تزكيات النواب المزدوجة في مرمى الشكوك وشبهات التدليس..
تعتبر التزكيات الانتخابية من النواب للمترشحين للرئاسية في الديمقراطيات العريقة، ركيزة للعملية الانتخابية لأنها توفر لها ضمانات القدر الأبسط من الحظوظ لخوض المعترك الانتخابي، وتكرس سمو البرلمان داخل الأنظمة البرلمانية التي يكون فيها النائب بمجلس الشعب المشرع الأول وقائد العملية السياسية والقانونية وهو المحرك والمساهم كمؤسسة في التعددية وانتقال السلطة.
وينص الفصل 41 من القانون الانتخابي لسنة 2014، لى منع النائب من تزكية أكثر من مترشّح واحد.
لكن في بعض الأحيان تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فما لم يتم حسبانه هو نشر التزكيات في إطار الشفافية وحق المواطن في معرفة مآل سلطته التي فوضها للنواب لتمثيله... وهو ما حصل السبت 17 أوت 2019.
السبت 17 أوت 2019 نشرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قائمة النواب المزكين لمترشحين للرئاسية، وذلك بعد مطالب من منظمات وجمعيات في إطار الحق في النفاذ للمعلومة وشفافية الانتخابات.
وأثبتت القائمة وجود عديد الخروقات القانونية من خلال تزكية أكثر من مترشح واخلالات بالارتباطات المعنوية والسياسية وذلك من خلال الخروج عن الدائرة الحزبية وعدم الالتزام بموقف الحزب ودعم مترشح من خارجه، وهو ما يعتبر في عرف السياسة إخلالا بالمعايير الحزبية وعدم التزام بالخط المنهجي للحزب خصوصا في تزكية من هم خصوم للحزب أو أعدائه الإيديولوجيين.
وحسب القائمة التي نشرتها الهيئة فقد قام النائب عبد الرؤوف الشابي بتزكية مرشحين اثنين وهما نبيل القروي وسليم الرياحي، وهو ما يمنعه القانون علاوة على أن الأخير مترشح على قائمة حزب الأمل بدائرة توزر وللحزب مرشحته للرئاسية وهي سلمى اللومي.
ونفى الشابي في تدوينة على حسابه بموقع الفيسبوك تزكيته لمرشحين اثنين للرئاسية، وأوضح أنه قام بتزكية مرشح واحد وقام بالتصريح على الشرف معرف به ببلدية توزر بتاريخ 5 أوت 2019 ولم يكتف بتعمير المطبوعة المخصصة لذلك لأنه بإمكان أي مرشح التحصل على معطياته الشخصية وفق قوله.
كما أن الشابي لم يذكر هوية المرشح الذي قدم تزكية له، ما يفتح المجال أكثر للتشكيك في مدى صحة قول النائب خصوصا وأن النواب قد عارضوا الكشف عن التزكيات قبل إعلان الهيئة عنها.
وانتقد الشابي من وصفوه بالسائح الحزبي، وهو الذي التحق خلال دورة برلمانية واحدة بالاتحاد الوطني الحر ونداء تونس وكتلة الائتلاف الوطني وأخيرا بحزب الأمل.
بدوره قام النائب ماهر مذيوب عن حركة النهضة بتزكية كل من حاتم بولبيار المستقيل من الحركة والياس فخفاخ القيادي بحزب التكتل ونفى ذلك في تدوينة على حسابه الشخصي إذ أكد أنه "لم يزكّ المترشّح للرئاسة حاتم بولبيار و لم يوقع له مطلقا مشيرا الى أنه قام بتزكية الياس فخفاخ فقط.''
وبيّن أنه فوجئ بوجود اسمه ضمن قائمة المزكين لحاتم بولبيار التي قامت بنشرها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات .
وأتى هذا التبرير اثر الحملة من صفحات النهضة التي انتقدت عدم التزام مذيوب والنائبة كريمة الدقاز التي ورد اسمها في تزكية بولبيار خصم مورو على قواعد النهضة وعدم الالتزام بقرار الحركة ومرشحها عبد الفتاح مورو.
وفندت تقاز توقيعها لحاتم بولبيار مشددة على أن مرشحها الوحيد هو مرشح النهضة عبد الفتاح مورو للرئاسية.
وأمام هذا التشكيك يبدو أن أمران قد حصلا إما أن النواب نفيا ذلك لامتصاص غضب النهضاويين الذين انتقدوا عدم التزام مذيوب ودقاز بمرشح الحركة، أو لوجود شبهات تدليس وتزوير للتزكيات، وهو دور الهيئة التي ستتحقق من ذلك وتقوم بإبلاغ المترشحين المعنيين بإزدواجية التزكية بتعويضها بأخرى في أجل 48 ساعة من تاريخ الإعلام وإلاّ يرفض ترشحه وفق ما ينص عليه القانون الانتخابي.
وقد أثار ورود اسم النقابي اليساري الملقب بأسد المناجم عدنان الحاجي للمترشح الإسلامي حاتم بولبيار موجة من الجدل والغضب في الأوساط اليسارية التي اعتبرت ذلك تطبيعا من الإسلام السياسي وخيانة لمبادئ اليسار وقد بيّن الحاجي أن تزكيته لحاتم بولبيار كانت في أخر لحظات تقديم الترشح لإنقاذه، وذلك بعد أن سحب بعض النواب تزكياتهم.
وتابع، أن صوته كان سيذهب الى عبيد البريكي الأمين العام لحزبه تونس غالى الأمام أو إلى منجي الرحوي عن الجبهة الشعبية لكنهما تمكنا من تجميع التزكيات اللازمة. وأكد أن تزكيته لبولبيار كانت بعد تيقنه من استقالته من حركة النهضة.
وقال الحاجي، أن التزكية لا تعني التزاما سياسيا ولا تعني الانخراط في مشروع حركة النهضة،منتقدا متهميه بالدعششة والخيانة لمبادئ اليسار.
لاحقا، قدم عدنان الحاجي استقالته من رئاسة المجلس المركزي وعضوية الأمانة العامة لحركة تونس الى الأمام، ناشرا نص استقالته في ساعة متأخرة من مساء أمس 17 أوت 2019 على صفحته الرسمية.
وصبيحة اليوم 18 أوت 2019، اورد الحاجي على صفحته أنه قد تراجع عن الاستقالة اثر مكالمة هاتفية من عبيد البريكي، الامين العام لحركة تونس الى الأمام، وقام بتعليق قراره الى حين استكمال النقاش.
وهذه القرارات المتذبذبة وفي هذا التوقيت بعد نشر التزكيات تجعل من التأويلات كثيرة أبرزها عواقب هذه التزكية التي لعلها جنت على الحاجي هذه الاستقالة.
كما قامت النائبة الثانية لرئيس البرلمان فوزية بن فضة بتزكية المترشح سليم الرياحي وهي التي كانت تنتمي الى حزبه سابقا ومترشحة خلال التشريعية المقبلة على رأس قائمة البديل بدائرة منوبة
وزكى منذر بالحاج علي المترشح للرئاسية عبد الكريم الزبيدي وهو المترشح على رأس قائمة ائتلاف الوطن الجديد.
ومن جانب المترشحين المعنيين بازدواجية التزكية لم يصدر توضيح إلا من سليم الرياحي الذي أكد في تدوينة على صفحته الرسمية أنه سيقوم بالإجراءات القانونية اللازمة ضد التجاوز الكامن في تزكيته من طرف النائب عبد الرؤوف الشابي إلى وتزكية نبيل القروي في نفس الوقت.
وأشار الى انه سيتم التثبت إن كانت التزكية الثانية التي انتفع بها نبيل القروي كانت في إطار صفقة أو عملية تحيل عليه.
وتابع قائلا '' مثل هذه الممارسات وضعتني شخصيا ومنذ فترة أمام حتمية التقييم مراجعة الاختيارات في المستقبل حتى نتقدم إلى المواطن التونسي بشخصيات على مستوى من الالتزام والمسؤولية ونظافة اليد.. ''
ودعا القروي، بما أنه يخوض أول تجربة له في الانتخابات الرئاسية، و بما أن حزبه أيضا قد تكوّن حديثا ، أن ينطلق من الشعب ومن قواعد حزبه، أي من التزكيات الشعبية عوض التعامل مع نواب أحزاب وجهات أخرى غريبة عنه.
وأثارت هذه الأحداث مجتمعة موجة من الاحراجات لعل ابرزها تعثرات المسار الديمقراطي ومدى التزام النواب بالقانون والدستور وفتحت أيضا الشكوك حول وجود شبهات تدليس وتزوير وحتى صفقات مالية، وبيع نواب لتزكياتهم مقابل مبالغ مهمة، كما أرجعت هذه الحادثة الجدل حول السياحة الحزبية التي تعتبر السبب الأساسي في تذبذب الرأي وتذبذب الموقف، إذ أن العمل السياسي الحزبي يقتضي الانضباط الحزبي الكبير والارتهان لقرارات المؤسسات الحزبية.
شبهات تدليس وتزوير ورشاوي مالية وبيع للتزكيات تلاحق المترشحين والنواب، خصوصا أمام عدم صدور مواقف واضحة من المعنيين بالأمر وعدم توجههم للقضاء الى حد الآن ، كل ذلك يفتح المجال للشك في مدى مصداقية التزكيات، وحقيقة ما وقع، وفي انتظار قرارات الهيئة ودعوتها للمترشحين بتوفير التزكيات السليمة في آجال مضبوطة سنتبيّن بعض الوقائع لتظل أخرى خفية لعلها بفعل التحالفات الخفية أو المصالح المشتركة، التي ستظهر بعد إعلان نتائج الانتخابات.
سناء عدوني
تعليقك
Commentaires