيئة الدفاع على التحقيق.

 

19 سبتمبر 2019، كان بداية معركة أعلنتها الهيئة ضد كل من يحاول تعطيل المسار القضائي وضد كل من يحاول تسيس القضاء. عبارات أضحت مألوفة في الفترة الأخيرة، في خضم اتهامات باستغلال القضاء في تصفية حسابات سياسية واقصاء مترشحين. الجهاز القضائي اصبح محل تهجم مما لا يستقيم مع مبادئ الجمهورية التي طالما دافع عنها بلعيد والبراهمي. كل انواع الاحتجاج مشروعة في بلد حر، لكن الاحتجاج اللاواعي يتحول الى نقمة – كحال استغلال بعض الفئات المهمشة في التشكيك في استقلالية القضاء، وعلى هيئة  الدفاع التي تمثل النخبة الواعية أن تحذر من الانزلاقات العاطفية اللامدروسة، كالانخراط دون قصد في حملات تشويه القضاء التونسي.

 

كثيرا مايضيع الأصل في الهوامش، وكثيرا ماتغطي ردة الفعل على الفعل ذاته. ان تطور الاعتصام الى تهم بالاعتداء والاقتحام تلاها اعلان اضراب بالمحاكم، أزاح قضية المحور- قضية الجهاز السري الى الجانب لتكون الواجهة أمرا مختلفا. هناك قرائتان للمسالة، الأولى أن هيئة الدفاع كان عليها أن تواصل في سلمية الاحتجاج حتى تضمن تفاعل الجمهور الأوسع، والثانية أن استدعاء قوات مكافحة الاجرام لفض اعتصام المحامين رغم امكانية الحوار وتدخل النقابات والعمادات المعنية، أمر مبالغ فيه. وفي كلتا الحالتين كان التشنج سيد الموقف مما أساء الى القضية الأصلية. وباعتبار أن المرحلة الحالية لها أولويات أخرى في المشهد العام (الانتخابات) فان أي خطأ سيكون له تأثير رجعي يساهم في مزيد تهميش قضية الشهيدين التي كانت في 2014 "محور" بعض البرامج  والوعود الانتخابية. في سياق الانتخابات ذاته، تؤكد هيئة الدفاع أن ضرورة الحسم في الملف قبل التشريعيات أمر ضروري حتى لا يفتح باب الحصانة لبعض قيادات النهضة المتورطين في الملف والذين لم يتم سماعهم بعد مثل راشد الغنوشي الذي يترأس القائمة التشريعية تونس 1 ويطمح لرئاسة برلمان 2019/2024.

 

 

 عبير قاسمي

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter