بالوعات الصرف الصحي تخطف أرواح التونسيّين والسلطة تتنصّل من المسؤولية
''لدينا الكثير من عمليات سرقة أغطية بالوعات الصرف الصحي ولا يمكننا إخفاء ذلك، بالإضافة إلى سرقة أسلاك الضغط العالي للكهرباء لكن هذا لا يعني أنّها سُرقت '' كانت هذه أعذار معز البوراوي رئيس بلدية المرسى لحادثة سقوط الفتاة الصغيرة في إحدى بالوعات الصرف الصحي بالمرسى مما أدى إلى فقدانها لحياتها معتبرا أنّ صيانة قنوات الصرف الصحي ليست من مسؤولية بلدية المرسى.
البوراوي يدّعي أنّ الإهتمام ببالوعات الصرف الصحي ليس من مسؤولية البلدية، ويلقي بالمسؤولية على المواطن الذي يقوم بسرقة غطاء البالوعات وبذلك يقوم بالتنصّل من المسؤولية التي كان بإمكانه التنسيق مع الديوان الوطني للتطهير لصيانة كافة البالوعات المفتوحة وإيجاد طريقة لتغيّير الأغطية وإحكام إقفالها كي لا تتمّ سرقتها، كما كان بإمكان بلدية المرسى وضع علامة تحذّر من عدم الإقتراب من تلك البالوعات.
وفي بلاغ مرتعش وخال من الجديّة والمصداقية، نشرت بلدية المرسى ليلة البارحة الأحد على إثر الحادثة الأليمة توضيحا ترحّمت فيه على روح الفتاة الصغيرة وأشارت أنّ تلك الفاجعة أثّرت في رئيس البلدية وفي كافّة أعضاء المجلس البلدي ولم يفُت بلدية المرسى في بلاغها أن تُحاول التنصّل من مسؤولية الحادثة وإلقاء اللّوم على الديوان الوطني للتطهير معتبرة أنّ صيانة شبكات التطهير من إختصاص الديوان، ونفت أن يكون هناك تقصير من أعوان البلدية. بعد الكم الهائل من الإنتقادات التي واجهتها بلدية المرسى من المواطنين على خلفيّة هذا البلاغ الغير مسؤول، قامت في ساعة متأخّرة من الليل بحذفه من صفحتها الرسمية.
بعد دفاعه عن أعوان بلدية المرسى وتنصّله من مسؤولية إهمال البالوعات وتحميل المسؤولية للديوان الوطني للتطهير، رئيس بلدية المرسى وجّه اللّوم لروّاد الفيسبوك الذين توجّهوا بعبارات النقد لبلدية المرسى بعد نشرها لذلك البلاغ اللاّمسؤول مشيرا أنّ ذلك هو السبب الذي دفع البلدية لحذف البلاغ ووصف دفاعهم عن الفتاة بـ ''المُزايدات الفارغة من بعض الصفحات''. بلدية المرسى من واجبها تفقّد كلّ قنوات الصرف الصحي وإذا لاحظت وجود خلل ما من مسؤوليتها أن تتصل بديوان التطهير لإصلاحه، العديد من الأماكن تُعاني في جهة المرسى من غياب تامّ لأعمدة الإنارة كما أنّ الكثير من المناطق ممتلئة بالأشجار والأعشاب الطفيلية والتي من واجب البلدية تنظيفها لكن ذلك لم يتمّ على غرار المكان الذي قتلت فيه الراحلة الشابة رحمة لحمر لتقوم البلدية في ما بعد بتنظيفه ولفت النظر إليه.
فتاة العشرة سنوات راحت ضحيّة انعدام المسؤولية لأجهزة الدولة وليس البلدية فقط أو الديوان الوطني للتطهير إذ هي مسؤولية الجميع، كما أنّ عمل البلديات وديوان التطهير بصفة عامّة تظهر نقائصه الفادحة إلاّ في حالة وفاة أحد الأفراد الأبرياء أو أثناء نزول كميات هامّة من الأمطار ليتجسّد أمام أنظار جميع التونسيّين رداءة البنية التحتية في تونس وضعف قنوات الصرف الصحي التي تُعاني من نُقص فادح في طريقة تركيزها.
لا يخفى على الرأي العام التونسي أنّ حادثة الوفاة بسبب السقوط في بالوعات الصرف الصحي ليست الأولى من نوعها، يوم 5 سبتمبر الفارط، توفيت كذلك طفلة تبلغ من العمر 9 سنوات إثر سقوطها في بالوعة بمنطقة بني حسان من ولاية المنستير، بسبب مياه الأمطار الغزيرة وعلى إثر سقوطها تمكّنت عائلتها من انتشالها من البالوعة والتوجه بها نحو مستشفى جمال لتلقي الإسعافات لكنها فارقت الحياة. أيضا توفي شاب أصيل معتمدية فريانة من ولاية القصرين في العقد الثاني من عمره يعمل بشركة مطاحن بالجهة إثر سقوطه في بالوعة مياه، كما توفي كهل في 21 أوت 2017، بعد سقوطه على متن دراجته النارية في بالوعة مياه على مستوى طريق سيدي منصور من ولاية صفاقس، وقد فارق الحياة داخل مستشفى الجهة. كانت هذه بعض الحوادث من الكثير راحت فيها أرواح التونسيّين بسبب بالوعات الصرف الصحّي ومع ذلك لم يتمّ إيجاد حلّ جذري لإيقاف ذلك النزيف الذي تتحمل مسؤوليته كافّة هياكل الدولة.
عدم قيام بلدية المرسى بواجبها وعدم إلتزام الديوان الوطني للتطهير بإنجاز أشغاله على أكمل وجه، أودى بحياة فتاة العشر سنوات والتي كان ذنبها الوحيد الخروج رفقة والدتها لجمع قارورات البلاستيك لكسب رزقهم ولمواصلة العيش في هذه البلاد التي تُهمل فيها السلطة مسؤولياتها تُجاه مواطنيها.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires