شبهات سوء معاملة وتعذيب - ماذا يحدثُ بسجن المسعدين؟
نقل لنـا محامي أحد نزلاء سجن المسعدين، كابوسا حقيقيّا يعيشهُ السجناء الذين تُرعبهم أصوات البُكاء والتعنيف. يؤكد لسان الدفاع، أنّ منوبّه نقل له تعرّض نزلاء للتعنيف الشديد والسحل وسوء المعاملة، وأنّه يتم تعذيبُ نزلاء الحبس الانفراديّ وتعريتهم والاعتداء عليهم بطُرق بشعة ولا انسانيّة. شهادة صادمة ومثيرة للقلق، دفعتنا لمزيد من البحث حول هذه الشُبهة الخطيرة.
"السجن يعيشُ حالة صدمة – (trauma) جماعيّة على مستوى الإدارة والنزلاء والأمنييّن منذ هروب سجين في شهر أوت الماضي، الأجواء مشحونة ومُتوتّرة" هكذا وصف مصدر رسميّ، لبيزنس نيوز، الأجواء العامة في سجن المسعدين، بسوسة.
في أوت 2022 تمكن أحد السجناء من الهروب عند خروجه للتداوي بمصحة السجن، تجاوز السور الخارجي واستغّل 'حالة من التراخي' للفرار، حالة التراخي تلك انقلبت الى حالة استنفار كُبرى ومُتطرّفة بعد هذه الحادثة.
تمكّنت بيزنس نيوز عبر مصادرها المتقاطعة، من تأكيد وجود شبهات تعذيب بسجن المسعدين، دفعت كلاّ من وزارة العدل عبر التفقديّة العامة، رابطة حقوق الانسان والهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب للتحقيق المعمق في الأمر والقيام بزيارات ميدانية للسجن لمُعاينة ما تلقوه من بلاغات واشعارات من المحامين وعائلات السجناء، حول تحوّل السجن الى مُعتقل تُنتهك فيه حقوق الانسان.
في تصريح لبيزنس نيوز أكد لطفي عز الدين، ممثّل الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أنّ وفدا عن الهيئة قام الأسبوع الماضي بزيارة لسجن المسعدين. ولئن نقل السيد عز الدين شهادتهُ بتحفّظ بسبب وجود تحقيق جار حاليا، الا أنّه أكد لنا، وجود شبهات سوء معاملة لبعض النزلاء بالسجن، وفق ما عاينته الهيئة. واستدرك، أنّ الشبهة حاليا لا يمكنها أن تكون تصريحا يجزمُ وجود تعذيب، مفيدا أنّ هذا التأكيد لا يمكن الا للقضاء الادلاء به بعد استكمال التحقيقات لتحميل المسؤوليات.
"السجن شهد حالة فرار وتغيير في المدير، ويعيش حاليا توترا وخوفا و دوامة من القلق أثرت على المعنويات. لاحظنا أن السجن به حاليا 1700 نزيل بينما طاقة الاستيعاب لا تتجاوز 900 سجين وأنّ الوحدة السجنية القديمة تشهد العديد من الإشكاليات الصحية و على مستوى الأكلة والنقص في الموارد البشرية (...) عموما ما يمكنني الإفادة به أن الهيئة لاحظت أن السجون ومراكز الأمن العنف بسوسة تشهدُ حالات من سوء المعاملة والعنف."
اتصلّت بيزنس نيوز في هذا السياق بالسيدة عربيّة الادريسي المكلفة بالتحقيق في الحالات الفردية في هيئة الوقاية من التعذيب، الا أنّها لم تتجاوب مع طلبنا في التحصل على مزيد من الإيضاحات.
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بدورها أدّت زيارة معمقة لمدة ثلاثة أيام لسجن المسعدين، الأسبوع الفارط، للتقصّي حول اشعارات بشأن شبهات تعذيب عقبت تعيين المدير الجديد. تشير الشهادات المتقاطعة، الى أنّ المدير الجديد جابه "حالة التمرّد" التي شهدها السجن اثر فرار سجين، باستعمال أساليب خشنة ومُبالغة قد ترقى لسوء المعاملة اذا تمّ اثباتها قضائيّا وعبر تقرير هيئة الوقاية من التعذيب.
شادي الطريفي، عن رابطة حقوق الانسان فرع سوسة، كشف في تصريح لبيزنس نيوز أن الرابطة تلقت بلاغات وتشكيات متتالية حول شبهات تعذيب بالسجن المذكور مما دفعها للتحرّك والتحقيق. أكد الطريفي أن الرابطة عاينت اثار عنف على عدد من السجناء، بانتظار أن يكشف التحقيق هل هي اثار لتعنيف من قبل أعوان السجن أم جراء خلافات بين السجناء أنفسهم. وتابع، أن الرابطة لاحظت اكتظاظا شديدا بهذا السجن مما جعل وضعية السجناء صعبة للغاية.
"قمنا بزيارة بثلاثة أيام لسجن المسعدين، يوجد تشكيات من السجناء حول سوء معاملة، تعنيف، وتعذيب بعد تغيير مدير السجن. وصلتنا عديد الشهادات حول حصول عنف مادي ومعنوي. يوجد ردة فعل بها خشونة بعد نوع من التمرد اثر هروب سجين، وفق الادعاءات التي وصلتنا يوجد سوء معاملة لنزلاء سجن المسعدين. عاينا اثار عنف (...) والتحقيق متواصل."
وأحال الطريفي أن تقرير تفقدية وزارة العدل لا يتعلّق بشبهات سوء المعاملة، بل يتعلّق أساسا بحادثة فرار السجين التي يحمل لُبسا شديدا حول ما حدث فعلا وكيف تمكّن من الهروب وتجاوز سور السجن.
شهادات متقاطعة تأتي لتؤكد جديّة هذه الشبهات، التي تنضاف لسجّل طويل من التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الإيقاف، الاحتفاظ والسجون التونسية. وفق تقرير رابطة حقوق الانسان لسنة 2021 والذي تحصلت بيزنس نيوز على نسخة منه، تم تسجيل عمليات تعذيب وسوء معاملة وصلت إلى حد التعذيب الممنهج والتعنيف الشديد والإرغام على إمضاء محاضر دون قراءتها وحلاقة شعر أطفال قُصّر وخلع سراويل بعض القُصر الموقوفين وتهديدهم بالإغتصاب وسكب الماء على قُصر وضربهم بالماتراك والتسبب بكسور خطيرة لبعض الموقوفين.
خارج السجون وداخلها، وضعيّة حقوق الانسان في تراجع خطير ومُستمرّ يلفتُ أنظار العالم الذي أصبح يرى تونس كدولة تعيشُ انقلابا خانقا عسكر فضائها العام وحول سجونها لمعتقلات. منسوب العنف يتضاعفُ تحت وطأة بَوْلَسَة غير مسبوقة، وتضييق على الحريّات خلق مناخـــا سامّا ومُتوترّا، يهدد السلم الاجتماعيّة.
عبير قاسمي
معجم قانوني:
يقصد "بالتعذيب" أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.
يعود أول تجريم للتعذيب في تونس للقانون عدد 89 لسنة 1999 المؤرخ في 02 أوت 1999 الذي خصص قسما كاملا صلب المجلة الجزائية تحت عنوان "في تجاوز حد السلطة وفي عدم القيام بواجبات وظيفة عمومية" تماشيا مع الاتفاقية الأممية لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها تونس بموجب القانون المؤرخ في 23 سبتمبر1988. وقد سعت الدولة التونسية لمزيد تأطير جريمة التعريف بموجب المرسوم عدد 106 لسنة 2011 المؤرخ في 22 أكتوبر 2011 المتعلق بتنقيح وإتمام المجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية الذي أدرج جملة من الاحكام المتعلقة بتعريف جريمة التعذيب حالات التشديد والتخفيف في عقوباتها ضمن أحكام الفصل 101 مكرر وما بعده من المجلة الجزائية.
الفصل الخامس والعشرون من الدستور – تحمي الدّولة كرامة الذّات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي. ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم.
تعليقك
Commentaires