برلمان العنف

لا يمكننا أن نقول أنّ برلمان 2019 لا يُشبهنا، فهو افراز طبيعيّ للتصويت الانتقاميّ والاقصائي الذي قام به المواطنون بعد أن خذلتهم الأحزاب التقليدية التي لم تقدر على التطور وتفككّت بعد عمر قصير من التحالف مع الحزب الاسلامي، صعود الشعبوية لم يأت من فراغ بل -بسبب الفراغ ذاته، فكان البديل: نُخبة سياسويّة تحترف العنف والبلطجة.

افراغ الفعل السياسي الحقيقي المبني على رؤى ومشاريع وفكر من كلّ مضامينه وقيمه، جعل الحياة السياسية في تونس سيركا من المهرجّين نندبُ حظّنا لأننا مضطرون لمتابعته، هؤلاء مجرد ظواهر صوتية تؤسس للعنف وقتل-تدمير-ترذيل الفعل السياسي واعادة تشكيله حسب أهوائهم.

من هم الفاشيون؟ في أصل الأشياء، الفاشية تيار سياسي وفكري من أقصى اليمين، يمثلّه في تونس الحزب الدستوري الحرّ، له نزعة قومية عنصرية (محافظة) تُمجّد الدولة إلى حدّ التقديس وتستمد من الماضي أساس الحاضر، وتستحضر نجاحات الزعيم للتغطية على برنامجها الخاوي والمزيف. تاريخيا، تتشابهُ الفاشيات عبر العالم، وعبر الزمن.

لها نفس السمات المُقرفة التي تنتجها السياقات الوطنية المحلية: فاشية تسقط وأخرى تصعد بديلة لها، في تونس يسعى فاشيو الدستوري للحر لفضّ هيمنة الاسلام السياسي وخلق هيمنتهم الفظّة الجديدة. ترفض الفاشية الديمقراطية البرلمانية والتعددية السياسية- وتسعى لترذيل الحياة البرلمانية وتعطيلها.

يعارض الفاشيون الحريات العامة والفردية، هي تقدميّة شكلية ترفض رجعية اللاسلام السياسي وتؤسس بالتوازي لرجعية أخرى قائمة على القيم المجتمعية المتزمّتة التي يحملها ناخبوها، وتسعى الفاشية لتعويض البرلمان بنظام شمولي استبدادي يُشكّل رئيس الدولة نواته الصلبة ومصدر السلطة فيه، ويشكل المجلس مجرد واجهة كرتونيّة. تسوّق فكرة وجود عدوّ خارجي (تركيا والسعودية) وداخلي (النهضة) ليكون ذلك حافزا على تحقيق الوحدة الوطنية المزيفة. وتتحد الفاشيات في طابعها القومي العنصري، والاستبدادي الرافض للتعددية والديمقراطية وإلغاء الحريات السياسية والنقابية وحرية التنظيم خارج الأطر التي تضعها وتراقبها.

من هم الراديكاليون الاسلاميون؟ ائتلاف الكرامة الاسلامي (وبعض متطرفي النهضة، وحزب الرحمة) هو مجموعة من النواب الذين اختلطت لديهم الثورية بالأصولية والراديكالية،لتكوّن نوعا هجينا من الاسلام السياسيّ "التوب رجلة" الذي يستمد مبادءه من المخيال الشعبي لـ "الرجل الفحل الصنديد" وهو تصنيف مجتمعي أبويّ مريض.

هم كيان عبثي يتغدى على العنف، مزيج من التجارة الرخيصة بالدين و الثورة- يستحضر المكبوت في نفوس الكائن التونسي الذي يحبّ الله وأمه ويظنّ أن جميع النساء عاهرات وأنّ الرجل العنيف هو بطل (صيد على قول مخلوف).

الأصولية التي تغذي ائتلاف الكرامة وأشباهه منية على معارضة المبادئ والعلمانية (كخطاب سيعد الجزيري ومحمد العفاس). الأصولية الإسلامية هي مرادف للتطرف العنيف، مبنية على استمداد القرارات سياسية من سيادة الدين.

الفرد المتطرف (الاسلام السياسي الراديكالي) يستخدم وسائل عنيفة وغير ديمقراطية، بدوافع أيديولوجية مثل المواجهة العنيفة والتحريض، ونشر الأفكار المتطرفة، لاستمالة المواطن البسيط ذو العقلية العقاءدية، اذ يُحيي في ذاكرته الحنين لزمن الانتصارات والغزوات..

ويشترك هذين الطرفين في الشعبوية الرجعية: وهو مصطلح يصف شعبوية اليمين المتطرف. التي توجّه خطاب سياسي عدوانيا يدعو للتصادم مع المختلف ورفضه. المناكفات الهزلية الي أدت الى ترذيل العملية السياسية وايصالها إلى أدنى درجات الضحالة ليست الا وجها من وجوه الاستقطاب الثنائي البشعة التي تجد نفسك فيها بين الكوليرا والطاعون.