سماء تونس تُمطر قرارات موجعة
صادق مجلس نواب الشعب، أمس الأربعاء، 3 أفريل 2019، على مشروع القانون المتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 12 لسنة 1985 المؤرخ في 5 مارس 1985 المتعلق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد وللباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي. هذه الخطوة الأولى على درب إصلاح الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، كانت صعبة نسبيا، لكنها فُرضت باعتبارها أمرا حتميا وبديهيا. لكن يبدو أن هذا القانون قد طمأن المتقاعدين الذين لم يكنوا متفائلين كثيرا مع دخول سنة 2019.
فقد صادق أعضاء البرلمان خلال هذه الجلسة العامة على مشروع القانون برمّته، بما في ذلك الفصل الثاني والمتعلق بالترفيع في سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما.. وهو ما قد أسعد البعض ومنهم الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض، كمال المدوري الذي أوضح في تصريح بعد المصادقة، أن هذا القرار سيضمن مداخيل هامة للصناديق الإجتماعية وسيساهم في حل جزء من أزمتها. كما قدّر أن جملة هذه المداخيل قد تبلغ 335 مليون دينار، لتصل إلى 818 م د في 2020 و1450 في سنة 2021.
وكان البرلمان صادق في ديسمبر 2018 ضد هذا المشروع، مما أنذر بما هو أسوأ، في ظل عجز قياسي قُدّر ب 1800 مليون دينار في سنة 2019. لذلك لم تكن هناك خيارات كثيرة أمام البرلمان لتحسين وضعية الصناديق الإجتماعية، فإما الترفيع في المساهمات أو في سن التقاعد أو الجمع بينهما. وقد اختارت تونس الحل الأشمل، على حساب أعوان الوظيفة العمومية الذين يتجاوز معدل أعمارهم 45 سنة.
صندوق النقد الدولي كان أوضح في تقاريره أن الأولويات الثلاث القصوى على المدى القريب لمحاولة إعادة التوازن لميزانية تونس هي مواصلة الجهود الرامية إلى التقليص في دعم الطاقة واحتواء حجم الأجور في القطاع العام وصياغة مشروع قانون حول إصلاح أنظمة التقاعد، لتحسين الوضعية المالية لمنظومة الضمان الإجتماعي.
ما من شك أن هذه القرارات وغيرها من إجراءات تم الإعلان عنها خلال الأيام القليلة الماضية، جميعها أثارت استياء الشعب، فالترفيع في سن التقاعد، جاء بعد أيام قليلة من الزيادة في أسعار المحروقات، كما أنه تمت الزيادة في نسبة مساهمة الأعوان بعنوان أنظمة التقاعد ب 1 بالمائة بداية من جانفي 2020.
وفي هذا الصدد أوضح وزير الشؤون الإجتماعية، محمد الطرابلسي أن القانون ينص أيضا على الترفيع في نسبة المساهمات بعنوان التقاعد بنسبة 3 بالمائة، يتولى المشغل تسديد 2 بالمائة منها بداية من اليوم الاول للشهر الموالي لدخول القانون الجديد حيز النفاذ، في حين سترتفع مساهمة الأعوان بنسبة 1 بالمائة بداية من شهر جانفي 2020 .
كما أكد أن القانون سيمكن من تحسين الأوضاع المالية للصناديق الاجتماعية، خصوصا بالنسبة إلى صندوق التقاعد والحيطة الإجتماعية بما يؤدي الى تقديم خدمات أفضل للمتقاعدين.
يبقى أن المشكل الهيكلي الذي تتخبط فيه صناديق الضمان الإجتماعي لن يلقى طريقه إلى الحل بمجرد اتخاذ قرار واحد .. فتهرم السكان وتغيّر هرم الأعمار يؤثر بشكل كبير في الوضعية المالية لنظام التقاعد في تونس. فوجود عدد من المستفيدين أكبر من عدد المساهمين، مع التقليص في عدد سنوات العمل والترفيع في سنوات التكفل الإجتماعي، كلها عوامل تعرقل الصناديق الإجتماعية وتهدد بانهيار المنظومة برمتها.
في سياق متصل يُنتظر أن يتم الإعلان عن إحداث هيئة عليا يترأسها رئيس الحكومة، للبحث في مصادر جديدة لتمويل الصناديق الإجتماعية، وفق ما أفاد به وزير الشؤون الإجتماعية. والأكيد أنه سيتم في هذا الإطار التفكير في الحلول الكفيلة بإصلاح جذري لمنظومة تقوم بالأساس على التضامن وقد أظهرت محدوديتها. ففي بعض الدول الأوروبية بالخصوص، فإن التوجه اليوم يسير نحو إقرار التقاعد التكميلي والإدخار وهي آليات يجب التفكير في اعتمادها في تونس يوما ما ...
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires