دبلوماسية بورقيبة و سعيد من النقيض الى النقيض
" تمرمدنا " ، هكذا وصف الدبلوماسي السابق أحمد ونيّس التناقضات الحالية في منهجية ادارة الدبلوماسية التونسية التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ السياسة الخارجية التقليدية للبلاد منذ الاستقلال الى اليوم ، في حوار خاص مع بيزنس نيوز .
تتالت الزيارات في الآونة الأخيرة بين تونس و كل من الجزائر و ليبيا ، زيارات غير معلنة ، جاءت عقبها بلاغات مقتضبة لم تتضمن أسبابها أو أبعادها ، زيارات تطرح عديد التساؤلات في علاقة بالدبلوماسية التونسية و المغرب الكبير ،توجهاتها و حقيقة تغير موازين الخيارات التونسية .
لطالما كانت الخيارات التونسية منذ الاستقلال تتسم بالوضوح ، خيارات معلنة معللة لا لُبس عليها ، خيارات كان يتزعمها الحبيب بورقيبة في علاقة تونس بالمغرب الكبير و كذلك في علاقة تونس بأوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية ، الخيارات الاستراتيجية التي تأسست من خلالها الدبلوماسية التونسية و مستقبلها و كانت حاملة لأبعاد اتضحت توجهاتها اليوم .
التعاون ثلاثي بين الجزائر و تونس و ليبيا دون المملكة المغربية
الزيارات المتتالية بين تونس و الجزائر دفعت أحمد ونيس للتساءل " لماذا يزور سعيد الجزائر ثلاثة مرات دون احتساب الزيارات الأخرى التي تتولاها رئيسة الحكومة أو وزير الخارجية و لا يتوجه الى غير الجزائر من الزملاء كالمغرب و موريطانيا و كان على عبد المجيد تبون أن يزور قيس سعيد و ليس العكس ؟ "
الدولة التي ورثها قيس سعيد و أصبح رئيسها لم تسلك هذا الاتجاه بتاتا لا أيام المقاومة في الاستقلال و لا ما بعد الاستقلال في عملية بناء الدولة الحديثة ، قول جاء على لسان أحمد ونيس ، و ليس من العجب أن الرئيس قيس سعيد يرى ان السبيل الى النهضة و السلام في تونس هو في الانتساب الى القومية العربية و التخلص من تصور المجتمع البورقيبي
الحوار مع أحمد ونيّس انطلق مع النزاع حول الصحراء الغربيّة بين المغرب و الجزائر ، النزاع الذي يعود الى سنوات مضت و تونس لم تكن ضمن حلقة النزاع الى حدود الاستقبال الرئيس قيس سعيد لممثل البوليساريو " الصحراء الغربية " في القمة اليابانية التي تم عقدها في تونس ، الذي كان حاملا لاعتراف تونس رسميا بالصحراء الغربية.
الخطوة الجديدة و منذ أيام جاء الى تونس مبعوث خاص جزائري تقابل مع رئيس الجمهورية التونسية و هو وزير الخارجية رمطان العمامرة حمل معه رسالة الى قيس سعيد و موضوعها غير معروف و لكن الذي صدر هو أنها ترمي الى الواقع الاقليمي في منطقة المغرب الكبير و التعاون بين البلدان المعنية ، الذي يمكن فهمه من هذا هو أن قيس سعيد ردّ على السؤال الذي ألقي عليه من قبل الرئيس تبون باسم الجزائر من خلال توجه رئيسة الحكومة نجلاء بودن الى الجزائر و في الحين حظر رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة و أطلق على العموم و بسرعة أن الديون المتخلدة على ليبيا و التي تعود الى تونس سيسرع في تسديدها و تم حصرها في 250 مليون دولار .
الاحتمال هو أن اللغز الذي كان قد خلقه التحرك بين الجزائر و تونس في الاسابيع الماضية هو متصل بزيارة ليبيا بحيث الجزائر ترسم مزية جديدة لتونس في الأزمة الحالية تمهيدا لتعاون ثلاثي بين الجزائر و تونس و ليبيا دون المملكة المغربية البدء في عزلة المملكة المغربية .
و المغرب ردت الفعل على مبادرة الرئيس قيس سعيد لما استقبل نائب الصحراويين بصفة رئيس دولة و قطعت السبيل لبقاء السفراء في العواصم و لم تقطع العلاقات الدبلوماسية مثلما حصل في الجزائر التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب .
بحيث تم الاستغناء عن الصلة القانونية و الاخوية بين تونس و المملكة المغربية و ربما كانت خطوة ليبيا تجاه تونس بدفع من الجزائر التي ساعدت في انتشال تونس من الأزمة الاقتصادية بمبلغ بسيط يقدر ب 250 مليون دولار و هذا من شأنه أن يزيد في تقوية الجدار القائم بين الجزائر و المملكة المغربية بانصهار تونس في هذا التيار و لكن تبقى كل هذه المعطيات مجرد احتمالات فلا وجود لأي شيء يؤكد هذا التصور و لكن يجب أن نخشاه لأن حل أزمة ظرفية في تونس بالسقوط في قرارات استراتجية تربط بمصير القلعة المغاربية يمكن أن يزيد درجة في الخطر على مآل المغرب الكبير و تموقع تونس استراتيجيا في محيطها لا فقط مع المغرب الكبير و لكن أيضا مع دول الساحل الصحراوي الافريقي و مع اوروبا و مع العالم قائلا " هذه قرارات استراتيجية خطيرة لا يجوز أن تتقرر بقطع النظر عن أبعاد لا تساوي قيمة الأزمة التي تعيشها تونس الآن و التي هي أزمة عابرة . "
واذا تبين أن هذه العملية هي في اطار التلاعب المسرحي في خدمة عملية تتجاوز الظرف تصبح ألاعيب خطيرة هذا لا ننسبه الى القيادة الحالية و كل تقارب نرحب به و لكن نأمل أن لا يكون مبني على حسابات خسيسة .
وزير الخارجية السابق أحمد ونيّس تتضارب رؤيته مع رؤية الرئيس حيث تونس لم تقبل من قبل بالخيار الجزائري ، الخيار الجزائري الى نهاية حكم بوتفليقة يرى أن المغرب الكبير يجب أن يتجزء الى ستّة أجزاء و الدولة التي تتوسط الستة و هي الصحراء الغربية تتحكم في الاتصالات بين الاطراف الخمسة و أن الصحراء الغربية يجب أن تخضع الى استفتاء و تقرير المصير و فتح امكانية تأسيس دولة سيّدة تحكم في اراضيها بذاتها و هذا يعني مزيد من التجزئة و التضييق على الدول الاطراف في القلعة المتوسطة من شمال افريقيا و بهذا يمكن للجزائر أن تتحكم في الاتصالات بين المغرب و تونس و المغرب و ليبيا .
حيث أن البلاد التونسية اذا ارادت أن تبقى وفيّة لخياراتها الأساسية فلا سبيل الى المواصلة في الضبابية التي تعيشها اليوم الدبلوماسية التونسية .
اوصاف الحالة في تونس المتأزمة و التي تنزلق مع الزمن أكثر فأكثر الى الهاوية تجعل من هذا الظرف ، ظرف سانح للسلطة الجزائريّة التي واصلت في خيار النظام العسكري الذي سبقها و تعرض خيار على الرئيس قسي سعيّد أنه لو ينظم الى خيارها في خلق دولة سادسة في المغرب الكبير و توحيد بعض المصالح بين تونس و الجزائر ستوفر بعض المنافذ لتونس و هذا نظريا وارد .
التصور البورقيبي كان مخالفا لما يقوم به قيس سعيد حاليا و تونس لم تتوقف في الخيار المغربي و تأسيس المغرب الكبير كخيار وحيد و طورت علاقاتها مع أوروبا و كذلك فعلت المملكة المغربية و النهضة الاقتصادية التونسية تقدمت بخطوات عظيمة و أصبح الارتباط في الأسواق التونسية و المغربية أقوى و أقوى مع السوق الاوروبية .و هذا المكسب هو المنقذ الى حد اليوم و الاقتصاد التونسي أصبح مرتبط بالسوق الاوروبية و الطرف الاوروبي أكثر من الطرف المغاربي .
منهجية الحبيب بورقيبة ليست متوفرة في الجيل الجديد ووضوح السياسة و اليوم تونس لم توضح خياراتها في المغرب الكبير و مع الدول الغربية فيما يخص اركان الخيار الديمقراطي قائلا " سياستنا غامضة و تقييم السياسة الخارجية التونسية و صورة الرموز التي تمثل السياسة الخارجية التونسية مشوشة بفضل الغموض و الحبيب بورقيبة افكاره كانت واضحة و يقولها مسبقا و اذا يواجه اخلالا فيها يعبر عنها و لو كانوا حلفائه ".
بورقيبة لم يكن متأخرا و لا انحنائيا وكان مدركا لجملة الالاعيب الدولية
الحبيب بورقيبة كان زعيم حركة تحريرية التي قاوم فيها احدى اعظم دول العالم في ذلك التاريخ و هي الامبراطورية الفرنسية بلسان " لست عدو الشعب الفرنسي و لكن عدو الاستعمار " .
هذه الخطة الدبلوماسية التي استعملها بورقيبة و نجحت لم يوافق عليها قادة المغرب الكبير و لا الدول العربية و حينما اضطر بورقيبة لاطلاق المقاومة المسلحة لم يتراجع قائلا " بورقيبة لم يكن متأخرا و لا انحنائي و هذا أكسبه قدرا عظيما في فرنسا و غيرها من الدول "
في نفس الوقت مهّد السبيل الى الولايات المتحدة الأمريكية التي لديها مزايا على فرنسا و هي التي حررت فرنسا من الاحتلال و الحبيب بورقيبة كان مدركا لجملة الالاعيب الدولية و مدرك منذ أوائل الأربعينيات ربط صلة الثقة و التضامن بين الدبلوماسية الأمريكية و الحركة التحريرية التونسية لطمأنتهم بأن تونس المستقلة لن تغدر الصف الغربي .
الارتباط بالولايات المتحدة الامريكية و فرنسا الذي اكتسبه الحبيب بورقيبة نظرا لشخصيته و زعامته التي ظلت راسخة عند فرنسا و بورقيبة حين توجه للعلاج في باريس و كان ضيف سفير تونس في باريس رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا ميتارون ينتقل من قصره الى السفارة التونسية لكي يحي الحبيب بورقيبة و هذا يثبت المكانة العظيمة التي كان يحتلها الحبيب بورقيبة .
الحبيب بورقيبة كان يعتمد على منهجية التي جعلت منه زعيما عند أحكام الدول العظمى في العواصم العظمى و له مكانة كبيرة في السلطة و غير السلطة و كان وفيا للتعهدات التي قدمها لهذه الدول و لكن ظل يتجادل معهم في حقوق تونس ، كان له وزن عظيم بحيث وضوح الغايات و التصور الصحيح قائلا " لو نوضح الرؤية لا يمكن لأحد أن يؤاخذنا .
خيارات الرئيس قيس سعيد الوطنية العربية و القومية العربية هي خيارات اساسية بالنسبة اليه في تكوينه و في ثقافته و في القيم التي يعطيها أولوية و التي ينظر اليها كوطني لوطنه و للمنطقة " أظن أن سعيد وطني عربي و ظل وفيا لخياراته و هذا حقه لأن انتخابه كرئيس كان شرعيا ووليد انتخابات . "
منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ، تونس خاطبت الاخوان العرب كدول اسلامية في اطار تضامن الدول العربية للتخلص من الاستعمار الاجنبي و عبد العزيز الثعالبي قام بمساعي عظيمة و كان معروفا بهذا
الدين أمر متصل بالأفراد و بالضمير و لا بالدولة و الخيارات المتمثلة في الاسلام و الدين من جهة و القومية العربيّة من جهة أخرى خلقوا جدلا في المجتمع التونسي ، و الجدل تفجر في المجلس التأسيسي الذي تم انتخابه في أكتوبر 2011 و تبيّنت من خلاله الخلافات بين الديمقراطيين الحداثيين التقدميين و النهضاويين الذين يريدون ربط القوانين و الخيارات السياسية مهما كانت داخلية أو خارجية بالمرجعية الاسلامية و تصدت النخبة التونسية لهذا التيار الرجعي .
هناك تيار ثالث الصاعد من القومية العربية لا يقبل باتجاه النهضة و لا يرضى بإرث القيادة الدستورية المستنيرة التقدمية البورقيبية و اليوم تونس تعيش في هذا المخاض قائلا " هذا من شأنه أن يدفعنا للرجوع الى الوراء لأن مؤاخذات تونس الحديثة بعد الاستقلال ضد الخيارات في اصلاحات ضرورية للمجتمع العربي المستقل الذي اصبح سيّدا في وطنه و تونس كان لديها مؤاخذات للخيارات التي اتخذتها بعض الدول التي سبق استقلالها استقلال تونس بمدة 10 سنوات على الأقل و لم يتم اتخاذ الاصلاحات الصحيحة و كذلك على أساس الخيارات الاستراتيجية للدول العربية و كذلك في علاقة بالقضية الفلسطينية و بقدر ما كانت تونس تعتز بتأسيس الجامعة العربيّة كانت تأسف للمنهجيّة و الخيارات الاستراتيجية للدول المؤسسين للجامعة العربيّة و من انضم اليها فيما بعد و التي لم تكن ناجحة و لم تكن واعدة. "
الزمان بعد عشرات السنين أكد وجهة نظر الحبيب بورقيبة و مؤاخذاته على جامعة الدول العربية.
التعاون التونسي الفرنسي
انصهار تونس في المجموعة الفرنكفونية كانت مناسبة ثرية للقاءات التي جمعت رئيس الجمهورية قيس سعيد بقادة الدول الأخرى قائلا " التعاون بين تونس و فرنسا لا يتأثر بحركات مثلما تم التقاطه في الصورة أما ما نسب للرئيس الفرنسي من جرأة على تقديم النصيحة الى زميله قيس سعيد هذا ينتسب الى مرجعية أخرى "
عندما يقوم شعب بثورة ديمقراطية و بحكم خياره السيد يصبح ينتسب الى المجموعة الديمقراطية في العالم و التي لا تمثل أغلبية فيصبح في صلة مع الدول التي تنتسب الى تلك المجموعة التي تتخاطب و تتشاور و تتناقش فيما بينها و لو باللوم فيما يخص مصير الديمقراطية و هذا يقع بين الدول الديمقراطية لا غير و أوروبا لم تقم بدهس السيادة التونسية و لولا مساعدات أوروبا لما وجدنا النجاة في عديد المحطات التي مرت بها البلاد التونسية كالمساعدة في القضاء على الارهاب .
نهى المانسي
تعليقك
Commentaires