شغور منصب رئيس الجمهورية : الجدل العقيم
صور - رئيس الجمهورية يغادر المستشفى العسكري مبتسما
شهدت تونس الأيّام الأخيرة جدلا عقيما بعد الوعكة الصحية التي تعرض لها الباجي قائد السبسي وذلك لإمكانية حصول شغور في منصب رئيس الجمهورية خاصة مع غياب المحكمة الدستورية.
تعرّض رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم الجمعة 21 جوان إلى وعكة صحيّة وصفها مستشاره فراس قفراش بـ "الخفيفة" وأنّ تنقله للمستشفى العسكري كان فقط للقيام بتحاليل عادية، لكن هذه الوعكة الخفيفة سرعان ما اشتدّت وأصبحت حادّة واستوجبت إعادة نقله إلى المستشفى العسكري يوم 27 جوان وسط غليان شعبي حول ما إذا سيقع الإعلان عن حالة شغور أو فراغ في منصب رئيس الجمهورية.
موجة من النقاشات عقبت الحالة الصحيّة لرئيس الجمهورية وذهب الكثير إلى إعلان وفاته وبدأت ردود الأفعال تتباين بين المواطنين والسياسيين، ما استوجب توضيحات متتالية سواء من رئاسة الجمهورية أو من نجله حافظ قائد السبسي أو حتى من الشخصيات الوطنية على غرار وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي الذين تمكنوا من زيارته وأكّدوا أن الحالة الصحيّة لرئيس الجمهورية في تحسّن وأنّه يتماثل للشفاء.
و قد غادر مساء اليوم غرة جويلية 2019 رسميا رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي المستشفى العسكري بتونس، متجها الى قصر قرطاج حيث سيتوفر له رعاية طبية مشددة 24/7 من قبل فريق طبي يقوده أمير اللواء طبيب مصطفى الفرجاني المدير العام للصحة العسكرية.
و أعلن حافظ قائد السبسي يوم أمس الأحد بأن رئيس الجمهورية في صحّة جيّدة وسيعود لممارسة مهامه في آخر الأسبوع واعتبر ما قامت به قنوات الإعلام الأجنبيّة من ترويج إشاعات مفادها وفاة رئيس الدّولة هي حملات ممنهجة ومقصودة لاستهداف المسار الديمقراطي في تونس وأوضح أنّ بعض الأطراف السياسية أرادت أن تفتكّ السلطة عبر التحايل على الدستور مستعينة بانشغال الناس في العمليّات الإرهابيّة وإشاعة موت الرئيس. تصريح قائد السبسي الابن جاء على خلفية الحديث الذي عرفته الساحة السياسية حول الإجراءات الدستورية الممكن اتباعها في ظلّ غياب المحكمة الدستورية وفي حالة الشغور الوقتي أو الشغور النهائي في منصب رئيس الجمهورية والاشكالات القانونية التي خلّفتها.
حسب الدستور التونسي الذي اعتمد رسميا في 27 جانفي 2014، تنظم الفصول 84 و85 و86 الإجراءات التي تتبعها الدولة حال تعذر رئيس الجمهورية القيام بمهامه الطبيعية في إدارة شؤون البلاد لظروف صحية.
الفصل 84
عند الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية، لأسباب تحول دون تفويضه سلطاته، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتقر الشغور الوقتي، فيحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية ولا يمكن أن تتجاوز مدة الشغور الوقتي 60 يوما.
إذا تجاوز الشغور الوقتي مدة الستين يوما، أو في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة إلى رئيس المحكمة الدستورية، أوفي حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتقر الشغور النهائي، وتبلّغ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه 90 يوما.
الفصل 85
في حالة الشغور النهائي يؤدي القائم بمهام رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب وعند الاقتضاء أمام مكتبه، أو أمام المحكمة الدستورية في حالة حل المجلس.
الفصل 86
يمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية، خلال الشغور الوقتي أو النهائي، المهام الرئاسية ولا يحق له المبادرة باقتراح تعديل الدستور، أو اللجوء إلى الاستفتاء، أو حل مجلس نواب الشعب.
وخلال المدة الرئاسية الوقتية يُنتخب رئيس جمهورية جديد لمدة رئاسية كاملة، كما لا يمكن تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة.
وتبدو أن المسألة الآن أكثر تعقيدا خاصة وأن المحكمة الدستورية لم تتكون بعد ولم يتم انتخاب أعضائها رغم المصادقة على القانون المتعلق بها منذ 2015.
غياب المحكمة الدستورية عمّق الأزمة لغياب الهيكل المكلّف بمعاينة الشغور لكن طرح في المقابل سيناريوات قد تساهم في الخروج من هذه الأزمة، يتعلّق الأول بتنقيح قانون المحكمة الإدارية لتهتم بوظيفة معاينة الشغور لكن هذا المقترح يعيدنا إلى نفس الاشكال وهو أن مشروع القانون الذي سينقح قانون المحكمة الإدارية يمر وجوبا عبر البرلمان ليصادق عليه ثم يحال إلى رئيس الجمهورية ليوقع عليه.
أمّا السيناريو الثاني فيهتم بإمكانية تنقيح القانون المحدث للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، الهيكل الذي ينظر في مدى دستورية مشاريع القوانين إلى حين تركيز المحكمة الدستورية لكن هذا المقترح يواجه نفس مصير السيناريو الاوّل بما يحول دون تمريره.
وبالنسبة للسيناريو الثالث فيتعلق بتمكين البرلمان من صلاحية المعاينة والذي يكاد يكون المقترح الأكثر مشروعية باعتبار مجلس نواب الشعب مؤسسة موازية لرئاسة الجمهورية.
حركة تحيا تونس في أول اجتماع للهيئة السياسية يوم أمس الأحد دعت إلى التعجيل باحداث المحكمة الدستورية وأكّدت أن بعض الكتل لا يريدون ولادتها ووضعوا أوراقا بيضاء عند التصويت بهدف افشال انشائها.
حركة النهضة من جهتها، دعت اليوم الاثنين غرّة جويلية إلى تعديل قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لتتولى اختصاص المحكمة الدستورية.
وأكّدت الحركة على ضرورة الإسراع بتركيز المحكمة الدستورية، وذلك على اثر الجدل الذي اثاره تأخرها والفراغ المؤسسي المترتب عنه في خصوص بعض الصلاحيات الممنوحة لها وتحديدا إقرار الشغور الوقتي أو الدائم في رئاسة الجمهورية.
وعبّرت حركة النهضة عن ادانتها استغلال بعض الأطراف "المناوئة" للخيار الديمقراطي والمنخرطة في الأجندات "المشبوهة" للأزمة الصحية العابرة التي ألمت برئيس الجمهورية لبث "البلبلة والفزع والفتنة واختلاق الأكاذيب"، في مسعى لتهديد السلم المجتمعي.
أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس سليم اللغماني قال إن الدستور ميّز بين حالة الشغور الوقتي والنهائي الذي لا يتم معاينته إلا من خلال المحكمة الدستورية التي لم يتم إرسائها بعد، موضحا أن حالة الشغور الوقتي بسبب تعذر القيام بالمهام تقرها هيئة طبية رسمية مكونة من أطباء من الصحة العمومية تعيّنها رئاسة الحكومة بما أنها السلطة الوحيدة المخوّل لها ذلك لمعاينة الشغور وإذا كان الشغور نهائيا فيحدده الطب الشرعي للتثبت من الحدث المادي ثم الرجوع لأعلى سلطة دستورية وهي مجلس نواب الشعب بمختلف كتله الذي عليه الإعلان عن الشغور النهائي بعد الاستناد إلى ركيزة علمية وهي تقرير الطب الشرعي.
وكشف أن في الأحكام الانتقالية المتعلقة بالمحكمة الدستورية بالفصل 148 يوجد نقطة تنص على أن أحكام القسم الثاني من الباب الخامس تحدد طريقة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وبما أنه لم يتم انتخابها فذلك يعني أنها لم تدخل حيز التنفيذ مما يعني أن سد الثغرة وتنقيح القانون المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ومنحها صلاحيات أخرى لتمكينها من الفصل في مسألة الشغور حتى لو كان لاستثناء ضروري فهو إجراء غير دستوري وغير ممكن وخرق صارخ للدستور.
رجل الأعمال والسياسي سليم الرياحي علّق حول هذا الموضوع وأكّد أن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي هو الضامن اليوم لحسن تطبيق الدستور ومقاومة كل محاولات "الانقلاب" عليه وعلى الديمقراطية في ظلّ غياب المحكمة الدستورية.
بات يخيّل للبعض أن كيان الدولة أصبح محلّ تهديد في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن فراغ دستوري بعد تلكّأ مجلس نواب الشعب في تركيز المحكمة الدستورية التي تحتكر مهمة معاينة الشغور في منصب رئيس الجمهورية، لكن الباجي قايد السبسي قد غادر اليوم المستشفى بعد تحسّن صحته في 48 ساعة الأخيرة وهذا ما قد يغيّر كل المعطيات ويزيح كل الجدل القائم حول شغور منصبه.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires