أي مصداقية لسبر الاراء؟
الوريمي: كل الدوائر ترغب في ترشّح الغنوشي
النهضة تدعو سيغما كونساي إلى التحلي بالمهنية وتجنب التوظيف الحزبي
قضت العادة السياسيّة أن تكون حركة النهضة الهادئة-الرّصينة صاحبة مواقف ديبلوماسية، تُولي للتشاور حول المواقفِ "مجلسا" دوريا على الطريقة الإسلامية. مواقف تصوغها بتروّ كي تقتنص من خلالها حليفًا آخر، وحتى تروج لصورة "صديق الجميع"، الصديق نفسه الذي كان في فترة مـا عدوا دمويّا-قروسطيا.
لكن يبدو أن العصبية وجدت منفذًا لمسار النهضة الإتصالي، إذ رفضت الحركة الإسلامية سبر الاراء الأخير لشركة سيغما، وخصصت له حيزًا من بيان سياسي، وخرج العجمي الوريمي لينوّر الرأي العام ويشوّقه-جدّا لسيناريوهات ممكنة، و يوتوبيــا مُشتهاة يكون فيها راشد الغنوشي زعيم الحركة مرشحا للرئاسيات، فتتصدر صورته-المباركة صفحات الجرائد، ويحل إسمه أعلى هرم سبر الأراء. موقف حركة النهضة، أعاد للواجهة السؤال عن مدى شرعيّة سبر الأراء، ودور هذه الأداة السحرية، في تشكيل ملامح الفترة القادمة قُبيل إستحقاق إنتخابي يؤرق الطبقة السياسية ويحمسّها في آن.
قطاع عشوائي
مع كل ظهور لاستطلاعات الرأي العام حول نوايا التصويت، يطفو اشكال غياب اطار قانوني ينظم هذا القطاع على السطح. فتوجه المشرع التونسي لم يتجاوز تنظيم عملية سبر الاراء خلاله الحملات الانتخابية. الفصلين 70 و172 من القانون الانتخابي يمنع "بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات، والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام، خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي، إلى حين صدور قانون ينظم سبر الآراء". الفراغ التشريعي دفع الغرفة الوطنية لمكاتب استطلاع الرأي الى تقديم مشروع وطني لقانون تنظيم عملية سبر الآراء في 2017. تمت احالة نص المشروع على المجلس الوطني للإحصاء والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثم تم تقديمه إلى رئاسة الحكومة. يحمل القانون مشروع احداث هيئة وطنية مستقلة لسبر الآراء لم ترى النور الى اليوم بعد سنتين اذ لم ينظر النواب في هذه المبادرة التشريعية قط ووضعت على الرفوف. أوضحت الغرفة النقابية كذلك أنه سيتم تشكيل لجنة تضمّ ممثّلين عن المعهد الوطني للإحصاء والمجلس الأعلى للإحصاء والجمعية التونسية للإحصائيين ستؤطر القطاع عبر سنّ نظام داخلي للمهنة من خلال وضع الضوابط المهنية والأطر التقنية وضوابط نشر نتائج سبر الآراء من خلال التنصيص على إعلان المموّل وحجم العيّنة ومنهجية البحث وهامش الخطأ. هذه اللجنة أيضا، ظلت فكرة- حبرا على ورق وطالها الغبار وسط الملف التشريعي ذاته. مهنيو القطاع الذين قدموا هذه المبادرات، يشددون رفضهم لأن يكون تنظيم القطاع قانونا مسقطا من قبل نواب الشعب غير المختصين في هذا المجال. في 2016، تقدم نواب التيار الديمقراطي ونواب الجبهة الشعبية بمبادرة تشريعية مشتركة لقانون أساسي ينظم قطاع سبر الآراء. مشروع تونس كذلك كان أعلن عن تقديم قانون في ذات السياق لكنها وجهت بالرفض باعتبارها "ضربا لحرية الاعلام". ورغم أن النظر في المبادرات المقدمة يجب أن يكون أولوية المرحلة، يبدو أن السلطة التشريعية مشغولة عن هذا الموضوع الذي ما انفك يطرح منذ انطلاق المسار الانتخابي 2019.
أي مصداقية ؟
غياب-تغييب اطار قانوني يطرح بديهيا سؤال المصداقية لنتائج استطلاعات الشهر الدورية- والعرضية. بين 20 و25 شركة استطلاع رأي تونسية تقوم بنشر سبر الاراء حول مواضيع متعددة، لكن يغلب عليها الطابع السياسي الذي يشكك في مدى استقلالية هذه المؤسسات ومدى تورطها في التأثير على الرأي العام خاصة أنها لا تقوم بتبني مقاربة الشفافية المالية ولا تنشر تمويلاتها أو حساباتها المالية. هي عادة-فعل ديمقراطي جديد في تونس بعد الثورة لم ينضج كفاية كي يؤسس لقواعد علمية دولية أو ميثاق موحد تعتمده كل المؤسسات في مستوى اختيار العينات والأسئلة والمؤشرات، مما يوضح تضارب بعض النتائج الصادرة في نفس الفترة عن شركتين مختلفتين. سؤال المصداقية يتجاوز شركة سبر الاراء الى المحامل الاعلامية التي تقوم بمعالجة وتحليل ونشر هذه الارقام للجمهور الأوسع، هي مسؤولية مشتركة اذ يتحمل الاعلامي-الصحفي كذلك عواقب عدم قدرته على التعامل مع الأرقام وتضليل الرأي العام قصدا أو عن غير دراية. في حين أن هذه الأرقام هي مجرد مؤشرات ضمن اللعبة الديمقراطية ولا يمكن التعامل معها على اساس معطيات رسمية-نهائية. العديد من المؤسسات على الساحة انتقلت من الاشهار الى السياسة بعد الثورة دون تغيير منهجها العلمي، وتعمل دون اشراف رقابي من الدولة. بعض المؤسسات تعتمد عينات صغيرة للغاية لا تتجاوزمجال جغرافي مغلق وتعتمدها كمقياس لمعرفة نوايا التصويت، مما قد يساهم في تضخيم حظوظ بعض الشخصيات/الاحزاب واقصاء شخصيات/أحزاب قد تكون جديدة أو لها تمثيليات صغيرة.
مخاوف من توجيه الرأي العام
"لا أعلم" هي النسبة التي تصدرت نوايا التصويت في مارس المنقضي لدى السؤال عن رئاسيات 2019. شريحة واسعة من التونسيين تتخبط في "لا أدرية" الاختيار المنتظر مع تواصل ضبابية وتصدع المشهد السياسي. تتجه المخاوف عموما في هذه الفترة المفصلية الى خشية التأثير على الرأير العام وتوجيهه نحو مسارات معينة الى زيادة حظوظ شخصيات كعبير موسي وقيس سعيد ونبيل القروي الذين يتعاطف معهم التونسيون بعد حدث معين كاعتداء أو مظلمة- فتأتي النتائج ترجمة لذلك. مرد النتائج لا يكون مشروعا سياسيا بل اختيار توقيت قد لا يكون بريئا واستغلال عاطفية التونسيين وربما-ذاكرتهم القصيرة وتخلو بذلك من المنطقية، أو الشرعية. ان الناخب الذي لا يعلم لمن يصوت هو جمهور هذه الاستطلاعات المحبذ، لانه قد يتوجه بكل بساطة للأسماء التي يراها في المراتب الأولى بدل المراهنة على أسماء غير معروفة يتوقع لها الخسارة قبل انطلاق الاقتراع. الوجوه/ الأحزاب التي يوضع لها وصم-brand النجاح من قبل هذه المؤسسات تنطبع في أذهان التونسيين وبذلك ترسم اختياراتهم بطريقة غير مباشرة.
8 سنوات كانت فيها حركة النهضة في وفاق تام مع شركات سبر الاراء، تنشر نتائجها بفخر على مواقع التواصل الاجتماعي ويتفاخر قياديوها بالمراتب الأولى، الا أن أرقام الحركة بدأت بالتراجع، وأزاحتهم أطراف أخرى، فأضحت هذه النتائج "غير مهنية" ويمكن توظيفها سياسيا. 8 سنوات كان للنهضة أغلبية برلمانية، ولكنها لم تفكر-تجاهلت خلالها الاقتراحات التشريعية لتنظيم القطاع. فهل تتحرك الان بعد "تضرر مصالحها"؟
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires